ملكية.. توافقية.. ديمقراطية

مرّ أكثر من عام على أزمة البحرين السياسية والحقوقية والمجتمعية. هل يراد لهذه الأزمة أن تنتهي؟ بديهي فإن الجواب نعم، فلا أحد في السلطة والمجتمع بكل أطيافه يريد لها أن تستمر، ولا لما جرى أن يتكرر.

ولكن السؤال كيف ومتى؟

(كيف؟): هناك رؤية واضحة لدى الفرقاء السياسيين وحتى المراقبين والباحثين والمهتمين الخارجيين بشأنها: 1/ تبريد العناصر المتفجرة في المشكلة، وبالخصوص في الجانب الحقوقي؛ وهذا سعى اليه تقريرا (بسيوني) و(الصالح). 2/ الحل السياسي، عبر الحوار، وإجراء مصالحة وطنية.

ومع الإجابة عن سؤال كيف يبقى سؤال (متى) يحدث هذا الحوار وتلك المصالحة؟

الآن، ورغم صخب المظاهرات، وارتفاع أصوات المنظمات الحقوقية، فإن جموداً سياسياً قد أرخى بظلاله على البحرين منذ أشهر عديدة، وهو جمود لم يتم حتى الآن اختراقه بأية صورة من الصور. لازالت المعارضة في جانب، والحكم في جانب ثان، والسنّة في جانب ثالث. كلٌّ متمسّك بمواقفه، ويقوم بأعماله اليومية الروتينية: المعارضة في الشوارع والمسؤولون في الدوائر الحكومية، والجمهور في المجالس (أو ما يعرف بالديوانيات).

ماذا بعد؟

طيلة عام وأكثر، والجزء المتفجر في الأزمة والفاقع فيها كان حقوقياً. معظم ما يثار من جدل نجده في مفردات حقوقية: المحاكمات؛ التعذيب؛ الفصل من الوظائف؛ التعويضات؛ المنشآت الدينية؛ الطلبة الجامعيون؛ حرية التعبير والتجمع وغيرها؛ الطائفية.. كل هذه مفردات تدخل ضمن الحقوق المدنية والسياسية. ما يجري اليوم هو معالجات لمواضيع حقوق الإنسان التي تقصاها بسيوني في تقريره وقدم بشأنها توصيات للتنفيذ. والجدل السياسي يستخدم المفردات الحقوقية في المعركة السياسية حيث تسجيل النقاط على الآخر، بانتظار طاولة الحوار التي ينتظرها الجمهور البحريني: الخاسر الأكبر، والمتعب والمثخن بجراح الطائفية والخلافات السياسية.

ألا يمكن لهذه الدائرة أن تنكسر في نقطة ما؟

هل يراد لأزمة حقوق الإنسان الإستمرار بمحرّكات أزمة سياسية لم تهدأ بعد؟

هل يراد تأبيد حالة الإنقسام المجتمعي بسيوف الطائفية، ريثما يقرّر السياسيون في الموالاة والمعارضة والحكم الجلوس سويّاً والوصول الى توافق سياسي ينهض نتيجته المجتمع من تحت ركام الآلام والمعاناة؟

الجمود السياسي يعني أن اللاعبين متمسكين بمواقفهم ولم يقبلوا بالتنازل. بدون التنازل لن يكون هناك حوار ولا مصالحة وطنية، وتالياً لا حلّ سياسياً في الأفُق.

والجمود السياسي يعني أنه لاتزال هناك رهانات سياسية لدى الأطراف السياسية على تغيّر أوضاع محليّة أو إقليمية، وبالتالي على الشعب البحريني أن ينتظر ريثما ينكشف الغطاء عن واقع تلك الرهانات، ويثبت بطلانها، أو عدم تأثيرها على المعادلة المحليّة.

ثلاث كلمات تختصر الحل، كررناها في هذه النشرة بصور مختلفة:

ملكيّة، إذ لا سبيل لتغيير النظام السياسي من قبل طرف واحد لا بالقوّة ولا بالإقناع! الملكية مظلّة لمكوّني المجتمع، وناظم للخلاف والتوازن السياسي، يفترض أن تتطور الى ملكيّة دستورية في المستقبل.

توافقية، أي أن تتفق مكوّنات المجتمع على سقف التغييرات، وتحدد وجهة النظام وسياساته والمشاركة فيه.

ديمقراطية، تتسق مع المبادئ الحقوقية العالمية في العدالة والمساواة، والمحاسبة، واحترام التنوع، واحترام رأي الجمهور وخياراته وإرادته فيمن يمثله، والتمتع بحقوقه المدنية والسياسية.

الجمود الذي نتحدث عنه في العملية السياسية يجب أن ينتهي، فهو يؤثر على كل مناحي الحياة العامة، الإقتصادية والسياسية والحقوقية والإجتماعية وغيرها؛ ولا بدّ أن تقبل الأطراف كافة بمبدأ (التوافقية) كعنصر أساس لحل الأزمة، إذ أن الجميع يقبل بالملكيّة كنظام سياسي، وبالديمقراطية كآلية للمشاركة في السلطة، وكهدف يجب السعي لتحقيقه من أجل بناء دولة متحضّرة ومجتمع متطور.