اَفاق ترقية حقوق الإنسان

البرلمان الجديد وترسيخ الديمقراطية

انتخب الشعب البحريني الشهر الماضي أعضاء البرلمان الجديد الذي يمثل أحد أضلاع مثلث سلطة الدولة، والأداة المهمة لتحقيق الإستقرار السياسي، والمؤسسة التي تعبّر عن إرادة الشعب، وتوفر له الطريق لتحقيق غاياته في المشاركة السياسية وصناعة القرار.

إن أهم وظائف البرلمان تنحصر في أمرين: التشريع والرقابة؛ ويتمثل التشريع فى إقتراح القوانين وتعديلها أو رفضها، بينما تتم رقابة البرلمان على عمل الحكومة ومحاسبتها عبر آليات محددة تتمثل في: السؤال، الإستجواب، التحقيق، المناقشة، طرح الثقة.

وتشمل وظائف البرلمان موضوعات متعددة منها: مناقشة الميزانية العامة للدولة؛ ومراقبة الإنفاق الحكومي؛ وتوزيع الموارد؛ وإقرار القوانين الإقتصادية والمالية؛ والموافقة على الإتفاقيات الإقتصادية والشراكة مع الدول أو المنظمات الإقليمية والدولية وغير ذلك.

ورغم المآخذ العديدة على أداء البرلمان في دورته السابقة (2006 - 2010) إلا أنه حقق قدراً معقولاً من الإنجازات حيث أقرّ 112 قانوناً، و 270 مشروع قانون، و 619 اقتراح برغبة، إضافة إلى تشكيل 12 لجنة تحقيق برلمانية. ونجح البرلمان في إجبار الحكومة على زيادة المخصصات المالية للمشروعات الإسكانية، ودفع إعانات لمن لا يمتلكون مساكن خاصة بهم، وكذلك صرف علاوة غلاء خلال عامي 2007-2008.

ومن القوانين المتصلة بالشأن الحقوقي التي وافق عليها البرلمان وأقرها: العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية (عام 2007)؛ والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (2006)؛ وقانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن الاتجار بالأشخاص؛ وقانون رقم (19) لسنة 2009 بشأن أحكام الأسرة (القسم الأول)؛ وقانون رقم (7) لسنة 2010 بالتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. لكن أُخذ على البرلمان ـ محلياً وخارجياً ـ مصادقته على قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية (قانون مكافحة الإرهاب) الذي حوى ثغرات تتعلق بالضمانات القانونية للمتهمين.

إن حداثة التجربة السياسية البرلمانية، وتراكم المشاكل منذ عقود عديدة، وضعف التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم الإنسجام بين الكتل البرلمانية، كلها ساهمت في أن يكون أداء البرلمان الماضي دون مستوى طموح الناخبين. فهل سيكون البرلمان الجديد أفضل من سابقه من جهة الأداء وتحقيق المنجزات التي ينتظرها الشعب؟ في هذا المجال لنا بعض الملاحظات:

أولاً: من الصعب أن يحقق البرلمان نجاحاً في المجال الخدمي دون تعاون الحكومة، والعكس صحيح. وإن الضعف في أداء البرلمان انعكس ضعفاً أيضاً على أداء الحكومة في المجال الخدمي. إن التنسيق بين السلطتين التشريعة والتنفيذية كفيل بإنجاح كليهما، ومن ثم إنجاح التجربة الإصلاحية نفسها.

ثانياً: يفترض أن يولي البرلمانيون موضوع حقوق الإنسان إهتماماً أكبر، فتعزيز حقوق الإنسان والعمل على تفعيلها، ووضع القوانين والتشريعات الخاصة بها، يساهم في ترسيخ الإستقرار السياسي والأمني والإجتماعي.

المنتظر من النواب الجدد أن يحققوا طفرة في منجزاتهم الحقوقية بتعزيز الحريات العامة، وإعداد برامج ومشاريع قرارات وخطط يتعاون البرلمان والسلطة التنفيذية على تحقيقها، من أجل واقع حياتي يسمو بكرامة الإنسان ويصون حقوقه جميعها، ويمنع التعدّي عليها أو تقييدها تحت أي مسمىً أو ذريعة.

هناك العديد من التقارير الصادرة من منظمات حقوق الإنسان الدولية أشارت الى حدوث إنتهاكات لحقوق الإنسان، والبرلمان بإمكانه كشف الحقائق من جهة، ويتمتع من جهة ثانية بسلطة رقابية ويستطيع مساءلة الوزراء والإستفهام منهم عن المخالفات التي قد تقع.

ثالثاً: مطلوب من النواب المنتخبين الشروع في إصدار قانون الصحافة والمطبوعات والذي مضى عليه سبع سنوات. فغياب القانون الناظم لعمل الصحافة والإعلام، سواء كان اليكترونياً أو مطبوعاً أو مذاعاً، يفتح المجال للتأويلات الخاطئة التي قد تؤدي الى إنتهاك حرية التعبير. والأمر نفسه يصدق مع قانون الجمعيات الأهلية، الذي عانى هو الآخر من التأخير وربما الإهمال ولم يصدر حتى الآن.

رابعاً: من أهم الأدوار التي يمكن ان يلعبها البرلمان هو العمل على كشف الفساد وذلك بتفعيل قانون رقم (7) لسنة 2010 المتعلق بمكافحة الفساد، والدفع بتنشيط عمل اللجان البرلمانية للتحقيق لترسيخ مبدأ الشفافية، والحفاظ على المال العام من الضياع والهدر.

وأخيراً: يفترض أن تكون هنالك لقاءات دورية بين النواب مع ناخبيهم لتنويرهم بمدى التقدم الذي يحدث داخل البرلمان فيما يتعلق بالوعود التي طرحوها في برامجهم الإنتخابية. مثل هذه اللقاءات تعزز الثقة بين النائب وناخبيه، وتقوّم أداء البرلمانيين، وتعزز الثقة في التجربة الديمقراطية الوليدة نفسها. لكن قد يكون هناك قصور لدى بعض النواب بحيث يؤثر ذلك على أدائهم، ويمكن سدّ هذا النقص من خلال التدريب وورشات العمل لبناء قدراتهم وتصويب أدائهم، وصقل خبراتهم.