المخرج من أزمة (جنيف): التعاون مع المفوضية

في يونيو 2012، عبرت 27 دولة، في بيان مشترك تبنّته سويسرا، عن قلقها إزاء أوضاع حقوق الإنسان في البحرين، ولم تقبل كل من امريكا وبريطانيا التوقيع عليه، لأن لديهما مقاربة وآلية ورؤية مختلفة لتحسين الأوضاع، حسب الخارجية البريطانية، وحسب ممثل الولايات المتحدة في جنيف. البيان دعا ـ يومها ـ الى احترام حرية التجمع والتعبير السلمي وتكوين الجمعيات، وتنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، وان تستعين البحرين بالخبرات الدولية، والتعاون في هذا الخصوص مع مجلس حقوق الإنسان. كما أوصى بأن تدعو البحرين المقرر الخاص بالتعذيب لزيارتها، وكذلك زيارة المقرر الخاص المعني بحرية الجمعيات والتجمعات.

في سبتمبر 2012، ترأس وزير الخارجية البحريني وفد بلاده لحضور اجتماعات مجلس حقوق الإنسان، وهناك ألقى كلمة لقيت ترحيباً دولياً، اكد فيها قبول البحرين معظم التوصيات التي تقدم بها مجلس حقوق الإنسان، واشار الى وقوع تجاوزات، وتعهد بتنشيط الحوار الوطني، ودعا المفوضة السامية لزيارة البحرين، كما تعهد بالتعاون الفني مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان، اضافة الى انه تعهد بدراسة انضام البحرين الى (OPCAT)، ودعوة المقرر الخاص للتعذيب بزيارة البحرين.

في ديسمبر 2012 زار وفد المفوضية البحرين، لإعطاء دفعة جديدة للتعاون بين الطرفين، وقدمت البحرين دعماً مالياً لأنشطة المفوضية، وفي فبراير 2013 بدأ الحوار الوطني بين القوى السياسية، وتم تحديد شهر مايو 2013 لزيارة المقرر الخاص للتعذيب.

مرة أخرى، في 28 فبراير 2013 تقدمت سويسرا ببيان لمجلس حقوق الإنسان في جنيف وقعت عليه هذه المرة 44 دولة، شملت بريطانيا وأمريكا وألمانيا وفرنسا، تمّ فيه تقدير ما أنجزته البحرين، ولكنه عبّر عن قلقه تجاه قضايا عديدة تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان، ودعا مرة اخرى الى تنفيذ توصيات بسيوني. يومها انتقد وزير حقوق الإنسان البيان وقال بأن ليس له مردود ايجابي، وأن التوقيت كان غير مناسب، وانه يؤثر على العلاقات بين سويسرا والبحرين.

ومرة ثالثة، في سبتمبر 2013، تقدمت سويسرا ببيان وقعته 47 دولة، رحبت فيه بالإنجازات التي تمت في البحرين، ولكنها أكدت على استمرار بواعث القلق بشأن سجل البحرين الحقوقي، وبروز مستجدات حفّزت على إصدار البيان، كما حفّزت المفوضة السامية نافي بيلاي لتذكر البحرين في خطابها المقدم الى مجلس حقوق الإنسان في دورته الأخيرة (24) في 9/9/2013، حيث قالت: (يؤسفني أن أُبلغ أن حالة حقوق الإنسان في البحرين لا تزال مثار قلق شديد: الاستقطاب العميق في المجتمع والضغط الشديد على المدافعين عن حقوق الإنسان والمحتجين السلميين يؤديان الى التسبب في صعوبة التوصل إلى حل دائم. وأكرر النداء الذي وجهته إلى البحرين ودعوتها فيه إلى الامتثال التام لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك احترام الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي وتكوين الجمعيات. كما ان إلغاء الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب أمر مؤسف، و لم تُنَفَذ بعد التوصيات الهامة التي أصدرتها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق. وأود أيضاً أن أُعرب عن خيبة أملي لأن التعاون مع حكومة البحرين، الذي بدأ على نحو مثمر بإيفاد فريق من المفوضية السامية لحقوق الإنسان في ديسمبر 2012، لم يتطور إلى حد أبعد، وأنه أُوقفت منذ ذلك الحين بعثة متابعة موفدة من المفوضية السامية).

