تقرير الخارجية البريطانية:

البحرين (حالة تحت الدراسة)

حينما يتصل الأمر بالتعامل مع قضايا منطقة الشرق الأوسط، والعالم العربي على وجه التحديد، فإن بريطانيا تمتلك ميزة لا تتوفر لغيرها من أطراف العالم الغربي، ألا وهي معرفتها الوثيقة وإلمامها الدقيق بخصائص تلك المنطقة ـ بالنظر الى وجودها الاستعماري السابق فيها ـ لا من الناحية الجيوسياسية فحسب، ولكن أيضاً من زاوية الإستيعاب لإرثها الثقافي والإجتماعي والديني الذي يلعب دوره في صياغة وجدانها.

ولقد حافظت بريطانيا في حقبة ما بعد الإستعمار والحروب العالمية بما فيها الحرب الباردة على قدر كبير من التأثير في بلدان عديدة ومن بينها دول منطقة الخليج، حيث لاتزال لها كلمة وتأثير سياسي، ودور تلعبه على الصعيد الدولي.

من تجسيدات الدور البريطاني فإن وزارة الخارجية البريطانية تولي اهتماماً بموضوع حقوق الإنسان والديمقراطية في دول العالم كجزء من سياستها الخارجية، وتصدر تقارير سنوية وأخرى دورية توضح رؤيتها لدول العالم من حولها بناء على تلك المفردتين: (حقوق الإنسان، والديمقراطية).

التقرير السنوي البريطانية يستعرض التحديات التي تواجه أوضاع الديمقراطية وحقوق الإنسان في شتى بقاع المعمورة، وموقف الحكومة البريطانية تجاه التصدى لها ومعالجتها. ويفرد التقرير حيّزاً مهما لدول بعينها تعتبر بريطانيا أن سجلها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان يشكل مبعث قلق، قد يفضي الى اتخاذ مواقف على صعيد العلاقات الثنائية مع تلك الدول، أو على صعيد قرارات قد تتخذ وتتبنّى في أروقة المنظمات والمؤتمرات الدولية والإقليمية.

كما في تقارير الخارجية الأميركية، فإن تقارير الخارجية البريطانية، تهتم بصورة أكبر بوجهة نظر المنظمات الحقوقية الدولية كمنظمتي (العفو الدولية) و(هيومان رايتس واتش) تجاه القضايا المطروحة، كما تهتم بما يرد في الصحف الكبرى ومنافذ الإعلام ذات التأثير في تشكيل توجهات الرأي العام البريطاني، وكذلك برأي نواب مجلس العموم البريطاني الذين عادة ما يخضعون تقارير الخارجية البريطانية لنقاش مستفيض خاصة من أعضاء لجنة الشئون الخارجية.

ومما يعكس اهتمام الخارجية البريطانية بملفات الديمقراطية وحقوق الإنسان، أنها أشركت الجهات آنفة الذكر في تقرير مسار السياسة البريطانية، وقد استحدث وزير الخارجية الحالي، ويليام هيج، في ديسمبر من العام 2010 هيئة لهذا الغرض تحت مسمى (المجموعة الإستشارية لحقوق الإنسان) تضم في عضويتها ممثلين للمنظمات الحقوقية الدولية، والمؤسسات الدولية، والمؤسسات الأكاديمية، ومراكز البحث والدراسات، وأجهزة الإعلام.

وفيما يتعلق بموقع البحرين، فإن تقارير الخارجية البريطانية أفردت اهتماماً بما يجري فيها منذ العام الماضي، في سياق التحولات في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. فقد افرد تقرير وزارة الخارجية لعام 2011 والذي صدر في نهاية ابريل 2012، فصلاً خاصاً عن تلك التحولات، وناقش خلفياتها ومسبباتها، وكيف يجب التعاطي معها، وموقف بريطانيا منها، وحدد الفصل بواعث القلق من سجلها في مجال حقوق الانسان.

التقرير أشار الى 28 دولة في العالم، بينها سبع دول عربية لم تكن من ضمنها البحرين، التي رأت وزارة الخارجية البريطانية أن تلحقها بتصنيف جديد ابتدعته للمرة الاولى تحت مسمّى (حالة تحت الدراسة) أو (دراسة حالة) وهو يتمثل في قائمة لا تقتصر على الدول فحسب كما هو الحال في قائمة الدول (مثار القلق)، وانما تشمل ايضا قضايا حقوقية بعينها ذات صفة عمومية. وقد فسّر وزير الخارجية البريطانية (وليام هيج) هذا التصنيف الجديد في كلمته التي قدم بها التقرير بقوله بانه يقتصر على مسائل ذات أهمية خاصة في بلدان لا نرى بأن سجلها في مجال حقوق الانسان بشكل اجمالي من السوء، بحيث يبرر الحاقها بسجل الدول الذي يبعث على القلق. واعلن هيج ان وزارته ستتبع منهجا جديدا يقضي باصدار تقارير متابعة فصلية، لتقييم مدى التقدم الذي تحرزه الدول الواقعة تحت التصنيفين المذكورين (حالة تحت الدراسة؛ باعثة للقلق).

