حتى لا تقع المنظمات الحقوقية في مصيدة الخطأ

نبهتنا ـ نحن الحقوقيين ـ قضية جعفر إبراهيم الى مسائل عديدة، ينبغي أن نستفيد منها.

فقد تبيّن أن بيننا من لديه القابلية لتصديق أية حكاية أو قصة مختلقة، حين تمرّر ضمن إطار سياسي وحقوقي وإنساني. وهذا يعني إمكانية خداع الشارع من جهة، وخداع بعض النخبة المتعلمة من جهة أخرى، وأيضاً يمكن أن يتمدد الخداع ليصل الى المنظمات الدولية التي تتمتع بالمصداقية والتي تعتمد عادة بعض الإجراءات حتى لا تجرّ الى اتخاذ مواقف مبنيّة على أسس غير صحيحة.

المسارعة في التصديق لا تنمّ فقط عن سذاجة سياسية أو عن جهل بالمعلومة، بل هي تنمّ في الأساس أو تشير الى حقيقة (عدم وجود ثقة) كافية بالأجهزة الحكومية ورأيها، رغم أن الكثير من السياسيين يتحدث عن مسألة (تقوية الثقة) بين الحكومة من جهة والجمعيات السياسية من جهة أخرى، أو بين الحكومة ومنظمات حقوق الإنسان. لكن حادثة الإعتداء على جعفر ابراهيم واتهامه الأجهزة الحكومية كذباً، تشير الى أن عدم الثقة لازال قائماً، وإلا لما كان هناك مسارعة في التصديق بالحكاية الكاذبة وترتيب أفعال

التسرّع واعتماد مصدر معلومات واحد أوقع منظمات حقوقية في أخطاء فادحة
ومواقف سياسية كادت أن تعيد الحرائق والشغب الى الشارع مرّة أخرى.

أربعة أسباب أوقعت الحقوقيين في مصيدة الموقف الخطأ:

أولها: الإعتماد على مصدر معلومات واحد. فالمعتدى عليه ابراهيم جعفر اتهم الحكومة، ولم يقل الحقيقة، لتبرئة نفسه من تهمة أكبر (على الأقل من الناحية العرفية والإجتماعية). وقد تلقف البعض منّا المعلومة وروّجها باعتبارها حقيقة ولم ينتظر تحقيقاً أو يعطي فرصة من الوقت للتأكد من حقيقة ما قاله من مصادر أخرى. أيضاً، اعتمدت المنظمات الحقوقية الدولية التي أصدرت بيانات بشأن القضية على مصدر معلومات واحد فقط، وتحت ضغط الإلحاح، وهذا ما لا تفعله في العادة. كما أنها لم تنتظر أو لم تطلب رأي الجهة الرسمية قبل صدور بياناتها أو رسائلها. وكان مرصد البحرين لحقوق الإنسان قد حرص على تنبيه الجهات الحقوقية الدولية والمحلية الى ضرورة اعتماد مصادر معلومات متعددة، حتى لا تقع ضحية المغالاة أو فريسة الأخبار المفبركة ذات الأهداف السياسية.

ثانياً: تأخر الحكومة في الرد على استفسارات المنظمات الدولية بشأن حوادث بعينها، أو عدم الردّ مطلقاً. ومثل هذا الفعل، لا يعطي تلك المنظمات من خيار سوى نشر بيانات التنديد اعتماداً على ما يصلها من معلومات. الحكومة نفسها برد فعلها البطيء، وعدم تجاوبها السريع مع أسئلة المنظمات الحقوقية الدولية، ساهمت في تشويه صورتها بشكل مضخّم في الخارج.

لكن هذا لا يبرر التشهير، خاصة إذا ما قام على أساس (معلومات خاطئة) يتم التسرّع في نشرها، وترتيب مواقف حادّة على أساسها.

نعم، فإن المنظمات الحقوقية الدولية تساند النشطاء الحقوقيين بمواقفها وبياناتها، ولكن تلك المواقف تصبح عبئاً على أكتاف أولئك النشطاء وتشويهاً لنشاطهم، إن كانت متسرّعة خاطئة. إن إصدار بيانات متسرعة مبنية على معلومات خطأ، تدعّم على ارض الواقع أولئك الحقوقيين المسيّسين، وتشجعهم على المضي في نهجهم الخاطئ.

رابعاً وأخيراً: التعمية على الأخطاء السابقة وعدم كشفها أو الإعتراف بها. فكما تسعى المنظمات الحقوقية المحلية وغيرها الى كشف الأخطاء الحكومية في مجال تجاوز معايير حقوق الإنسان، فإن المنظمات الحقوقية نفسها بحاجة الى مراجعة ذاتها وأدواتها ومنهجها، لتفادي تكرار الأخطاء. ولأن موضوع جعفر ابراهيم هو الثالث من نوعه، في حين جرى غض النظر عن حدثين مشابهين سابقين، فإن القضية بحاجة الى قدر من الشفافية واحترام الذات، وتوفر أخلاقية الإختلاف، لطرق هذا الموضوع بصورة علنيّة، بغرض التنبيه إليه وعدم تكراره.