في ضوء الأحداث الأخيرة

هل تتراجع حقوق الإنسان في البحرين؟

بدا وكأن المنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية قد فوجئت بما جرى في البحرين مؤخراً، من اعتقالات بحق أفراد اتهموا بالتحريض على العنف والإرهاب. ولربما كانت المفاجأة تتعلّق بطبيعة أداء قوى الأمن في الأيام الأولى للإحتجاز، والتصريحات العامة حول ما جرى. بيد أن الإحتجاز كان بالنسبة لمتابعين آخرين متوقعاً منذ زمن، على اعتبار أن ما جرى كان حصيلة نشاط سياسي أخذ طابع العنف في الشارع وتوسع، وكان لا بدّ أن يأتي يوم وتتخذ فيه إجراءات أمنية صارمة تضع له حدّاً.

تطور الأحداث في البحرين استقطب اهتمام المنظمات الحقوقية الدولية فأصدرت بيانات، مثل العفو الدولية، وهيومان رايتس ووتش، ولجنة المحامين البريطانية، ولجنة حماية الصحفيين الدولية، والفيدارلية الدولية لحقوق الإنسان، والمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والبرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. الإثارات التي وردت في بيانات المنظمات الحقوقية هذه تكاد تكون متشابهة من جهة المضامين والأهداف؛ حتى وإن كان خطاب بعضها اتسم بالشدّة والقسوة وعدم الدقة أحياناً، كما فعلت منظمة العفو الدولية التي ذكرت في بيانها الصحفي (18/8/2010) بأن (الاعتقالات الأخيرة هي آخر دليل على حملة التنكيل المتزايدة بحق المعارضة ونشطاء المجتمع المدني).

وقد فتحت ردود أفعال المنظمات الحقوقية جملة من التساؤلات والملاحظات نجملها في التالي:

أولاً: الإطار القانوني للإحتجاز

منذ الأيام الأولى للإحتجاز، تصاعد الحديث عن تجاوز حكومي للقانون المحلي في تعاطيه مع المحتجزين. ما يمكن اعتباره ثغرة قانونية في الأداء الحكومي والتي حدثت في الأيام الأولى للاعتقالات، تمّ وضعها الآن في إطارها، فالمنظمات الدولية في بياناتها كأمنستي وهيومان رايتس ووتش كانت تشير الى ضرورة الإفراج عن المعتقلين خلال 48 ساعة من اعتقالهم، أو تقديمهم الى المدعي العام، وذلك اعتماداً على قانون العقوبات البحريني.

إن أحداً لم يتوقع على وجه الدقّة بأن الإجراءات الأمنية الأخيرة إنما كانت مستندة الى قانون (حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية) والذي أقرّه البرلمان عام 2006، وهو القانون الذي نال نقداً واعتراضاً من المنظمات الحقوقية في الداخل والخارج. بناء على هذا القانون، فإنه يحق للأجهزة الأمنية اعتقال الأفراد لمدة 15 يوماً ، كحدّ أقصى ـ قبل أن تحوّلهم على النيابة أو تطلق سراحهم. وعليه فإن عدم إتصال المعتقل بمحام أو بأهله، قد جاء بغطاء من ذلك القانون.

السلطات الأمنية لم تبين في الأيام الأولى وفق أية قانون تعتمد في إجراءاتها، ما سبب لبساً، فهيومان رايتس ووتش تحدثت عن أن السلطات لم تشر أو تستشهد بقانون مكافحة الإرهاب فيما يتعلق بالإحتجازات الأخيرة. ولكن وبعد تأخير وفي 21/8/2010، أعلن مصدر أمني بأن الإعتقالات جاءت اعتماداً على قانون مكافحة الإرهاب. ولأن عبدالجليل السنكيس كان أول المحتجزين، فإنه وفي خلال المدة المتاحة وبالتحديد في يوم 26/8/2010 جرى تحويله على النيابة العامة، وسمح له بلقاء محاميه، وتمت معرفة مكان اعتقاله في النهاية، وهي القضية التي أثيرت في بيانات حقوقية كبيان أمنستي مثلاً (18/8/2010) والذي دعا الى الكشف عن مكان وجود المحتجزين.

ثانياً: العلاقة بين المنظمات الحقوقية والسلطات في البحرين

المنظمات الحقوقية الدولية ومن خلال بياناتها بشأن الأحداث الأخيرة أظهرت قلقاً على مستقبل حقوق الإنسان في البحرين؛ وهي قد عبرت عن هذا القلق بشأن توفير الضمانات القانونية للمحتجزين. وبالرغم من أن السلطات البحرينية أعلنت مراراً بأنها سوف تلتزم بالقانون ولن تحيد عنه، وأنها ستضمن المحاكمات العادلة.. إلا أن تلك التصريحات لم يظهر لها أثر إيجابي واضح في ردود الفعل الحقوقية الخارجية، ما أشعر المسؤولين البحرينيين بأن تلك المنظمات لا تقبل بالمعلومات التي توفرها السلطات، وأنها لا تسعى ـ أي المنظمات ـ بذاتها للبحث عن مصادر معلومات متنوعة، ما يجعل رؤيتها النهائية تجاه الأحداث غير دقيقة وغير متوازنة، بل تعتبرها الحكومة منحازة ومبالغ فيها.

