تقرير: البحرين.. أزمة حقوق الإنسان

أطلقت منظمة العفو الدولية في 21 أبريل 2011 تقريراً موجـزاً عن أوضاع حقوق الإنسان في البحرين منذ إندلاع الأحداث الأخيرة في فبراير الماضي. جاء التقرير تحت عنوان (البحرين: أزمة حقوق الإنسان)، وأشار إلى تراجع أوضاع حقوق الإنسان على نقيض ما حققته البحرين عام 2010، حيث كانت البحرين تعتبر الدولة الخليجية التي حققت أكبر تقدم في هذا المجال. وقال التقرير بأن البحرين سقطت في أتون أزمة سياسة، ما أدى الى تصاعد وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان. وتشمل الانتهاكات اعتقالات تعسفية على نطاق واسع، حيث ألقي القبض على أكثر من 500 شخص في شهر مارس الماضي، وذلك إثر الاحتجاجات المطالبة بتغيير النظام السياسي. وظلت أماكن وجود المعتقلين غير معروفة رغم مرور أسابيع على اعتقالهم، وترفض الحكومة إفشاء هذه المعلومات إلى أسرهم أو محاميهم أو السماح لهم، في معظم الحالات، بأي اتصالات أو زيارات، مثيرة بذلك قلقاً عظيماً حول سلامة المحتجزين. وأحيل ستة من المحتجزين من زعماء المعارضة إلى المدّعي العسكري، وورد أنه جرى استجوابهم في حضور محاميهم فيما يتعلق بدورهم في الاحتجاجات.

وأورد تقرير العفو الدولية أسماء بعض المعتقلين والمحتجزين من السياسيين والأطباء والممرضين وأساتذة الجامعة، دون الافصاح عن أماكن نحو 85 شخصاً ورد مؤخراً إطلاق سراحهم. كما أشار التقرير إلى احتجاز 18 امرأة على الأقل من بينهن طبيبات وممرضات ومدرسات، بعضهن يحتجزن في حجز بمعزل عن العالم الخارجي في أماكن غير معروفة. واعتبرت منظمة العفو الدولية بعض هؤلاء المعتقلين سجناء رأي، تم سجنهم لمجرد قيامهم بممارسة مشروعة لحرية التعبير أو غير ذلك من حقوق الإنسان.

من ناحية أخرى انتقد تقرير العفو الدولية مزاعم التعذيب وإساءة معاملة المحتجزين الذين توفي أربعة منهم على الأقل في الاحتجاز في ظروف قال أنها مريبة وذلك منذ بداية أبريل، وشملت وسائل التعذيب اللكمات، والركل بالأحذية الثقيلة، والضرب بهراوات خشبية، وفي بعض الحالات استخدام الصدمات الكهربائية. واستشهدت المنظمة بعدد من شهادات ضحايا تعرضوا للتعذيب. كما انتقد التقرير استخدام قوات الأمن للقوة المفرطة والمميتة. كما أشار التقرير الى طرد مئات من الموظفين العاملين بالدولة وغيرها من وظائفهم، وذلك فيما يبدو بسبب اشتراكهم في الإحتجاجات أو تأييدهم لها.

في هذا الصدد جاء رد الحكومة البحرينية على التقرير، على لسان الدكتورة فاطمة البلوشي وزيرة التنمية الإجتماعية، والمعنية بملف حقوق الإنسان من جانب الحكومة، وذلك في رسالة إلى الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، أكدت فيه على أنَّ (الإجراءات النظامية والقانونية اتُخذت بناء على المعايير القانونية المناسبة، وتبعاً لمدى العلاقة في انتهاك وتجاوز القانون، وذلك من قبيل التغيب عن العمل، ... الدولة لا دخل لها بقرارات شركات القطاع الخاص وتعاطيها مع قوة العمل بها، وإذا كان هناك من يعتقد بأنه تم التعامل معه بشكل غير عادل، فإن بمقدوره رفع قضيته إلى القضاء). وأكدت الوزيرة أن حالات توقيف بعض الأطباء والممرضات والمحاضرين ليست ذات صلة مباشرة بالمهن التي يمتهنونها، أو نشاطهم المهني القانوني، وإنما لأن التحقيقات القانونية أظهرت وجود أدلة على تورطهم في أنشطة إجرامية من قبيل التحريض على العنف أو الكراهية، ورفض تقديم الخدمة الطبية لأسباب سياسية وطائفية)( وكالة انباء البحرين، 26 أبريل 2011).