أثار عدم تصنيف البحرين في تقرير الخارجية ضمن الدول المثيرة للقلق عدم الرضا والإستنكار في دوائر منظمات حقوق الانسان ووسائل الاعلام، واروقة البرلمان، بل وذهب البعض الى حد توجيه الاتهام للحكومة البريطانية بالتضحية بالمبادىء في سبيل المصالح. بيد ان الحكومة البريطانية كان لها تقييمها الخاص، ومنهجها الذي تزن به الأمور. ويعتقد بأن الخطوة الجريئة التي أقدم عليها ملك البحرين بتشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق (لجنة بسيوني) وقبوله بتقريرها بما حواه من انتقادات وتوصيات، قد اقنع الحكومة البريطانية بنوايا البحرين وجديتها تجاه الإصلاح وتحسين أوضاع حقوق الانسان، الأمر الذي يعتقد بأن بريطانيا قابلته بالتشجيع والنصح الهادىء والدفع تجاه المزيد من الاصلاح، بدلا من النقد اللاذع والتقريع. وقد تجلى هذا التوجه بوضوح خلال النقاشات الساخنة التي ظلت تشهدها قاعات مجلس العموم البريطاني، والتي يقف فيها اليستر بيرت، وزير الدولة للشؤون الخارجية ومسؤول ملف الشرق الاوسط وشمال افريقيا، منافحاً عن سياسة وزارته تجاه البحرين، والتي ترتكز على التفاؤل بامكانية احداث تقدم وانفراج في الاوضاع الحقوقية والسياسية، عبر تنفيذ توصيات تقرير بسيوني، ومن خلال تكثيف التشاور مع المسؤولين البحرينيين، وتقديم المساعدات الفنية والاستشارية التي تعين على ذلك.

تطبيقاً لهذا التوجه الذي أعلن عنه اليستر بيرت والذي يعتمد على تشجيع الحكومة البحرينية لتحسين الأوضاع وسدّ الثغرات وتقديم المشورة، أكدت بريطانيا هذا في جلسات مناقشة تقرير البحرين أمام الجلسة الثالثة عشرة من الدورة الثانية لآلية المراجعة الدورية الشاملة بمجلس حقوق الانسان في نهاية مايو الماضي. كما أن أبرز محاور التفاعل البريطاني تجاه البحرين تمثل في الزيارات المتبادلة بين المسؤولين في البلدين في الآونة الاخيرة، لعل أبرزها زيارة (اليستر بيرت) للبحرين في الاسبوع الثاني من يونيو الماضي، والزيارتين اللتين قام بهما لبريطانيا كل من وزير الداخلية البحريني، الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، ووزيرالعدل والشؤون الاسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة. وخلال تلك الزيارات كان الموضوع الرئيسي هو: ضرورة تنفيذ الحكومة البحرينية وبشكل فوري جميع توصيات بسيوني؛ واستعداد بريطانيا تقديم كل العون الممكن في هذا المجال. وقد كان واضحا ان بريطانيا تعلق اهمية كبيرة على بندي: المصالحة الوطنية، والحوار البناء، باعتبارهما السبيل الوحيد لتحقيق واستدامة الاستقرار والازدهار في البحرين.

وكانت الخارجية البريطانية قد أصدرت في يوليو 2012 تقرير المتابعة ربع السنوي الخاص بتقييم أداء الدول المصنفة في قائمتي (مبعث القلق) و(تحت الدراسة)، حيث اوضح التقرير حدوث بعض التقدم في بعض جوانب سجل البحرين لحقوق الانسان، واحتوى على عدد من الملاحظات والتوصيات لعل من أهمها:

أولاً ـ مناشدة الحكومة البحرينية ضمان ومراعاة الاجراءات القانونية السليمة ومبدأ الشفافية فيما يتصل بالمحاكمات وإعادة المحاكمات التي تجري حالياً.

ثانياً ـ ضرورة الاستمرار في مقاضاة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الانسان التي وقعت سابقاً.

ثالثاً ـ عبر التقرير عن القلق من استمرار استخدام الخطاب الطائفي في وسائل الاعلام الحكومية وتلك التابعة للمعارضة، ورأى ان السلطات مسؤولة عن وضع الضوابط المهنية للعمل الاعلامي التي تكفل الابتعاد به عن التعصب والتحريض على الكراهية والعنف.

واضح أن التوجه البريطاني يهتم بمآلات ونتائج التطور الحقوقي في البحرين، وهو يسعى بأن سياسة الاستمرار والإدانة قد لا تؤدي الى تحسن السجل الحقوقي، في حين أن البناء على مرجعية بسيوني وتنفيذ توصياته، مع تقديم العون والخبرة الفنية، سيكون لها التأثير الإيجابي في المستقبل. ولذا فالمطلوب بحرينياً هو المزيد من السعي لتشجيع هذا النوع من التعاطي المعتدل مع الملف الحقوقي البحريني من خلال:

● الاستمرار في تطبيق توصيات بسيوني بكل الجدية المطلوبة والسعي للافادة مما ابدته الحكومة البريطانية من استعداد لتوفير كل الدعم الممكن بما في ذلك العون المهني والفني والتقني وفي مجالات التدريب.

● الاهتمام بتوفير المعلومات الدقيقة بكل ما يتصل بخطوات تنفيذ التوصيات مع توضيح العقبات التي تعترض طريق التنفيذ ان وجدت، وذلك بكل شفافية مع توفير المعلومات للجهات المعنية بما في ذلك الحكومة البريطانية التي ستفيدها في مواصلة تقديم الدعم، والرد على منتقدي سياستها ومنهجها في التعامل مع ملف البحرين الحقوقي.

● اعادة النظر في مسالة التعامل مع المنظمات الحقوقية الدولية، وخاصة فيما يتصل بالسماح لها بزيارة البلاد وممارسة نشاطها الحقوقي. ان من شإن هذا الإجراء تعزيز الثقة بين الطرفين، واعطاء مصداقية لجهود الحكومة المبذولة، ويجعلها قادرة على الإستفادة من خبرات تلك المنظمات.