ويُخشى أن ينعكس هذا الشعور الحكومي المتزايد بخيبة الأمل، على العلاقة مع المنظمات الحقوقية الدولية؛ فإذا ما تساوت نتائج إنفتاح السلطات البحرينية على الخارج الحقوقي، مع نتائج الإنغلاق والصمت وممارسة الإهمال تجاه المنظمات الحقوقية الدولية، فلربما وجد من يدفع باتجاه تقليص العلاقة والتعاون مع تلك المنظمات وتجاهل ما تنشره عن البحرين. بالنسبة لوجهة نظر الحكومة ومراقبين للوضع الحقوقي الداخلي، فإن المنظمات الحقوقية الدولية لم تفهم حتى الآن طبيعة التغيير السياسي الذي حدث في البحرين وتفاصيله ومساحة الحرية المتوفرة؛ كما أنها لم تفهم طبيعة عمل المعارضين العنفيين والضرر الذي يلحقوه بالبلاد، وهو أمرٌ لا علاقة له بحرية التعبير ولا بممارسة العمل السياسي السلمي حتى مع القبول بخشونته اللفظية.

ثالثاً: مستقبل حقوق الإنسان

هناك أسئلة أخرى مرتبطة بما سبق وهي: هل سيتراجع وضع حقوق الإنسان في البحرين، خاصة إذا ما تمّ تقليص وإضعاف العلاقة مع المنظمات الحقوقية الدولية؟ وهل يفهم مما جرى حتى الآن، أن الحكومة أقلّ إصراراً على الإلتزام بالمعايير الحقوقية الدولية وبالدستور والقانون المحلي؟ وهل الحملة الأمنية القائمة ستتواصل الى وقت بعيد بما يعني أن الوضع الحقوقي العام لن يتطور في أفضل الأحوال، وقد يتراجع في أسوئها؟

هذه أسئلة مشروعة ومقلقة، وهي ليست أسئلة افتراضية محضة، فقد سمعنا بعضاً منها من مسؤولين حقوقيين بارزين خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، من الذين راقبوا المشهد البحريني بقليل أو كثير من القلق.

ما نريد التأكيد عليه هو التالي: ليس من صالح وضع حقوق الإنسان في البحرين أن تسوء العلاقة بين البحرين كدولة وبين المنظمات الحقوقية الدولية؛ وكذا بين المجتمع المدني البحريني والدولي. لا نعتقد أن وضع حقوق الإنسان في البحرين سيتراجع، بمعنى أن تتحول البحرين الى دولة بوليسية، أو تتراجع عما أنجزته على الصعيدين الحقوقي والسياسي. ولا نظن أن استقرار البحرين كدولة ومجتمع أمرٌ ممكن إذا ما تمّ التراجع عما أُنجز.

أيضاً، ورغم خيبة الأمل الحكومية من جهة عدم تقدير المنظمات الحقوقية الدولية لما أنجزته، فإننا لا نعتقد بأن هناك نيّة الإنقلاب على الوضع الحقوقي، الذي يعني ـ لو حدث ـ تراجعاً عن الإصلاحات التي بدأت قبل نحو عقد من الزمن. ليس هذا في مصلحة الحكومة ولا الشعب ولا اللاعبين السياسيين الآخرين. قد لا تكون الحماسة مثلما كانت عليه بداية انطلاق المشروع الإصلاحي لأسباب نعلمها، وبينها العنف المتواصل، والثقة المحدودة بين اللاعبين السياسيين، وبين الحكومة والمنظمات الحقوقية الدولية وربما المحلية أيضاً. إن أداء الفرقاء السياسيين والحقوقيين الناضج سيلعب دوراً أساسياً في تحديد مساحة التطور السياسي والحقوقي في البحرين في المرحلة القادمة.

بقي أن نقول بأن الإحتمال الأقوى يفيد بأن الحكومة وفي ظل المعطيات الراهنة، فإنها لن تتسامح ـ فيما يبدو ـ مع دعاة العنف والمشاركين فيه، ولكنها في نفس الوقت ـ وعلى الأرجح أيضاً ـ لن تبادر الى الإنتقاص من مساحة الحريات المتوفرة، سياسياً ومدنياً. لكن كل ما يطالب به الحقوقيون في الداخل البحريني وخارجه، يرتكز على نقطة واحدة: المزيد من الإلتزام بمعايير حقوق الإنسان في مواجهة العنف والشغب.