الحكومة تقول أنها ملتزمة بالإجراءات القانونية

بث اعترافات معتقلي (الحجّيرة) تلفزيونياً

أُعلن رسمياً في ديسمبر الماضي عن اكتشاف خلية كانت ـ حسب البيانات الرسمية ـ تعد لمؤامرة تستهدف القيام بتفجيرات تستهدف الإخلال بالأمن وقتل الأبرياء. وقد اعتقلت السلطات الأمنية ابتداءاً شخصين، ثم تصاعد الرقم الى 14 شخصاً ليتجاوز العشرين حتى الآن.

وأشارت البيانات الرسمية، وتصريحات وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، الى أن إثنين من المقيمين البحرينيين في لندن، هما الرأس المدبر لـ (المؤامرة) وأن المتهمين سافروا الى سوريا في شهري يوليو وأغسطس 2008م والتقوا هناك بأحد المدبرين، كما أنهم تلقوا تدريبات مكثفة في بلدة الحجيرة القريبة من دمشق، حول صنع المتفجرات والقنابل وكيفية استخدامها.

وأضاف وزير الداخلية في تصريح له في 27/12 الماضي الى أن المدبرين للمؤامرة كانوا يخططون لتهريب كميات كبيرة من الأسلحة لداخل البحرين لاستخدامها في التخريب، وأن جميع المعتقلين اعترفوا بالإشتراك في المخطط التخريبي.

غير أن جدلاً أثير من قبل المحامين والناشطين الحقوقين حول إدارة ملف الإعتقالات، واتهموا السلطات الأمنية بتجاوز القانون، وارتكاب مخالفات دستورية. وقد تصاعد الجدل بشكل خاص بعد أن بث التلفزيون الرسمي في برنامج خاص مساء 28/12 اعترافات مسجلة للمتهمين، الذين كانوا حتى ذلك الحين معتقلين انفرادياً ولم يتصلوا بمحامين لهم. وقد قدّم المتهمون تفاصيل حول بعض ما نسب اليهم من اتهامات، واعترافات بشأن النية في مهاجمة أماكن تجارية ومراكز شرطة وغيرها.

محامو المتهمين انتقدوا بث الإعترافات المسجّلة، وقال أحدهم (المحامي محمد أحمد) بأنها تخالف نصوص الدستور، كما تخالف قانون العقوبات (المادة 245 و 246 فقرة 5) إذ لا يجوز بث الإعترافات أو بعضها قبل الإنتهاء من المحاكمات، وأعلن أن هيئة الدفاع عن المعتقلين تقدمت بشكوى قضائية لدى المجلس الأعلى للقضاء ضد النيابة العامة لإصدارها إذنا ببث الإعترافات، وكذلك ضد كل من ساهم في البث بما فيها التلفزيون الرسمي.

وعلق على مبرر النيابة العامة التي أقرت في بيان لها بأن سبب بث الاعترافات هو بغرض بث الطمأنينة لدى الرأي العام.. بأن ما جرى أعطى أسوأ الأفكار لدى الناس تجاه المتهمين (وأن النيابة تقر بأنها حاولت التأثير على الرأي العام بمن فيهم القاضي، وهو ما يجعل العقوبة مغلظة، في حين أن مجرد نشر الأسماء والصور جريمة يعاقب عليها القانون)(الوسط، 15/1/2009).

الناشطان الحقوقيان نبيل رجب من مركز حقوق الإنسان، والدكتور عبدالله الدرازي السكرتير العام لجمعية حقوق الإنسان، أوضحا أن السلطات الأمنية انتهكت حقوق المتهمين، وأنها ـ إضافة الى انتهاكها المعايير الدولية في المحاكمة ـ انتهكت القانون البحريني نفسه الذي يمنع نشر أية تفاصيل عن القضايا قبل انتهاء التحقيق. وقال الدرازي بأن الإعترافات التلفزيونية ليس لها قيمة، كونها بثت ونشرت قبل المحاكمة. واضاف بأنه رغم دعمه للحكومة في سعيها لتأمين سلامة المواطنين، إلا أن طريقة المعالجة للقضية تضمنت انتهاكات لحقوق الإنسان.

من جانبه، أبدى وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، إدراكاً للإنتقادات، وأبدى استعداده لمناقشة موضوع الإعتقالات والإستماع للآراء الأخرى، مؤكداً أن لا أحد يريد أن يتوتر الوضع وتقع أحداث مشابهة مرة أخرى. وأضاف بأنه لا يجب أن يغيب عن المشككين والذين يتبنون تفسيرات قانونية مختلفة بأنه لو نجحت المؤامرة، فإن أرواحاً كثيرة كانت ستزهق. وتابع بأن كل الإجراءات التي اتخذت كانت وفق القانون، وستكون دائماً وفق القانون.

على صعيد آخر، أدّى بث الإعترافات عبر التلفاز، الى انشقاق في وجهات النظر بين أعضاء البرلمان، ففي حين رأى بعضهم ضرورة إصدار بيان مشترك ضد المتهمين، ويقف مع الحكومة في إجراءاتها، رأى آخرون بان المتهمين لازالوا أبرياء حتى تثبت إدانتهم من المحكمة، حسب الدستور، وبالتالي لا بد من التريّث وحفظ معايير وقيم العدالة، وعدم تجاهل مبدأ (الفصل بين السلطات).

وتعتقد السلطات الأمنيّة، أن لديها الكثير من الأدلّة التي تثبت مزاعمها في الإتهامات التي وجهتها للمعتقلين، وصحة هذه الأدلة من عدمها تتعلق تتعلق بالقضاء، الذي ينبغي أن يكون محايداً، وأن لا يتأثر بالتصريحات والأقوال التي نشر الكثير منها على صفحات الجرائد المحلية.

ما يهمّ بعد هذا، سلامة الإجراءات القانونية، فيما يتعلق بكيفية الإعتقال، وعدم اساءة أو تعذيب المعتقلين، أو حرمانهم من حقوقهم في الإتصال بذويهم ولقاء محاميهم.

غير أن هناك مسألة لا تغيب عن المراقب الحقوقي لقضية معتقلي (الحجيرة) كما يطلق عليها الآن، وهي أن بث اعترافاتهم مثّل تجاوزاً للقانون، وقد يعيق مسيرة التحقيق، لأنها فتحت باب الأسئلة أكثر مما أجابت.