التعذيب ووقائع محاكمة مرتكبيه

مزاعم التعذيب كانت على الدوام واحدة من القضايا المثيرة للقلق في الملف الحقوقي البحريني، وكانت منظمات حقوق الإنسان توثقها في بياناتها وتقاريرها، وقد اهتم المجتمع المدني البحريني بهذا الملف فترة طويلة. لم تكن في البحرين آليات مستقلة لكشف مزاعم التعذيب والتحقيق فيها ومن ثم مساءلة المنتهكين وإحالتهم للمحاكم. أخذ الملف مساره القانوني منذ التحقيقات التي قامت بها لجنة بسيوني والتي أمر الملك بتشكيلها، ومن ثم التوصيات التي تجاوبت معها السلطات المعنيّة. ثلاث قضايا تتعلق بهذا الملف:

الأولى ـ تأكيد وجود ممارسات سوء معاملة وتعذيب. وهذه القضية تمّ التسليم بها ومن ثم تجاوزها بمجرد أن أثبت تقرير بسيوني وجود حالات ممارسة التعذيب.

الثانية ـ تتعلق بآليات منع التعذيب في المستقبل عبر وضع التشريعات وغيرها. وفي هذا العدد من النشرة هناك رصد لخطوات الحكومة في هذا المضمار، فيما يتعلق بالآليات الوقائية المانعة لمعاودة التعذيب، وهي لم تستكمل كلياً.

الثالثة ـ وهي ما يترتب على الإقرار بوجود التعذيب من تحقيق يكشف من قام به، ومحاسبته، وتعويض الضحايا، وهو يأتي في سياق تقرير بسيوني. هذا الموضوع بالذات هو محط اختبار حقيقي لجدية السلطات في البحرين في مكافحتها للتعذيب.

وفي سبيل إثبات جديّة الحكومة في مكافحة التعذيب، فإنها أقدمت على العديد من الخطوات، وفتحت الملف للتحقيق والمساءلة بقدر لا بأس به من الشفافية. هذه بعض الوقائع المتعلقة بهذا الموضوع:

في 2/4/2012، صرح نواف عبدالله حمزة رئيس وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، بأنه نفاذاً لتوصيات اللجنة البحرينية المُستقلة لتقصي الحقائق، استلمت النيابة العامة من وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني كافة القضايا المُتعلقة بالوفيات، وانتهاكات حقوق الإنسان، ومن بينها شكاوى وادعاءات التعذيب واساءة المُعاملة، موضحا بان عدد تلك القضايا المُتعلقة بالوفيات بلغ خمسة عشر بلاغاً، في حين بلغ عدد القضايا والشكاوى الأخرى المُتعلِقة بادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان 107 قضية وشكوى.

وعليه فقد قرر النائب العام الدكتور علي بن فضل البوعينين اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي من شأنها إنجاز التحقيقات على ضوء المعايير الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان والعدالة الجنائية.

وكان أول تلك القرارات إنشاء وحدة خاصة داخل النيابة العامة تكون مُختصة بـفحص كافة التحقيقات والشكاوى والبلاغات المعنية بالوفيات والتعذيب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت في أعقاب أحداث فبراير – مارس 2011. وأكدت النيابة في بلاغات علنية أن للمواطنين جميعاً حق التقدُم إلى الوحدة مُباشرة لاتخاذ الإجراءات التمهيدية ، ومن بينها عرض الشاكي فوراً على الأطباء الشرعيين المُختصين، وفقاً لنص المادة الثانية عشرة من اتفاقية مُناهضة التعذيب، وكذلك أحكام بروتوكول اسطنبول، لتقوم النيابة بالتحقيق واتخاذ الإجراءات.

وحِرصاً على الشفافية، قرر النائب العام إصدار بيان صحفي شامِل في الاسبوع الأول من كل شهر لبيان التقدُم المُحرز في إنجاز عمل الوحدة الخاصة المعنية.

في 8/5/2012، ناقش مجلس النواب مشروع قانون تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية بحيث يوفر الحماية لرافعي دعاوى تتعلق بالتعذيب، من الإنتقام. وجاء في المادّة: (منح من يدعي تعرضه للانتقام حقّاً خاصّاً في الادعاء بحقوقه المدنية). هذا التشريع جاء بناء على توصيات لجنة بسيوني (التوصية 1719).

في 4/5/2012 قال رئيس وحدة التحقيق الخاصة بالنيابة العامة، بأن الوحدة تلقت المزيد من شكاوى التعذيب واساءة المعاملة، وأنه تم فتح تحقيق رسمي في الشكاوى كلها، وان إستدعاء المتهمين جار لسؤالهم فيما هو منسوب إليهم. وقال ان عدد من تم استجوابهم بلغ 56 متهماً، وأن تسع قضايا قد أحيلت الى المحاكم الخاصة.

في 4/6/2012، أفاد نواف عبدالله حمزة رئيس وحدة التحقيق الخاصة في النيابة العامة بأن عدد شكاوى التعذيب بلغت 159 شكوى وقضية تتعلق بالتعذيب والمعاملة السيئة؛ وقد تم الاستماع الى الشاكين والشهود واستجوب عدد من المتهمين بلغوا ثمانية وتم توجيه الإتهام اليهم. وسبق أن احالت النيابة العامة رجلي شرطة الى المحكمة ووجهت لهما تهمة الاعتداء على سلامة جسم الغير، وحكم عليهما بالسجن ثلاثة أشهر لكل منهما.

وتقول النيابة العامة أنها تواصل متابعة السلامة الجسدية للمحكوم عليهم والموقوفين في القضايا المختلفة، وقد وجه النائب العام رؤساء النيابة العامة إلى ضرورة موالاة التفتيش الدوري لأماكن الاحتجاز والسجون كافة، والاستماع الى شكاوى الموقوفين والمحكومين.

في 2/7/2012، قال رئيس وحدة التحقيق الخاصة في النيابة أن عدد المتهمين بالتعذيب ممن وجهت لهم الإتهامات بلغ 15 شخصاً، وان بلاغات شكاوى التعذيب لاتزال مستمرة، كما التحقيقات بما فيها كشف الأطباء والإستجوابات. تجدر الإشارة الى أن احد المتهمين من افراد الشرطة قد حوكم أمام المحكمة الكبرى الجنائية لما نسب اليه من تهمة إحداث عاهة مستديمة بالمجني عليه وقد أصدرت المحكمة المذكورة حكمها في الدعوى بجلسة 25/6/2012م بمعاقبته بالسجن خمس سنوات.

كما سبق للنيابة العامة ان أحالت أيضا ثلاثة متهمين الى ذات المحكمة في قضيتين منفصلتين، وطلبت معاقبتهم بتهمة الاعتداء المفضي الى موت، وقد قررت المحكمة بذات الجلسة تغيير القيد ووصف الإتهام الى تهمة القتل العمد. وأكد رئيس وحدة التحقيق بأن النيابة تبذل قصارى جهدها لإنهاء كافة القضايا المعروضة عليها في اسرع وقت على ضوء المعايير الدولية المعنية بحقوق الإنسان والعدالة الجنائية.