أهدافها ووسائلها وقدراتها

من هي (العفو الدولية)؟

تعتبر منظمة العفو الدولية من أقدم منظمات حقوق الإنسان الدولية العالمية؛ وهي اليوم من أكثرها نشاطاً وفاعلية على مستوى العالم، ولها بصماتها الواضحة في تطوير أوضاع حقوق الإنسان، ومساعدة المنظمات الحقوقية المحلية، والتعاون مع الدول الراغبة في تطوير أوضاعها الحقوقية.

وإضافة الى مراقبتها لأوضاع حقوق الإنسان في بلدان العالم، فإن العفو الدولية حريصة أيضاً على الحوار مع الدول المعنية والتعاون معها، عبر الزيارات الميدانية وتقديم التوصيات التي من شأنها إصلاح أوضاع حقوق الإنسان.

وكانت العفو الدولية ـ وبدعوة من الحكومة ـ قد أرسلت وفداً الى البحرين، في مايو 2014، وفي يناير 2015، لتحقيق هذه الغاية: الإطلاع وتقييم الأوضاع، ومناقشة المسؤولين في بواعث القلق، وبذل المشورة، وإبداء الإستعداد للتعاون على الصعيدين الرسمي والمجتمع المدني.

وبرغم احترام البحرين للعفو الدولية، إلا أن المنظمة فاجأت الجهات المعنية بتقريرها الأخير والذي حمل عنوان: (ما وراء العبارات الجوفاء: انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين مستمرة بلا هوادة)، حيث كان التقرير حادّاً في لغته بشكل غير معهود، ورآه عدد من المعنيين بأنه غير محايد ويفتقد الدقّة ولا يعكس الجهود الرسمية الحقوقية كما ينبغي.

وقد أثار التقرير ردود فعل سلبية في الصحافة المحلية وفي الوسط الرسمي، ما دعانا الى كتابة هذه المقالة بغرض التعريف بمنظمة العفو الدولية، وبنشاطاتها، ومجالات اهتماماتها، وآليات عملها، من أجل أن يطّلع المعنيّون وأصحاب القرار على كل ذلك، تسهيلاً للعلاقة الإيجابية وإنمائها.

وبرغم الإنتقادات السلبية، فقد فتحت حكومة البحرين الأبواب للتعاون مع المنظمات الحقوقية الدولية، واتّسمت علاقتها بها بالشفافية والجديّة. ونرى أن من الأفضل أن تكون هناك علاقة وانفتاح على المنظمات الحقوقية الدولية، رغم وجود النقد في بياناتها وتقاريرها، من أن تكون هناك قطيعة لا تغيّر شيئاً من النقد واثارة السلبيات.

المهم في هذه المقالة، هو أن نفهم العفو الدولية وطريقة تفكيرها وأدوات عملها، بقدر ما هي بحاجة الى ان تفهم البحرين وأحوالها الاجتماعية والسياسية حين تسطّر تقاريرها.

في مايو عام 1961، كتب المحامي البريطاني بيتر بيننسون في صحيفة الأوبزيرفر البريطانية مقالة تحت عنوان: (السجناء المنسيّون)، دعا فيها الى اطلاق سراح طالبين برتغاليين هتفا للحريّة، فحُكم على كل منهما بالسجن لسبع سنوات، فكانت مقالته تلك بداية حملة احتجاج عالمية لحماية السجناء المنسيين، حيث تردد صدى المقالة في كل مكان، وطبعت في العديد من صحف العالم.

المقالة باختصار دعت الأفراد واصحاب الضمائر الى الاحتجاج بطريقة محايدة وسلمية ضد حبس النساء والرجال في شتى بلدان العالم، سواء كان اعتقالهم على خلفية معتقداتهم الدينية أو آرائهم السياسية، ووصفت مقالة بيننسون اولئك المعتقلين بأنهم (سجناء رأي).

كانت تلك لحظة غير عادية، فخلال شهر واحد، وصلت لبيننسون أكثر من ألف رسالة من شتى انحاء العالم، تبلغه بأن مسرليها على استعداد لتقديم المساعدة، وأرسلوا في المقابل تفاصيل بشأن حالات أخرى في شتى انحاء العالم للعديد من سجناء الرأي.

كانت تلك لحظة تاريخية، حيث تحول العمل الفردي قصير الأجل ومحدود الأهداف، الى حركة عالمية دائمة. وهكذا وُلدت منظمة العفو الدولية.

بعد عام واحد من مقالة بيننسون، أُمطرت السلطات العسكرية البرتغالية بوابل من الرسائل والإدانات من شتى بلدان العالم تحت شعار: (مناشدة من أجل العفو)؛ وأرسلت المنظمة الجديدة (العفو الدولية) وفوداً لأربعة بلدان للتحدث دفاعاً عن بعض سجناء الرأي، وتبنّت أكثر من مائتي حالة، وأسس الأعضاء فروعاً للمنظمة في سبع دول.

ومنذئذ والعفو الدولية في حالة توسّع على الأرض، وهي اليوم تتواجد في أكثر من مائة وأربعين بلداً وإقليما. وقد حصلت على جائزة نوبل للسلام في وقت مبكر (1977)، وفي عام 1978 مُنحت جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

تعريف بالمنظمة

منظمة العفو الدولية هي حركة عالمية، تعمل على نطاق العالم بأسره، وتضم أشخاصاً من مختلف الثقافات والخلفيات الدينية والعقائدية، ولكنهم يناضلون من أجل حقوق الإنسان، باذلين قسطاً من وقتهم بلا مقابل مادي، تضامناً مع ضحايا الإنتهاكات، في أي بلد كان، وفي ظل أي نظام سياسي، وسواء كان هذا النظام محط نظر العالم أو متجاهلاً من قبله. وتقوم رؤية المنظمة على أن من حق كل فرد أن يتمتع بكافة الحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وغيره من المعايير الدولية لحقوق الإنسان.

