أي مستـقـبل لحرية الصحافة في البحرين؟

شهدت مملكة البحرين في الآونة الأخيرة حراكـاً كبيراً فيما يتعلق بالعمل الإعلامي عموماً وحرية الصحافة على وجـه التحديد. ويأتي هذا الحراك في الإطار الرسمي ممثلاً في الدولة وأجهزتها المختصة وعلى المستوى الأهلي ممثلاً في النقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان. واكتسب هذا الاهتمام بعده الإقليمي والدولي أيضاً كما سنرى لاحـقـاً.

ومع تباشير الثالث من مايو، انتظمت الفعاليات والاحتفالات البحرين بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة. وكانت مناسبة حقيقية للوقوف على أين تقع البحرين في خارطة الحقوق الصحفية وأي مستقبل ينـتـظر حرية الصحافة في ظل الأوضاع المتقلبة داخلياً وعالمياً.

فعلى المستوى الرسمي إعتبر ملك البحرين في كلمة ضافية له في 3 مايو بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن لحرية الصحافة أهمية بالغة في مشروعه الإصلاحي. كما أكـد إيمانه بحرية الرأي والتعبير والحفاظ عليها، وجدد التأكيد على أن المشروع الإصلاحي الشامل وضع حرية الصحافة في مقدمة اهتماماته باعتبارها ركيزة أساسية من ركائز الحوار والتنمية والتطوير. من ناحية أخرى، نظمت وزارة الثقافة والإعلام في 3 مايو، حفلاً بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أطلقت من خلاله الوزارة (المبادرة البحرينية للإعلام المدني) وأعلنت استحداث (جائزة البحرين لحرية الصحافة) تمنح في اليوم العالمي لحرية الصحافة اعتباراً من العام المقبل 2010م للصحافيين البحرينيين المتميزين.

ومع توفر هذا الدعم السياسي من أعلى المستويات السياسية، هل يعني هـذا أنَّ الصحافة في البحرين تتمتع بأقصى درجات الحرية وأنه لا توجد معيقات أو عقبات حقوقية تمس بها وبحريتها؟

احتلت أخبار حرية الصحافة في البحرين عدداً من التقارير الإقليمية والدولية. ولم يكن المكـوِّن المحلي بغائبٍ عن الأحداث فيما يتعلق بحرية الصحافة. فعلى المستوى المحلي لاحظ المراقبون أنَّ قانون الصحافة الحالي به عيوب واضحة حيث أنه ينص على عقوبات جنائية في حق الصحفيين. كما أنَّ إجراءات الترخيص لا تتسم بالمرونة المطلوبة خاصة لجهة ترخيص الصحف اليومية. وما زال الموقف من الصحافة الإلكترونية غامضاً لجـهة صلاحية منع وحجب المواقع الإلكترونية. وهذه الصلاحية تمارسها الآن وزارة الثقافة والإعلام. ويعارض الصحفيون وكثير من النواب هذه الصلاحية. وأجمع المراقبون على أنَّ أكثر من عـشـر مواد من القانون الحالي تحتاج لحذفٍ وليس للتعديل لأنها معيبة وتـنـتقص من حرية الصحافة. كما لاحظ المراقبون بطء العملية التشريعية لعمل التعديلات اللازمة لقانون الصحافة والنشر، حتى تلك التعديلات التي تقدمت بها الحكومة منذ أشهر عديدة ما زالت تراوح مكانها.

جدول رقم (24)
درجة الحرية الصحفية في الدول العربية
عالية جدا عالية نسبية متدنية متدنية جدا
الكويت لبنان الاردن تونس سوريا
قطر موريتانيا المغرب العراق السعودية
الامارات البحرين الجزائر فلسطين ليبيا
    السودان اليمن  
    مصر    

من ناحية أخرى، عبَّـرت نقابة الصحافيين (تحت التأسيس) عبر صحيفة البلاد، عدد 4 مايو، أن (حرية التعبير التي أنعشتها البدايات الواعدة عند انطلاق المشروع الإصلاحي، أصبحت تتعرض للانتقاص من السلطة التنفيذية والمشرعين أيضاً وقطاعات مجتمعية أصبحت ترى في حرية التعبير عبئا وليس حقا ثابتا في الدستور).

وحسب الصحيفة، لفتت النقابة في هذا الشأن، عبر بيان أصدرته بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة إلى (الجدل الطويل حول قانون الطباعة والصحافة والنشر، والذي لم يثمر سوى بقاء القانون في نسخته الأصلية نافذا وهو ما يجعل الصحافيين ينظرون بقلق شديد إلى التباطؤ في إقرار قانون معدل مستنير يستجيب لكل الملاحظات التي طرحت عليه منذ صدور ذلك القانون في 2002). وأوضحت النقابة أنَّ (التعديلات التي تقدم من حين لآخر على هذا القانون تستجيب لبعض الملاحظات لكنها تضيف قيودا جديدة من جانب آخر). وشددت النقابة في بيانها على أنَّ (حرية الصحافة وحرية التعبير ليست ترفـاً أو قيمة طارئة يمكن تأجيلها في أوقات ما أو تكييفها طبقا للرغبات، بل حق ثابت ووسيلة لا غنى عنها لمجتمع تعددي متعاف وصحي ووسيلة لترسيخ السلام الاجتماعي).

