البحرين تستحق فرصة لإثبات نفسها في «حقوق الإنسان»

باولين ماكاب*

الخبيرة البروفيسورة باولين ماكاب

ظلّ سجل البحرين في مجال حقوق الإنسان نهباً للإنتقاد المتكرر في أعقاب الربيع العربي في 2011. ومؤخراً قامت منظمة حقوق الإنسان (ريبريف) بإصدار تقرير في سبتمبر الماضي، دعت فيه حكومة إيرلندا الشمالية، للتوقّف عن تدريب قوات الأمن، ومنسوبي وزارة الداخلية في البحرين، بزعم وجود سجلّها السيء في مجال حقوق الإنسان.

ومع إحترامي لما تقوم به منظمة (ريبريف) من عمل مهم، إلا أنني أود أن أشرح لماذا، في إعتقادي، أن المنظمة قد جانبها التوفيق في هذا الأمر بالذات.

في عام 2011، قام الملك بإنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، لتحديد ما إذا كانت أحداث فبراير- مارس 2011 قد إنطوت على إنتهاكات لحقوق الإنسان، ولتقديم توصيات في ذلك الشأن. ولقد تم تأسيس (الأمانة العامة للتظلمات) كنتيجة مباشرة لإحدى التوصيات الـ 26 التي تقدمت بها اللجنة. وتعتبر أمانة التظلمات هذه، ولا تزال، الأولى والوحيدة من نوعها في المنطقة.

من جانبي، فقد عملت في البحرين في مشروعات ممولة من قبل الخارجية البريطانية، وكذلك كإستشارية مستقلة في حقل العدالة الجنائية. وخلال الأعوام الثلاثة الماضية، كنت ولا أزال أدعم تطوير الإجراءات المتعلقة بالممارسة العملية وبالتحقيقات، وكذلك تدريب المحققين في الأمانة العامة للتظلمات، بهدف إرساء دعائم نظام أمثل للعدالة الجنائية، جوهره احترام حقوق الإنسان.

وإن كنت قد تعلمت شيئاً من موقعي كعضو في مجلس شرطة إيرلندا الشمالية، ومن تجربتي السابقة في إدارة أمانة تظلّمات المساجين هناك، فهو أن الظروف المحيطة، تمثّل كل شيء عندما يتعلق الأمر بإحداث تغيير. فالبحرين تشهد نزاعاً تزيد من تعقيده مؤثرات خارجية وإقليمية، في وقت لا توجد فيه صيغة إتفاق على تسوية ما على غرار (إتفاقية بلفاست) بإيرلندا الشمالية.

في البحرين، هناك من يرغب في التغيير، ولكنهم لن يلجأوا أبداً لممارسة العنف؛ وهنالك من يرى أن ممارسة العنف ضد قوات الأمن، أمر مشروع، وله ما يبرره. وفي الوقت الذي نجد فيه أن العديد ممن يحتلون مواقع في السلطة، يقرّون بالحاجة الى إصلاح نظام العدالة الجنائية، ويعملون بجدّ لإحداث تقدّم.. نجد آخرين يرفضون فكرة الحاجة إلى تغيير، أو يجدون صعوبة في تقبّلها، خاصة في وقت يسقط فيه ضباط شرطة، ضحايا لقنابل ومتفجرات بدائية الصنع. ولِمَنْ عايش تجربة إيرلندا الشمالية، يبدو مثل هذا المشهد مألوفا.

في مثل هذه الظروف، تصبح عملية التغيير معقدة، ومتعددة الجوانب. وقد تتمكن أجزاء من النظام من إحراز تقدّم بشكل أسرع من غيرها. غير أن سياسة الإنخراط العملي، وتقديم العون، يمكن لها أن تساعد على إحداث تغيير.

إن الرؤية التي تتبناها بعض المنظمات غير الحكومية، وغيرها من منظمات حقوق الإنسان، بأنه لا ينبغى لعملية تبادل التجارب، وأفضل الممارسات والخبرات مع البحرين، أن تحدث قبل زوال منغصات حقوق الإنسان هناك، فهي رؤية يعوزها المنطق.

لا بدّ لي ولغيري من الخبراء الأجانب، أن نلتزم في عملنا دوماً بأقصى معايير الأمانة والنزاهة، التي يمكن أن تتوفر للفرد، وكذلك بعدم تجاوز الخطوط الحمراء. ولمّا كان مقتضى الأحوال يتطلّب، وبشكل قاطع، عدم قيام الخبراء بتوفير غطاء لأية جهة لا توجد لديها أيّة نيّة لمعالجة الأخطاء والإنتهاكات، يمكننا القول بأن هذا الأمر لا ينطبق هنا.

إن تأسيس أول أمانة للتظلمات في منطقة صعبة كهذه، تفتقر إلى الخبرة في هذا المجال، وإلى توفر المحققين المؤهلين.. مهمة ليست باليسيرة. ولقد تحلّت (أمانة التظلمات) هذه بالشجاعة والأمانة، لتقرّ بحدوث أخطاء. وبالطبع، فهي لا تزال في طور النمو، وستواصل مسيرتها إلى الأمام.

وبعد إنقضاء ثلاثة أعوام على إنشائها، ارتفع عدد الشكاوى التي تتلقاها بمعدل 395%، كما حققت نتائج هامة منها:

أن الأطفال دون سن الثامنة عشرة، ما عادوا يحتجزون مع الكبار؛

وأيضاً، بدأ برنامج جديد لبناء سجون؛

وهناك زيادة كبيرة في إستخدام الدوائر التلفزيونية المغلقة في الأداء الشرطي وفي أماكن الإحتجاز، تمكّن الأمانة العامة للتظلمات، من فحص بيانات الدوائر التلفزيونية المغلقة، للتثبت من وقوع سوء معاملة ما، وذلك خلال ساعات معدودة من تلقي الشكاوى أو الإدعاءات بشأنها؛

إضافة الى ذلك، جرى تزويد كل سيارات الشرطة، بلوحات أرقام متميزة؛

وأخيراً، هناك زيادة تدريجية في أعداد المنخرطين في التعليم بين المحتجزين.

من جانبي، سأواصل دعم جهود أمانة التظلمات، لأنني أعلم بأن أمينها العام وفريقه، يعملون بجد وإخلاص.

وفي المحصلة النهائية، فإنني على يقين، بأننا محقون في مواصلة رفد البحرين بتجربتنا وخبرتنا في إيرلندا الشمالية.

صحيفة آيريش تايمز، 17/10/2016


* باولين ماكاب: كانت عضو ورئيسة لجنة في مجلس شرطة إيرلندا الشمالية، وأمين عام تظلمات المساجين هناك لمدة خمس سنوات. وهى تعمل حاليا كأستاذة زائرة بجامعة (الستر) وقد منحت وسام الإمبراطورية البريطانية في عام 2014 تقديرا لخدماتها للسجناء وللعدالة الجنائية.