حربنا ضد العنف والتطرّف


(المعركة مع داعش ليست معركة أميركية. المعركة هي معركتنا في الأساس.
هم أناس استهدفونا نحن كدول وكشعوب وكتاريخ وكثقافة وكل شيء).


وزير الخارجية البحريني خالد بن أحمد آل خليفة

لا شيء يشغل المنطقة والعالم بأكثر من الحرب على الإرهاب. طبول الحرب قُرعت لمواجهة خطر يتمدد ويشمل جميع الدول. الأخطر من الحرب العسكرية ذاتها، هي تداعياتها على الأوضاع المحليّة في كل بلد، ما يطرح العديد من الأسئلة: كيف نصنع بيئة نظيفة لا تنمو فيها فيروسات العنف والإرهاب؟ هذا يفتح المجال للشق الآخر من سياسة مكافحة الإرهاب، والذي يتعلّق بالسياسة والفكر والثقافة.

منهجياً، فإن الإرهاب عدو الحياة، خاصة بصورته الداعشية، حيث لم يبق مع جزّ الرؤوس وسبي النساء، حقّ يمكن حفظه، وفي مقدمته (الحق في الحياة) والحق أن تكون حرّاً، بعد انتهاء زمن العبودية، والذي تمّ بمكافحة العالم له عبر انظمة وقوانين وتشريعات. فهل نعود القهقرى مرة أخرى الى عهود السبي والجاهلية؟

بالنسبة للبحرين، فإن وزير الخارجية البحريني قد صرّح بأن عدد الذين التحقوا بداعش والنصرة لا يزيد عن مائة شخص. وهو رقم غير قليل على أية حال بالنسبة لبلد ذي تعداد صغير من السكان، خاصة وأنها بلد عُرف عنه التسامح وقبول التعددية الثقافية والمذهبية والدينية، ومشهود لها بالإنفتاح الإجتماعي، وبتاريخ طويل من السلم الأهلي.

هنا يجب ان ندرك جملة من المعطيات الموضوعية:

أن الإرهاب ـ القاعدي الداعشي على وجه الخصوص ـ لا ينمو في بيئة نظيفة، وإنما في بيئة مضطربة في الغالب سياسياً او أمنياً أو اجتماعياً او كلها مجتمعة. ونظنّ أن الإضطراب الأمني والسياسي في البحرين سهّل نمو الفكر والأيديولوجيا المتطرفة التي أساسا هي مستوردٌ خارجي؛ ما أدّى الى انقسام مجتمعي حادّ تغذّى على الإنشقاق السياسي، وساهمت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في تأجيجه. لهذا، فكل الفئات الإجتماعية في البحرين، مطالبة بأن تعي حقيقة أن ما جرى في السنوات الثلاث الماضية من صراعات متعددة الأشكال، وفّر المناخ الملائم للتطرف فكراً وممارسة وإن شاء الله لا يتحوّل الى عنف محلّي. كل الفئات المتصارعة حشّدت ضد بعضها البعض، ولم توفّر سلاحاً اعلاميا او ثقافياً او مذهبياً إلا واستخدمته في خطابها السياسي، ما أنتج لنا جمهوراً متوتراً مشحوناً متألماً. ومن جهة أخرى، فإن إطالة أمد الأزمة السياسية، وانسداد آفاق الحلول الوسطية، ساهم في إيجاد مناخ فاسد نمت فيه كل طفيليات العنف والإرهاب.

نعتقد بأن فكر التطرّف والعنف مستورد ودخيل على البحرين، ورغم أن سوق هذا الفكر صغيرة جداً، إلا أن المتسوقين منه رغم قلّتهم يشكلون خطراً كبيراً على الأمن والإستقرار. وقد آن الأوان لضبط المروجين لخطاب الكراهية والتطرف في البحرين، بالشدّة والحسم. آن الأوان أن يرتقي خطاب مثقفينا وعلمائنا وسياسيينا إن أردنا تطهير بلادنا من وباء التكفير والتطرف المؤدي الى العنف والدم. وايضاً آن الأوان بأن تكون هناك رقابة على هذا الفكر الداعشي المستورد، ومحاربته بخطاب الإعتدال والتسامح والاحترام وإبراز الصورة الناصعة لقيم الإسلام والإنسانية.

أن الفكر المتطرّف والعنفي ـ كما شهدنا فصوله ونشهدها الآن في دول أخرى ـ لا يمكن أن يكون أداة بيد أحد ضد الآخر، فهو فكر إلغائي إقصائي ضد الجميع. هو فكر ما قبل الدولة، ومعتقدوه ليسوا ضدّ فئة معيّنة بل ضد جميع الفئات والمذاهب، وضد أصل نظام الحكم، بل وضد طريقة عيش المواطن العادية وضد ثقافته وتقاليده. لا أحد ـ دولة أو حزبا أو جماعة ـ استخدم هذا الفكر ومعتنقيه لصالحه إلا وارتدّ عليه وذاق طعم العذاب على يديه. هذه الحقيقة يجب أن تجعل الجميع في دائرة الخطر والإستهداف، وأن يدفعهم الشعور الجمعي بالخطر الى إعادة التواصل بعد طول قطيعة بين الفئات الإجتماعية او السياسية أو الدينية أو الثقافية. ومهما كان الخلاف السياسي فإنه يبقى أهون بكثير من خطر التطرف التكفيري والعنفي، ويجب أن لا يتحول الى خلاف مذهبي يغذّي التطرف والعنف في البحرين.

وأخيراً، هناك حقيقة يجب ان ندركها، هي أن هذا الفكر العنفي يتغذّى على الإنقسامات المجتمعية، وكلّما كان الشقاق كبيراً، كلما ولد التطرف. وعلى السياسيين ان يتجنبوا إقحام الخلافات المذهبية والفكرية والثقافية في الخلاف السياسي.

والخلاصة، فإن ما جرى في المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية يمثل درساً للجميع، دولاً ونخباً بمختلف توجهاتها. نحن في البحرين بحاجة الى التعاون في القضاء على البيئة التي تمدّ التطرّف واحتمالات العنف بشريان الحياة. علينا أن نصل الى تفاهمات سياسية سريعة تخرج الجميع من الأزمة، وهذا لا يتم إلا باستحضار الخطر الداهم للجميع من جهة؛ وتقديم تنازلات لصالح أمن واستقرار البلاد ومستقبل أجيالها.