البحرين: مسألة حرية الجمعيات

(شهدت السنوات القليلة الماضية وكنتيجة مباشرة لإطلاق الميثاق والإصلاح.. إرتفاعاً كبيراً في أعداد الجمعيات الأهلية، فبينما لم يتجاوز عدد هذه الجمعيات 260 جمعيه في نهاية عام 2001، تعدّى عددها 474 جمعية في العام الحالي، وهو مؤشر لحيوية ونشاط العمل الأهلي في البحرين) (فاطمة البلوشي، وزيرة التنمية الاجتماعية، 7/7/2009).

وفقا للدليل الذي أصدرته وزارة التنمية الاجتماعية في وقت سابق، بلغ عدد منظمات المجتمع المدني التي تم الاعتراف بها والمسجلة في البحرين 456 في السنوات الأخيرة، ما يعني أن عدد منظمات المجتمع المدني في البحرين التي يكاد يصل عدد سكانها المليون نسمة (شاملاً الأجانب) وصلت إلى رقم كبير، ما يلقي الضوء على مساحة الحرية المتاحة في تشكيل الجمعيات، وحجم الحراك المجتمعي التوّاق الى تأسيس المزيد منها، بالرغم من حقيقة أن فاعلية الكثير من تلك الجمعيات لاتزال موضع شك.

ووفقاً للدليل نفسه، تمثل هذه الكيانات مجموعة واسعة من الطيف البحريني، وتشمل ما يلي: 19 جمعية نسائية، 90 جمعية اجتماعية، 15 جمعية شباببة، 27 جمعية إسلامية، 16 جمعية خيرية، 78 صندوق خيري، 59 جمعية مهنية، 20 جمعية تعاونية، 18 جمعية خاصة، 12 جمعية خليجية ، 47 جمعية أجنبية، 36 نادي أجنبي، و19 كنيسة. ومما يجدر ذكره أنَّ هنالك حوالي 16 جمعية سياسية في البحرين (أحزاب سياسية).

لقد استمر النضال لفترة طويلة من الزمن من أجل إنشاء منظمات المجتمع المدني، والاتحادات والجمعيات، وكذلك النقابات العمالية في البحرين. ويرجع ذلك أساسا إلى عدم وجود قانون لتنظيم إنشاء مثل هذه الاتحادات والمنظمات. على سبيل المثال، استغرق الاتحاد النسائي البحرينى أكثر من 30 عاما ليتحقق. لقد بدأ حلم إنشاء الاتحاد النسائي في أوائل السبعينات، ولم يصبح حقيقة إلاِّ في عام 2006. لقد بدأت الخطوات الحقيقية لتسجيل الإتحاد في عام 2001. وأولى الصعوبات التي واجهها إنشاء الاتحاد النسائي هى العائق القانوني المتمثل في عدم وجود نص صريح ينظم عمل النقابات في قانون الجمعيات. ولم يتم الإعتراف بالإتحاد النسائي إلاِّ في فبراير 2006م، بعد أنْ حكمت محكمة بحرينية لصالح إنشاء الاتحاد النسائي، وتم ذلك بعد خمس سنوات من الشد والجذب بين الاتحاد ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وفيما بعد بين الاتحاد ووزارة التنمية الاجتماعية بعد فصلها من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية.

هذا المثال من الأهمية بمكان لإظهار الطريق الصعب الذي سلكته النقابات والجمعيات في الماضي. ولكن هل الوضع في الوقت الحاضر يختلف عن الماضي؟ وما هي التحديات التي تواجه المنظمات غير الحكومية (الجمعيات) في البحرين؟ وما هو النهج الأفضل في التعامل مع هذه التحديات؟

حازت مسألة حرية الجمعيات في البحرين على الاهتمام المحلي والدولي في آنٍ واحد. فبينما انبرت منظمات المجتمع المدني في البحرين للتصدي للتحديات التي تواجهها، القانونية منها والسياسية، ذهبت المنظمات الدولية المعنية إلى التعاطي مع المسألة في إطار أشمل على نطاق منطقة الخليج مع إفراد حيز خاص بالبحرين. وفي كل الأحوال تركزت النقاشات حول التحديات القانونية التي تواجه منظمات المجتمع المدني في البحرين، بما فيها الحق في تكوين جمعيات ونقابات، ومعضلة التسجيل، وحرية النشاط، وتلقي الأموال، وإغلاق وتعليق ودمج الجمعيات، والانتساب إلى منظمات إقليمية ودولية، وغير ذلك من القضايا المشابهة.

على المستوى المحلي، ناضلت منظمات المجتمع المدني (الجمعيات) من أجل تعديل وتطوير قانون الجمعيات (قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة الصادر بالمرسوم بقانون رقم ٢١ لسنة ١٩٨٩) وأبدت استياءها من تأخير تعديله، كونه يحد من نشاطها، ويعطي الحكومة سلطات مطلقة لجهة رفض التصريح بتكوين جمعيات سياسية ونقابية، وجمعيات حقوق إنسان، ويخضعها للمراقبة والمساءلة حتى في أبسط الأمور الداخلية التي تخصها. كما يمنح القانون الحكومة سلطات واسعة لجهة إغلاق وتعليق أي جمعية لا تلتزم بالقانون.