أما تقرير العفو الدولية آنف الذكر، فأشار إلى مناخ سائد من الخوف، وتزايد الانقسام الطائفي بين السنة والشيعة، ووقوع هجمات استهدفت العمال الأجانب من أطراف محسوبة على المعارضة المتشددة؛ بينما يرى مؤيدو الحكومة في الإجراءات التي اتخذتها وما تضمنته من صرامة مع المعارضة بأنها ضرورية من أجل (انتشال البحرين من الهاوية).

وانتقد التقرير فرض (حالة السلامة الوطنية/ الطوارئ) منذ 15 مارس لفترة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بموافقة البرلمان، الذي وصفه التقرير بالضعف خاصة بعد انسحاب معظم أعضاء كتلة الوفاق الثمانية عشر احتجاجاً. وتمنح حالة الطوارئ قوات الأمن سلطات هائلة تسمح لها بحظر كافة الإجتماعات العامة التي ترى أنها تضر بالأمن القومي؛ ومنع الأفراد من السفر خارج البحرين؛ وأن تفتش الأماكن والأفراد المشتبه بهم. وتسمح حالة السلامة الوطنية للسلطات كذلك بإغلاق المنظمات غير الحكومية، والنقابات والأندية الاجتماعية، والجمعيات السياسية، وأن تنشئ نظاماً من المحاكم الخاصة لمحاكمة المتهمين بجرائم ضد الدولة، لا يحتوي على ضمانات واضحة لحقوق الإنسان، خاصة عند إلقاء القبض، وعدم تحديد المدة التي يمكن أن يحتجز فيها الشخص قبل تقديمه للمحاكمة. ولا يمكن الاستئناف ضد الأحكام النهائية لهذه المحاكم الخاصة في محاكم البحرين العادية. وأشار التقرير إلى تعارض حالة السلامة الوطنية مع التزامات البحرين المضمنة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ومع مواد موجودة في القوانين البحرينية، بما في ذلك الدستور، والقانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية.

في هذا الصدد جاء رد الحكومة البحرينية على لسان الدكتورة فاطمة البلوشي حيث أكدت على أنَّ (المملكة تُـعنى بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية بالرغم من الوضع الأمني الذي تضمن عنفاً متعمّداً ومتطرفاً، حتى ضد اولئك المدنيين العزل وغير المسلحين. وهو العنف الذي يتم دعمه من التدخلات الخارجية. وكنتيجة لهذه التحديات، لم يعد أمام المملكة أي خيار سوى إعلان حالة السلامة الوطنية، وذلك لاستعادة السلم والأمن، والتـأكيد على حماية حقوق كل مكونات المجتمع)(وكالة أنباء البحرين، 26 أبريل 2011).

وغطى تقرير العفو الدولية أحداث شهر مارس الماضي بصورة وافية، حيث أشار إلى الخلفية التي أدت لتزايد المظاهرات وتواصل الاحتجاجات ضد الحكومة عقب انسحاب قوات الجيش والأمن من دوار اللؤلؤة في 18 فبراير 2011. ولاحظ التقرير ارتفاع سقف مطالب المحتجين، فأصبح كثير منهم ينادون علناً بإلغاء الملكيّة وإبدالها بنظام جمهوري. وعلى النقيض، طالبت الجمعيات السياسية السبع المسجلة قانونياً، ومن بينها (الوفاق) كبرى الجماعات السياسية، بإقامة ملكية دستورية حقيقية واستقالة الحكومة كشرط مسبق لدخولها في مفاوضات مع ولي العهد. كما أشار التقرير إلى بدايات العنف المتبادل بين الأطراف بدءاً بمظاهرات 12 و13 مارس بين المحتجين المطالبين بإلغاء الملكية من جهة، ومؤيدي الحكومة في منطقتي الرفاع وجامعة البحرين في مدينة حمد من جهة ثانية.

