البحرين في تقرير هيومان رايتس ووتش (2009)

تعتبر منظمة هيومان رايتس ووتش من أهم المنظمات الحقوقية العالمية التي دأبت على مناصرة قضية حقوق الإنسان في البحرين في متابعاتها القريبة

والكثيرة، وتقاريرها وبياناتها المتواصلة. ومما لا شك فيه أن جهود المنظمة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية الأخرى، كما الناشطين الحقوقيين البحرينيين، ساهمت بشكل كبير في إحداث تطورات حقيقية على صعيد احترام حقوق الإنسان في البحرين في السنوات القليلة الماضية. ولا تزال البحرين بحاجة الى جهود مثل تلك المنظمات والى تواصل دائم منها مع الوضع البحريني الحقوقي على الصعيدين الرسمي والشعبي الذي تمثله منظمات المجتمع المدني، من أجل تحسين الوضع الحقوقي، ووقف الإنتهاكات التي قد تحدث، وإصلاح المؤسسات المحلية وتطوير التشريعات لضمان مسيرة منتظمة وحماية مؤسسية لحقوق المواطنين في البحرين.

تقرير هيومان رايتس ووتش الذي صدر مؤخراً عن أحداث عام 2008م، غطّى جملة من الموضوعات مثل: حرية التعبير والإعلام، حرية التجمّع، الإفلات من العقاب، حرية تكوين الجمعيات والمجتمع المدني، حقوق العمال الأجانب، حقوق المرأة، وتدابير مكافحة الإرهاب. وقد خلص التقرير الى نتيجة هامة هي أن هناك (تدهوراً ملحوظاً) خلال عام 2008 لأوضاع حقوق الإنسان في البحرين، وأنه رغم الإصلاحات الهامة التي اعتمدها ملك البحرين بين عامي 2001-2002 فإن الحكومة (لم تبذل جهداً يذكر لإضفاء الطابع المؤسسي على حماية حقوق الإنسان في القوانين)، وأن هناك (قيوداً تعسفية) على ممارسات حريات أساسية.

في مجال حرية التعبير والإعلام، هناك حقيقة غير قابلة للنقض في البحرين، وهي أن مساحة الحرية واسعة لا يلحظ أنها تراجعت، لكن تقرير المنظمة يرى أن البرلمان لم يناقش ويتبنّى حتى الآن مشروعاً جديداً لقانون الصحافة كانت الحكومة قد تقدّمت به، يستبدل بموجبه قانون سابق (رقم 47 لعام 2002). هناك قضيتان تشيران الى تجاوز حدث خلال عام 2008م، أشار اليها التقرير: إحداها أن نحو ستة أشخاص يعملون في نشرة شهرية وموقع الكتروني، قال التقرير أنهم أوقفوا، والصحيح أنه جرى التحقيق معهم لمدة وجيزة ولم يوقف أيّ منهم، وكان التحقيق يتعلق بنشر مواد في موقع الكتروني يتضمن تحريضاً على النظام والعنف. وقد تم حجب الموقع، ثم أعيد فسحه بعد إزالة المواد التحريضية. أما القضية الأخرى فهي تتعلق بحجب 22 منتدى للإنترنت، بناء على تعميم رسمي من وزارة الإعلام. هذا الحجب مرفوض من حيث المبدأ ولا يمكن القبول به، لكن ينبغي الإلتفات الى أن بعض تلك المنتديات لا تمارس حرية تعبير متزنة ووفق القانون، وتقوم بالتحريض أحياناً على العنف، وعلى الصراع الطائفي.

وغطّى التقرير أيضاً مسألة (حرية التجمّع).. ولاحظ أن هناك مشكلة في تعريف مسائل (النظام العام) و (الآداب العامة) التي يتضمنها قانون 32 لعام 2006 الذي ينظم مسألة التجمع والتظاهر. ولكن من حيث المبدأ، فإن من الثابت في البحرين أن هناك مساحة واسعة للتظاهر والإعتصام، وهي تحدث على مدار العام، ما يكشف عن هامش كبير من الحرية. المشكلة الحقيقية ـ التي لم يلحظها التقرير ـ هي أن أغلب الصدامات التي تحدث بين متظاهرين وقوات الأمن، والتي أشار تقرير هيومان رايتس ووتش الى أحدها، تعود الى سببين أساسيين، أو أحدهما على الأقل.

