بي بي سي: (اصلاحات الشرطة حقيقية أم شكلية)؟

حسن موسى الشفيعي

حسن موسى الشفيعي

التقرير التلفزيوني المطوّل الذي بثته البي بي سي حول الإصلاحات في جهاز الشرطة تحت عنوان: (البحرين: هل إصلاحات الشرطة حقيقية أم شكلية؟) كان متميّزاً ومؤثراً، وما يهم أنه كان له صدىً واسعاً لدى المنظمات الحقوقية المتابعة للشأن البحريني؛ كما تناول الحديث والكتابة بشأنه عدد من الكتاب والصحافيين، وكان مثار نقاش بين المواطنين أنفسهم من جهة التقييم العام.

ويهمني هنا أن اسجّل بعض الملاحظات العامة حول التقرير التلفزيوني من الزاوية السياسية والحقوقية:

أولاً ـ يُحسب للحكومة البحرينية التزامها بقدر ملحوظ بالشفافية من خلال فسح المجال للبي بي سي حضورها، ومشاركة المسؤولين في البرنامج للإجابة على الأسئلة والتساؤلات المطروحة؛ وكذلك إفساح المجال بمشاركة شخصيات معارضة ومواطنين عاديين مناوئين للنظام فيه. وفي تقديري فإن مثل هذا النهج الإيجابي ينبغي ان يكون ديدن الحكومة في التعامل مع المجتمع الدولي، حكومات ومنظمات غير حكومية ووسائل إعلام، إذ أنه يتيح للبحرين على المديين المتوسط والبعيد إجتذاب تفهم أكبر لكافة الأبعاد المتصلة بأزمتها الحالية و بمستقبل الإستقرار فيها.

ثانياً ـ يتسم التقرير بقدر مقبول من التوازن في الطرح وعرض وجهات النظر المختلفة، الأمر الذي يجعل من إتهامه بالتحامل على الحكومة البحرينية غير قابل للهضم. فلقد إهتم التقرير بإتاحة الفرصة لكل من طرفي الأزمة لعرض وجهة نظره كاملة دون إنحياز فاضح لطرف دون الآخر. وقد عرض التقرير بصورة إيجابية عملية إكمال إنشاء ديوان المظالم المستقل، ووصف الخطوة بانها تمثل تطورا غير مسبوق في المنطقة.

ثالثاً ـ في ظني فإن النقطة المحورية في تقرير البي بي سي، والذي على أساسه يتم تقييم النجاح في الميدان الشرطي، هو ما يتعلق بمسألة المحاسبة والمساءلة لكل من ارتكب تجاوزات لحقوق الإنسان. لم يأت التقرير بجديد فيما يتصل بالمحاور الرئيسية التي تشكل أهم بواعث القلق لدى المؤسسات الحقوقية، وحدوث التجاوزات أمرٌ مؤكد في كل بلد، لكن الحد الفاصل في احترام حقوق الإنسان، هو ما إذا كان بالإمكان افلات المنتهكين من العقاب أم لا. ان حل هذه المسألة يجب أن يحظى بأهمية قصوى لدى الأجهزة المعنيّة، إذ بدونه لا يمكن إقناع العالم بكثير من الخطوات الإيجابية التي تتحقق.

رابعاً ـ إن تأكيدات وزير العدل حول العزم على وضع حد لثقافة (الإفلات من العقاب)، وتصريحات رئيس الأمن العام حول الإصلاحات في جهاز الشرطة، وكذلك تعهدات رئيس ديوان المظالم بشأن التحقيق المستقل في كل مزاعم الإنتهاكات.. تمثل كلها توجهاً ينبغي الإشادة به. لكن الأهم هو إدراك حقيقة أن هذه التصريحات لا تكفي ما لم تكن مدعومة بحالات موثقة على أرض الواقع، تثبت أن العدالة قد أُنجزت، فالعالم الحقوقي يهتم بالأفعال المُنجزة، وليس الوعود بإنجازها في المستقبل.

وفي هذا الإطار، يتوجب على المسئولين المعنيين أن تتوفر لديهم بيانات مفصلة بما يتم إتخاذه من إجراءات حيال كل شبهة بوقوع إنتهاكات أو تجاوزات تتم إثارتها من قبل أفراد أو جهات محلية أو خارجية، بحيث تتيح لهم إمكانية الرد المدعوم بالوثائق والأدلة على كل المزاعم أو الإنتقادات.

خامساً ـ أظهر التقرير جانباً من عدم الثقة في المؤسسات التي تعنى بحماية حقوق الإنسان؛ الى حد أن البعض لا يريد الإبلاغ عن التجاوزات المزعومة بحقه أو بحق أبنائه. هذه مشكلة حقيقية ليست للمواطن فحسب، بل الأهم هي مشكلة للدولة في أن تستعيد ثقة المواطنين بأجهزتها. فعدم الثقة هذا يضعفها كمؤسسة مرجعية، ويخرج المشكلة من إطارها المحلّي الى الإطار الخارجي، فتتحول الشكاوى الى الخارج عند المنظمات الحقوقية وأجهزة الأمم المتحدة.

وأخيراً، فإن من شأن تكريس منهج الشفافية في معالجة كل ما يتعلق بملف مزاعم الإنتهاكات، والإلتزام بالنهج العلمي والموضوعي في التعامل مع مصادر الإنتقادات مهما بلغت حدتها، كفيل إذا ما تحقّق في تعزيز المصداقية والخروج من مأزق عدم الثقة المتبادل.

وتبقى الإشارة الى الرسالة السياسية التي يحتمل وجودها في ثنايا التقرير، ذلك إن الجمهور المحلّي تحدث عنها برأيين مختلفين إن لم يكن متناقضين: فالبعض رأى ان اختيار الموضوع كان يستهدف إبراز الجهد البريطاني المشارك في مجال نقل خبرته لتطوير جهاز الشرطة البحريني؛ فيما قال البعض الآخر بأن الهدف هو تمرير رسالة اعتراض ناعمة على أوجه القصور او التأخير.