الحكومة تدعمها وتشتكي من انحيازها

التمويل في عمل منظمات حقوق الإنسان البحرينية

كل منظمات المجتمع المدني في البحرين، وبينها الجمعيات السياسية (الأحزاب)، أدانت حوادث الشغب التي تصاعدت في الآونة الأخيرة. الجميع أصرّ على التعبير السلمي واحترام القانون. لكن تلك المنظمات، خاصة الحقوقية منها، تشعر اليوم بأنها تواجه تحدياً في مسألة الوقوف على الحياد والإلتزام بالمعايير الحقوقية في عملها، في ظل التوترات السياسية والأمنية.

ما يجري في البحرين مرتبط بشكل قوي بالوضع السياسي، ولهذا فتلك المنظمات لا تتعاطى مع حوادث منفصلة عن بعضها وعن الواقع السياسي، بحيث تحكم على كل حادثة بشكل مستقل. كلا.. بل هي أمام سلسلة من الأحداث والأفعال وردود الأفعال، أصبح فيها السبب نتيجة والنتيجة سبباً يؤسس لوقوع حوادث جديدة.

لهذا، ورغم محاولة المنظمات الحقوقية النأي بنفسها عن الخلاف بين جبهتي النظام من جهة والمعارضين من جهة أخرى، فإنها تشعر بتحدّ في تأكيد مصداقيتها، وهي لا تزال عرضة للنقد من الطرفين، ومتهمة بأنها تحابي طرفاً على حساب الآخر.

هي بنظر بعض الأطراف في الحكومة منحازة لأجندات سياسية معارضة، وتعتمد الإشاعات والتقارير المغرضة، ولا تلحظ إلا السلبيات دون النظر الى الجوانب الإيجابية.

وهي بنظر بعض الناشطين السياسيين منحازة الى الحكومة، وغير أمينة في تقاريرها، أو مقصّرة في عرض صورة ما يجري على حقيقته.

فإلى أي حدّ يمكن للمنظمات الحقوقية أن تحافظ على حياديتها، وتنزّه نفسها عن الأغراض السياسية؟

ابتداءاً، فإن كل المنظمات الحقوقية في العالم تتعرّض الى تحديّات وضغوط تتعلق بحياديتها ونزاهتها. ولا يستطيع أحد الزعم بأن هناك حياديّة مطلقة، كما لا توجد مقاييس للحياد متفق عليها، فضلا عن أن أداء المنظمات

لا شواهد واضحة لتأثير التمويل على حيادية المنظمات الحقوقية البحرينية
الحقوقية متفاوت في الحيادية تجاه موضوع أو قضية ما.

موضوع الدعم المالي للمنظمات الحقوقية يعتبر بوابة أساسية للتأثير على توجهات ومصداقية المنظمات الحقوقية. فكل المنظمات الحقوقية الدولية الكبرى ـ عدا منظمة العفو الدولية ـ تعتمد في تمويل نشاطاتها على دعم الحكومات والمؤسسات. وهذا التمويل له أثرٌ كبير في تحديد الدولة المستهدفة او المنطقة المستهدفة بالمتابعة والبحث، وفي كثير من الأحيان يحدد الداعمون موضوع المتابعة وحقل النشاط، كأن يكون حقوق المرأة، أو سجناء الضمير، أو حرية التعبير، وما أشبه. بحيث يبدو في بعض الأحيان، خاصة في الشرق الأوسط، حيث تتضخم نظرية المؤامرة، وكأن منظمة حقوقية بعينها مجرد ملحق لمشروع سياسي يتبع دولة ما أو مجموعة من الدول ـ الغربية بشكل خاص.

في البحرين، وجدت الحكومة نفسها مطالبة بتشجيع منظمات المجتمع المدني عامة، منذ فجر الإصلاحات عام 2001م، فتشكلت تلك المنظمات، وقامت الحكومة بدعمها ـ من خلال وزارة الشؤون الإجتماعية ـ عبر توفير مقرات رسمية لها، كما تم تخصيص ميزانية سنوية لتلك المنظمات من خزانة الدولة.

السؤال: هل يفترض أن يؤثر هذا التمويل على حيادية ونشاط تلك المنظمات والى أي مدى؟ بمعنى: هل يؤثر هذا التمويل على حيادية تلك المنظمات في القضايا التي لها صلة بالممول الحكومي؟

لا يبدو ذلك واضحاً، على الأقل بالنسبة للمنظمات الحقوقية منها، إذ لا زالت الحكومة تشتكي من تحيّزها!

السؤال الآخر: هل التمويل الحكومي كاف لتمويل كافة نشاط تلك المنظمات؟ وهل هناك مموّلون آخرون، وهل لهؤلاء الأخيرين دور في التأثير على حيادية النشاط؟

يرجح بأن التمويل الحكومي غير كاف لتمويل نشاطات بعض المنظمات الحقوقية البحرينية ذات الفاعلية. في هذا الشأن هناك احتمالات:

التمويل الخارجي من دول يعد خطاً أحمراً، وكل المنظمات الحقوقية لا يمكن الطعن في وطنيتها وحرصها على وطنها وشعبها.

ولكن يحتمل أن يكون هناك بعض الدعم المحدود ـ غير المؤثر ـ من منظمات مجتمع مدني خارجية لنظرائها البحرينيات، مع أن الأثر غير واضح كثيراً. يجب الإلتفات هنا الى أن هذا النوع من الدعم ـ المالي أو الإعلامي أو غيرهما ـ مشرعن قانونياً في معظم دول العالم، بما فيها الدول العربية كلبنان والأردن ومصر والمغرب وتونس والجزائر وفلسطين والعراق وغيرها.

يبقى التمويل المحلّي من الأفراد وربما المؤسسات داخل البحرين ـ وهذا كما سابقه ـ تكشف عنه، إن وجد، الكشوف الحسابية لتلك المنظمات. وهذا في حال وجوده، لا يفترض بالضرورة أن لدى الممولين ميولاً سياسية محددة، وحتى لو وجدت الميول السياسية فإن تأثيراتها ليست قطعية والأرجح أنها محدودة.

ما يمكن للمرء أن يخلص إليه، أن لا شواهد واضحة في تأثير التمويل المحلي على حيادية المنظمات الحقوقية البحرينية.