وأشار التقرير إلى اغلاق المحتجين ضد الحكومة الطرق الرئيسية في المنامة، واحتلال منطقة المرفأ المالي، محدثين بذلك فوضى كبيرة في هذه المناطق، إضافة إلى هجومهم على عمال آسيويين مهاجرين، تسببت في وفاة ثلاثة وإصابة آخرين. كما أشار التقرير إلى إرسال الحكومة السعودية في 15 مارس قوات إلى البحرين بناء على طلب من الحكومة البحرينية للمساعدة في حراسة المنشآت الحكومية الرئيسية في البحرين. وفي اليوم التالي، أرسلت الحكومة قوات الأمن، مدعومة بالطائرات المروحية والدبابات، لتجتاح منطقة دوار اللؤلؤة واجلاء المحتجين عنها. ونجم عن ذلك اشتباكات قتل فيها اثنان من المحتجين واثنان من ضباط الشرطة، على الأقل؛ كما أصيب عشرات الأشخاص على أيدي قوات الأمن التي أبعدت المحتجين بشكل عنيف. كما اتبعت قوات الأمن نفس الطريقة في إجلاء المحتجين بالقوة عن منطقة المرفأ المالي القريبة.

واعتمد تقرير منظمة العفو الدولية على ما توصل إليه وفدها الذي زار البحرين في الفترة ما بين 1-8 أبريل 2011، متابعة لزيارات سابقة في فبراير 2010 وفي نهاية 2010، إضافة للرصد المستمر للتطورات في البحرين. وأشار التقرير إلى اللقاءات المتعددة التي عقدها وفد منظمة العفو مع المسؤولين في العديد من الوزارات، كما اجتمع الوفـد أيضاً مع ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وأقاربهم وشهود العيان للانتهاكات، ونشطاء حقوق الإنسان، وممثلي الطوائف الدينية والعرقية المختلفة، والمحامين والصحافيين، وأصحاب المهن الطبية، وغيرهم.

يمكن تلخيص أهم توصيات منظمة العفو ـ والتي وردت في التقرير ـ على هذا النحو:

حثت المنظمة الحكومة البحرينية على إطلاق سراح جميع سجناء الرأي فوراً ودون أي قيد أو شرط، وأن تتكفل بإطلاق سراح جميع المحتجزين الآخرين، ما لم توجه إليهم تهم جنائية محددة، على أن يحاكموا وفقاً للمعايير الدولية للمحاكمات العادلة، ودون توقيع عقوبة الإعدام.

أن تعلن السلطات البحرينية فوراً عن أماكن جميع من جرى احتجازهم مؤخراً، وتسمح لهم بالاتصال السريع والمنتظم مع محاميهم وأسرهم، وأن تتكفل بتمكينهم من الحصول على العلاج الطبي الضروري وتلقيهم إياه.

ضرورة محاسبة أي شخص من قوات الأمن أو غيرهم من المسؤولين عن انتهاكات الحقوق الإنسانية للمحتجزين، وإبعاده فوراً عن منصبه الذي قد يستمر من خلاله في ارتكاب هذه الانتهاكات في حق المحتجزين.

إن الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، مثل اتفاقية الأمم المتحدة المناهضة للتعذيب ـ والتي صادقت عليها البحرين ـ والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وكذلك القوانين البحرينية، تمنع استخدام التعذيب.

أهابت منظمة العفو الدولية بأن تجري الحكومة البحرينية ـ وعلى الفور ـ تحقيقاً مستقلاً ونزيهاً في الوفيات التي حدثت داخل الحجز؛ وفي كافة المزاعم حول تعذيب المحتجزين وتعرضهم لغيره من صنوف المعاملة السيئة، وأن تقدم للعدالة أي فرد من القوات العسكرية أو الأمنية أو غيره من المسؤولين الرسميين، مهما كانت درجته، وكان مسؤولاً عن تعذيب المحتجزين أو إهانتهم.

حثت العفو الدولية البحرين على إعطاء أولوية أكبر لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.

وطالبت منظمة العفو الحكومات الصديقة للبحرين، بحثّ الأخيرة على التقيد بالتزاماتها الدولية والتمسك بحقوق الإنسان واحترامها.