الأول، ويتعلق بمشروعية التظاهر والتجمع دون أخذ إذن من السلطات المعنية. ولا يعود الأمر الى أن تلك السلطات رفضت منح حق التجمع والتظاهر او الإعتصام، فلجأ البعض الى التعبير عن حقهم المشروع. بل المسألة لها علاقة في الأساس بشرعية النظام ومرجعية القانون. فمن يقف وراء بعض التظاهرات، لا يرون طلب إذن من السلطات الأمنية المنظّمة للتظاهرات، لأنهم لا يعترفون لا بالقانون ولا بشرعية النظام السياسي. وهنا يخرج الأمر عن مسألة حرمان الأفراد والمجتمع من حق التجمع والتظاهر، الى مسألة أكثر عمقاً وجذريّة وتتعلق بأصل وجود النظام والقانون، ولذا فالمسألة تحتاج الى مقاربة أخرى أكثر شمولية تتضمن جوانب سياسية وحقوقية.

ومع أن السلطات الأمنية درجت على عدم التعرّض لتلك التجمعات التي لم تأخذ الإذن، في أغلب الأحوال، إلا أنها في بعض المرات حاولت إيقافها وواجهتها وفق الحجج القانونية. وسبق للعديد من الجهات السياسية والحقوقية أن حثّت القائمين على التظاهرات بأخذ إذن بالتظاهر والتجمع، لتكون حجّتهم قويّة، وحتى لا تقع مصادمات.. ومن بين أولئك رئيس أكبر كتلة معارضة في البرلمان (الوفاق).

الثاني، ويتعلق باستخدام العنف في التظاهرات. وهذه لا تحدث عادة إلا في التظاهرات التي لم تأخذ إجازة رسمية، حيث يعمد المراهقون الذين جرى تحريضهم سياسياً على حرق الإطارات وصناديق القمامة، وتكسير الأملاك العامة وتخريبها، مع ما يرافق ذلك من مصادمات مع أجهزة الأمن، وحرق سيارات الشرطة، والتعرض لمن فيها بالضرب والحرق قد تصل أحياناً الى حد الموت.

وتعرض تقرير المنظمة أيضاً الى موضوع حرية تكوين مؤسسات المجتمع المدني، وانتقد عدم اضفاء طابع قانوني على مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي تم حله في عام 2004م، رغم أنه لازال ناشطاً وبدون غطاء رسمي. ومعلوم أنه في البحرين وخلال ثمانية أعوام، وفي بلد تعداد سكانه والمقيمين فيه المليون أو أكثر قليلاً، هناك ما يقارب من 452 منظمة وجمعية تغطي كافة المواضيع والأنشطة. وتقول الحكومة أن المركز هو الحالة الوحيدة التي قامت فيها بحل منظمة من منظمات المجتمع المدني، بسبب تحوّلها الى ما يشبه الحزب السياسي واعتمادها التحريض وخرق القانون بشكل فاضح والتعرض لرموز الدولة. وهناك حتى الآن خمس هيئات حقوقية أساسية تقوم بنشاطاتها.

لكن من الواضح أن الحكومة باتت أكثر حساسية تجاه المنظمات الحقوقية المرتبطة بمؤسسات وأحزاب سياسية أو تمارس السياسة بمظلة حقوقية. وهذا ينطبق فيما يبدو على (اللجنة الوطنية للعاطلين عن العمل) و (شباب البحرين لحقوق الإنسان) اللتين ذكرهما تقرير هيومان رايتس ووتش، حيث لم ترد الجهات الرسمية على طلبات تسجيلهما.

مما لا شك فيه أن تقرير هيومان رايتس ووتش قد أشار الى العديد من النواقص واحتوى على انتقادات هامة لممارسات وتشريعات، لكنه تنبّه في نهاية التقرير الى حقيقة أن البحرين أصبحت (مقصداً للمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية) وما ذلك إلا بسبب هامش الحرية المتوفر والتشجيع الرسمي.