ومن هنا فإن هناك تحوّلاً وتصعيداً في الموقف الدولي، يمكن حصره في أربعة أسباب أساسيّة:

  • عدم الوفاء بالتعهد القاضي بتعاون البحرين فنياً مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
  • تأجيل زيارة المقرر الخاص بالتعذيب من مايو 2013 الى أجل غير مسمّى، وتعتبر هذه المرة الثانية، حيث سبق ان تم تأجيل زيارته في فبراير 2012.
  • عدم اتخاذ خطوات بشأن الانضمام الى البروتوكول الخاص الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب.
  • عدم معالجة بواعث القلق التي وردت في بياني الدول في جنيف السابقين، وبروز بواعث قلق جديدة.

البحرين ردت على بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان، وعلى البيان المشترك الذي أدلى به ممثل الاتحاد السويسري، وذلك على لسان المندوب الدائم للبحرين لدى مكتب الأمم المتحدة في جنيف الدكتور يوسف بوجيري الذي عبّر عن استيائه من أن يسمع من المفوضة السامية التعليق على أوضاع حقوق الإنسان في البحرين وتضمينها بإشارات سلبية في تقريرها، دون استقاء المعلومات من مصادرها، وتجاهلها حقيقة الوضع في البحرين، حيث بذلت الأخيرة جهوداً حثيثةً لتنفيذ معظم التوصيات الواردة في تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، ورأى أنه ينبغي تشجيع هذه الجهود وعدم تقويضها بانتقادات غير دقيقة.

رد فعل الحكومة على بيان ال 47 والمفوضة

مجلس حقوق الإنسان ـ جنيف

وأكد بوجيري حرص البحرين على التعاون مع مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان، ومختلف آليات الأمم المتحدة، معتبراً اياها شريكاً في صون حقوق الإنسان، وكذلك أكد على التعامل مع أي منظمة أو هيئة ذات مصداقية وحيادية، داعياً إلى كتابة التقارير الموضوعية بعيداً عن التضليل أو التشويش.

وفيما يتعلق بتأجيل زيارة المقرر الخاص المعني بالتعذيب، قال بوجيري بأن زيارته لم تلغَ، وإنما تمّ تأجيلها لأسباب تنظيمية، وأن الجهات الرسمية تتطلع إلى تحديد الوقت المناسب للزيارة. وأمل من المفوضة السامية عند حديثها عن مملكة البحرين، أن تشير إلى تنامي ظاهرة العنف والتخريب وأن تدين بشكل واضح الأعمال الإرهابية.

وفيما يتعلق بحظر الاعتصامات في العاصمة المنامة، شرح بوجيري أن منع المسيرات أو التجمعات أو تحديد أماكنها قائمٌ على أسسٍ قانونيةٍ صحيحة ولا يشكل فرضاً للقيود على حرية التجمع السلمي والتعبير عن الرأي، وان وضع الضوابط لممارسة هذا الحق لا تتنافى مع ممارسته حفظاً للأمن الوطني أو النظام العام؛ مشدداً على أنه ليست هنالك أية مضايقات للناشطين الحقوقيين أو المدافعين عن حقوق الإنسان بسبب نشاطهم الحقوقي، إذ يخضع هؤلاء إلى حكم القانون، ويتعرضون للمساءلة في حال الخروج عليه.

وفي رده على بيان الدول الـ 47، قال أن البيان رغم اشادته بما قامت به البحرين من خطوات بناءة، إلاّ أنه ينتقص كثيراً من الجهود التي قامت بها، ويسيء إلى الصورة الحقيقية لها. ووصف البيان بأنه يفتقر الى الموضوعية والحيادية في نقل حقيقة الوضع في البحرين. وفيما يتعلق بمسألة قرار سحب الجنسية، فقد تم ذلك وفقاً لأوضاع تمس الأمن القومي. وعن الحوار الوطني قال ان البحرين تتعهد بالاستمرار في تشجيع المصالحة السياسية من خلال مواصلة جلسات الحوار الوطني، ودعا الى منح البحرين الفرصة وتوفير المناخ الملائم لتقوم بتطبيق توصيات بسيوني واستكمال الحوار الوطني، بدلاً من إرسال رسائل وبيانات تتجه في الاتجاه المعاكس والسلبي.