عالمياً، اعتبرت منظمة فريدوم هاوس، في تقريرها السنوي لعام 2009 والصادر في الأول من مايو الماضي، البحرين ضمن قائمة الدول (غير الحرة) والتي تفتقر الى الحرية الصحافية ووضعت البحرين في المرتبة 156 في مستوى الحرية الصحافية على مستوى العالم من مجموع 195 دولة.

في مؤشرات أخرى هامة، احتلت مملكة البحرين المرتبة الخامسة في حرية الصحافة حسب المقياس الدولي لمنظمة (مراسلون بلا حدود) لعام 2008، واحتلت المرتبة السادسة حسب التـقرير السنوى لـمركز عمان لدراسات حقوق الإنسان حول حالة الحريات الصحفية في الدول العربية لعام 2008.

وهذا الاهتمام الإقليمي والدولي بحرية الصحافة له دلالـتـه لما تمثله الصحافة من مكانة ولما تلعبه من دور في تنمية مفاهيم الديمقراطية والشفافية والمساءلة وعدم الإفلات من العقاب. وبما أنه تـمَّ استـعراض تقرير بيت الحرية في هذا العدد، فليس ثمـة ما نشير إليه بصدده. ويبقى تقرير مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان مهماً.

جاء تقرير المركـز شاملاً ووافـياً لعوامل كثيرة منها اهتمام المركز بالحريات الصحفية في الدول العربية فقط مما يعني تركيز الدراسة، ونسبة لشموله ومقاربته للحريات الصحفية في عدد 18 دولة عربية ولتنوع فريق إعداد التقرير الذي تكون من 12 شخصاً. وتناول تقرير مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان الحريات الصحفية في البلدان العربية لعام 2008.

أشار التقرير إلى أنَّ البحرين هي إحدى ثماني دول عربية تستخدم فيها القوانين السالبة للحريات الصحفية في الممارسة العملية بدرجة قوية رغبة منها في تقييد العمل الاعلامي وضبطه بما يحقق مصالحها. كما أشار التقرير إلى أنَّ 3 صحفيين في البحرين قد تم توقيفهم احتياطياً خلال عام 2008 في قضايا مطبوعات ونشر. وفي هذا الصدد سجل التقرير محاكمة صحفيين إثنين أمام محاكم مدنية بخصوص جرائم مطبوعات ونشر في قانون الصحافة. وهذا ما يعمل من أجل تغييره منظمات حقوق الإنسان ونقابة الصحفيين إضافة للمشرعين. وفي هذا الصدد أشار التقرير إلى أن القوانين في البحرين، كما في الدول العربية كلها، تنص على حق الصحافة في ممارسة النقد لأعمال الموظف العام شريطة إثبات صحة الواقعة وحسن النية. وأن القوانين في البحرين، كما في الدول العربية كلها، تنص على حق الطعن في الأحكام المتعلقة بجرائم المطبوعات أمام محكمة أعلى.

ورغم نص القوانين في البحرين على ضمان حق الصحفي في الوصول الى المعلومات، ولكن في الواقع العملي تتاح المعلومات بدرجة ضعيفة حسب التقرير. من ناحية أخرى أشار التقرير إلى وجود ميثاق شرف صحفي في البحرين ولكنه في الواقع العملي ضعيف جداً، أسوة بباقي الدول العربية.

إنَّ الإهتمام برفع كفاءة الصحفيين وتدريبهم هي من المسائل التي تساهم في نوعية العمل الصحفي وإجادته ومهنيته. وفي هذا الصدد أشار التقرير إلى أنَّ نوعية الدورات التدريبية التي أقيمت في البحرين كانت في الواقع العملي مفيدة جداً. ولم يتحقق هذا التقييم الجيد سوى في ثلاث بلدان أخرى هي لبنان، الأردن وقطر.

ورغم القصور والعقبات والتحديات التي تحيط بحرية الصحافة في البحرين، إلاَّ أنَّ تقرير مركز عمان وضع البحرين ضمن البلدان العربية التي تتمتع بـ (درجة عالية) في مجال حرية الصحافة، حسب الجدول أدناه.

إنَّ خطاب الملك وإدراكه التام لحرية الصحافة، إضافةً إلى التقارير المحترمة المتعلقة بحرية الصحافة والنقـد البنَّاء، والآراء المتباينة داخل البحرين حول القوانين التي تحكم العمل الصحفي تبرز محطات هامة نذكرها في شكل توصيات:

  • ضرورة الاهتمام الرسمي والشعبي والإعلامي والنقابي والحقوقي بالعمل الصحفي وكيفية تطويره.
  • الحاجة الماسة لقوانين صحفية تـواكب مرحلة التحول الديمقراطي وتبني على مكتسبات المشروع الإصلاحي. حيث تمنع تلك القوانين الحجز الإحتياطي للصحافيين وتجريمهم بسبب نشاطهم الصحفي. كما أن هنالك ضرورة لتوفير المعلومة أو تسهيل الحصول عليها بواسطة الصحفيين ونشرها، وتسهيل إجراءات ترخيص الصحف اليومية، وتوفير الحماية والحصانة الكاملة للصحفيين.
  • أهمية تدريب الصحيفيين والإعلاميين عموماً كوسيلة لتطوير العمل الإعلامي والصحافي خدمة لقضايا حقوق الإنسان والحريات الأساسية ووضع البرامج التدريبية والتأهلية المناسبة.