لهذا تعرّض قانون الجمعيات لانتقادات واسعة من قبل المحامين ونشطاء حقوق الإنسان. ففي مقال للناشطة سبيكة النجار تحت عنوان: (قانون الجمعيات الأهلية والعودة للمربع الأول) (الوقت، 12/4/2009م) وصفت فيه القانون بأنه (ترجمة صادقة لقانون أمن الدولة بما يحمله من تضييق وحصار على أنشطة الجمعيات وخنق حرياتها). من ناحية أخرى، استجوب البرلمان وزيرة التنمية الاجتماعية يوم 12/4/2007 حول: (السبب القانوني الذي يجعل وزارة التنمية الاجتماعية تطلب من الصناديق الخيرية التحول إلى جمعيات خيرية، بعد أن كانت مسجلة تحت مظلة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ومارست دورها كمؤسسات من مؤسسات المجتمع المدني ذات جمعيات عمومية، تنتخب إدارتها، وتقوم بجمع التبرعات من المواطنين لسنين طويلة). وكانت وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي قـد أعلنت في 4/4/2007 في ورشة عمل خاصة بقانون الجمعيات أنّ: (قانون الجمعيات المطور، سيصدر خلال أشهر، حيث نسعى إلى تطوير الإطار القانوني للجمعيات، وتفعيل دور العمل الأهلي مع المساءلة).

هذا الحراك يؤكد على ضرورة وأهمية تعديل قانون الجمعيات بالسرعة المطلوبة ليلبي حاجة الجمعيات، ويعمل على إطلاق طاقاتها في مجالاتها المختلفة، تمشياً مع مشروع الإصلاحات الذي انطلق عام 2000م. بيد أنه وبعد مضي أكثر من عامين على هذا التصريح لم يتم عمل التعديلات المطلوبة في القانون المذكور.

تجدر في هذا الصدد الإشارة إلى التعديل الذي تمَّ على قانون الجمعيات يوم 9 يوليو 2009 ، حيث تمت إضافة مادة جديدة بموجب القانون رقم 42 لعام 2009 إلى قانون الجمعيات لسنة 1989. وتسمح المادة الجديدة للجمعيات الخاصة بأنْ تـتـحول إلى جمعيات يحكمها قانون الجمعيات. ووفقـاً لهذه المادة الجديدة، لا بد من توفر جميع متطلبات إنشاء الجمعيات قبل التحول المنشود. ويبدو أنِّ هذا التعديل قـد حسم النقاش الذي استمر لفترة من الزمن بشأن تحويل الجمعيات الخاصة إلى مجرد جمعيات، بحجة أنِّ الجمعيات الخاصة لا ينبغي لها الحصول على التبرعات وجمع الأموال (تمّ استجواب وزيرة الشؤون الاجتماعية في البرلمان بشأن هذه المسألة كما ذكر أعلاه).

على الصعيد الدولي، أصدرت الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان تقريراً في سبتمبر 2008 عن: (حرية الجمعيات في البحرين، الكويت واليمن) تناولت فيه عدة مواضيع مرتبطة بالبحرين شملت: إطار القوانين والسياسات المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات؛ وتشكيل وعمل وحل الجمعيات؛ والحق في إنشاء جمعية أو نقابة؛ وحق الجمعيات في حرية القيام بالأنشطة وتسيير أعمالها مثل: (الحق في عدم التعرض للرقابة والتدخل والإشراف؛ والحق في التماس وتلقي الأموال؛ والحق في الانضمام إلى المنظمات الاقليمية والدولية؛ والحق في الحماية من التعليق والتوقيف والإغلاق؛ والحق في الحماية من الملاحقة غير القانونية وعدم التمييز).

ورغم مضي قرابة العام على صدور التقرير، والعام ونصف على البحث وجمع المعلومة، ورغم أنَّ بعض الأمور التي أثارها التقرير قـد صارت خارج السياق (مثل مسألة نظام الكفيل والذي ألغته البحرين)، إلاّ أنَّ التقرير يظل مفيداً لجهة معالجة التحديات والقصور التي ما زالت تحيط وتعيق الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في البحرين، مع إيلاء عناية خاصة بالتوصيات التي تضمنها التقرير خاصة ما يتعلق بحرية الانضمام وتأسيس الجمعيات، والحصول على التمويل.

وكم كان مفيداً لو أن التقرير أخذ بعين الاعتبار القصور الذاتي الذي تعاني منه جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في البحرين كدراسة نقدية مفيدة، خاصة تلك العاملة في مجال حقوق الإنسان. وربما أضاف مثل هذا التداخل والتحليل زخماً نوعياً مفيداً لجهة الدراسة من أجل معالجة قصور وأزمات جمعيات ومنظمات المجتمع المدني في البحرين. لأنَّ الملاحظ، أنه ومع وجود الكم الهائل من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، إلاَّ أنَّ القليل منها يتمتع بفاعلية وتميّز وإنتاجية في المجالات المتعلقة بنشاطاتها.

للإطلاع على التقرير والتوصيات الرجاء زيارة الرابط:

http://www.fidh.org/article6476,6476