المخرج من عدم الثقة

تصل المجتمع الحقوقي الدولي رسائل متناقضة من البحرين، فما أن يبدأ مسؤولون من الضفتين ببناء الثقة حتى تأتي عوامل ومواقف تزيد من الشقّة، وتعكر صفو التعاون، وصار واضحاً الان ان الدول والمنظمات الحقوقية الدولية تريد أن تتأكد من التالي:

1/ ان هناك جديّة في معالجة بواعث القلق، لا أن تفاجأ بزيادة البواعث تلك.

2/ ان بياناتها التي تعبّر من خلالها عن قلقها، تحظى بالإهتمام من مسؤولي حقوق الإنسان في البحرين، لا أن يتم تجاهلها او عدم تقديرها وكأن لا قيمة لها. وللأسف هناك تجاهل لبيانات ورسائل وتقارير الدول والمنظمات.

3/ أن هناك شفافية وجدية واحترام من مسؤولي الملف الحقوقي البحريني في التعامل مع الجسد الحقوقي الدولي خاصة المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

4/ أن يدرك المسؤولون الرسميون عن حقوق الإنسان في البحرين، آليات العمل في الميدان الحقوقي الدولي، وقيمة التعاون معها، وفهم قدرات المنظمات غير الحكومية في التأثير على القرارات السياسية.

5/ أن لا يستفزّ مسؤولو الملف الحقوقي البحريني المنظمات والدول، بتلفيق أخبار على لسانها، او تقويلها ما لم تقله، او إظهار موقفها بشكل مخالف للحقيقة.

هناك اشارات واستعدادات لدى العديد من الدول والمنظمات الحقوقية لتصعيد الضغوط اثناء اجتماعات الدورة الخامسة والعشرين المقبلة في جنيف في مارس 2014. وخلافاً للرأي السائد لدى وزارة حقوق الإنسان البحرينية، بأن خطاب المفوضة السامية، وبيان الـ 47 دولة، وغير ذلك من بيانات لا يترتب عليها أية أعباء أو تبعات قانونية.. فإن التيار العام في أروقة الأوساط الحقوقية الدولية يسير في اتجاه الدعوة لعقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تناقش اوضاع حقوق الإنسان في البحرين؛ وأيضاً إعداد مشروع قرار يصدر عن المجلس يحوي إدانة صريحة وقد يتضمن تعيين مقرر خاص وفتح تحقيق دولي في مزاعم الإنتهاكات.

الفعل الإيجابي من وزير حقوق الإنسان في البحرين، هو ما يتوقعه المجتمع الحقوقي الذي سيجتمع في شهر مارس القادم 2014. ويتمثّل الفعل الإيجابي الذي سيخفف من حدّة النقد، في حال قامت البحرين بالخطوات التالية، او بعضها على الأقل:

  • أن تبادر البحرين وبشكل سريع الى إصلاح علاقتها مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتفعيل التعاون الفنّي معها؛ وتجديد الدعوة التي سبق ان تم توجيهها للمفوضة نافي بيلاي لزيارة البحرين. وتكمن أهمية هذا التعاون، وكسب ثقة المفوضية السامية، في أن ذلك يعطي مصداقية لجهود البحرين دولياً، فضلاً عن أن المفوضية قادرة على مساعدة البحرين في ايجاد حلول للمشاكل الحقوقية.
  • إعادة تأكيد التزام البحرين باستقبال المقرر الخاص بالتعذيب، وتجديد الدعوة له.
  • إصلاح العلاقات مع المنظمات الحقوقية الدولية، والسماح لها بزيارة البحرين، وإن أيّ فشل في هذه العلاقات يعني أن الوضع الحقوقي ليس على ما يرام. لا توجد دولة تحترم حقوق الإنسان لها علاقات سيئة مع المنظمات الحقوقية الدولية. هذا هو المؤشر. على البحرين ان تختار موقعها إما التعاون مع تلك االمنظمات مع ما فيه من احراجات وضغوط، وإما الإهمال والتحايل، وهذا عمره قصير.
  • إصلاح العلاقة الرسمية مع المجتمع المدني البحريني، الذي يُنظر اليه في الخارج كشريك أساسي في أية جهود او برامج تُعنى بحقوق الإنسان.