وتسلّط العفو الدولية الضوء على الضحايا كأفراد، وتذكرهم بالإسم، حتى وإن كانوا ضمن فواجع وانتهاكات جماعية كبيرة؛ ولا ترى المنظمة الضحايا الأفراد مجرد أرقام بلا روح أو هوية أو تاريخ، بل هم جديرون بالحصول على العدالة من خلال السعي لمنع وقوع الانتهاكات الخطيرة للحق في السلامة الجسدية والعقلية، وفي حرية الضمير والتعبير، والتحرر من التمييز، وذلك من خلال تغيير السياسات والقوانين التي على أساسها تجري الإنتهاكات، أو تغطيها.

تصنف العفو الدولية نفسها كمنظمة مستقلّة عن جميع الحكومات والعقائد السياسية، والمصالح الإقتصادية، والمعتقدات الدينية، وهي في نفس الوقت لا تؤيد ولا تعارض أي حكومة او نظام سياسي، كما أنها لا تؤيد بالضرورة آراء الضحايا الذين تسعى الى حماية حقوقهم. وحفظاً على استقلالها، لا تقبل العفو الدولية أموالاً من الحكومات أو الأحزاب السياسية، بل تعتمد في تمويلها على إسهامات أعضائها في شتى أنحاء العالم.

لا تتخذ العفو الدولية موقفاً من العنف، فهي لا تناصر ولا ترتبط بأيّ طرف في نزاع ما، سواء كان عنيفاً أم سلمياً. كما أنها لا تنصّب نفسها حكماً يفصل فيما اذا كان اللجوء الى العنف في حالة من الحالات له ما يبرره أم لا؛ وإنما هي تحصر نفسها متعمدة في العمل من أجل حماية حقوق الإنسان التي تدخل في نطاق صلاحياتها، أما المسائل التي تقع خارج هذا النطاق فلا تبدي المنظمة أية ملاحظات عليها، ولا تفعل شيئاً حيالها.

العفو الدولية هي جزء أساس من مجتمع حقوقي عالمي، يؤمن بعالمية حقوق الإنسان، وعدم قابليتها للتجزئة، وتشمل عشرات الآلاف من المؤسسات الحقوقية، وملايين المدافعين عن حقوق الإنسان، وهي تشاطرهم مبادئ التضامن الأممي عبر التحركات المشتركة، والتغطية الاعلامية العالمية.

من أهداف المنظمة الأساسية: إطلاق سراح جميع سجناء الرأي؛ وضمان اتاحة المحاكمة العادلة لجميع السجناء السياسيين؛ وإلغاء عقوبة الإعدام؛ ووقف التعذيب والمعاملة القاسية؛ ووضع حد لحوادث الإختفاء؛ ومكافحة ظاهرة الإفلات من العقاب؛ وتقديم المنتهكين للعدالة؛ ووضع حد للتمييز والإضطهاد؛ وحماية حرية التعبير والتنظيم والتجمع؛ وكذلك حماية المهاجرين واللاجئين؛ ووقف الانتهاكات أثناء النزاعات المسلحة والأزمات؛ وتمكين النساء والفتيات من المطالبة بحقوقهن وممارستها؛ ومساءلة المؤسسات والشركات الكبرى.

وسائل العمل

2/ تضم العفو الدولية ما يزيد على سبعة ملايين شخص (بين عضو ومناصر) من شتى انحاء العالم، ينسقون عملهم وجهدهم معها في شتى القضايا، وفي مختلف الأصقاع، ما يعني ان دعوتها تصل الى كل بلد في العالم، وتأثيرها ضخم للغاية، فأعضاؤها وأنصارها المتعاونون معها يمارسون تأثيرات كبيرة على الحكومات والهيئات السياسية والشركات والهيئات الحكومية والدولية. ويتم التأثير عليها بوسائل شتى من بينها: استخدام مختلف أنواع المراسلات والاتصالات، وقنوات وسائل الإعلام، وأيضاً عن طريق تعبئة الضغوط الجماهيرية من خلال المظاهرت الحاشدة، والاعتصامات، وكسب التأييد على نحو مباشر. ومن مهام الأعضاء تشجيع حكوماتهم لاتخاذ اجراءات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي تقع في بلدان أخرى.

3/ التواصل مع الحكومات، وارسال وفود لها، واجراء تحقيقات في انتهاكات حقوق الإنسان ونشرها، وكتابة تقارير عن الدول، وحث تلك الحكومات على المصادقة على المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان وتنفيذها.

4/ نشر ثقافة حقوق الانسان، عبر تعليم الناس الوعي بحقوقهم، وكيفية الدفاع عنها.

5/ حسب طبيعة كل بلد وكل حالة، فإن المنظمة تقوم بجملة من النشاطات لتحقيق هدفها، مثل: إرسال الخبراء ليتحدثوا إلى الضحايا؛ ومراقبة المحاكمات؛ ومقابلة المسؤولين الرسميين؛ والاتصال بناشطي حقوق الإنسان في البلد المعني؛ ورصد وسائل الإعلام العالمية والمحلية؛ وإيصال المعلومات إلى وسائل الإعلام عن قضايا بعينها؛ وإعلان بواعث القلق بإصدارها في نشرات وملصقات وإعلانات ورسائل إخبارية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي؛ والدعوة للمظاهرات الجماهيرية؛ وحملات كتابة الرسائل الى المسؤولين المعنيين؛ وايضاً عبر المناشدات الموجَّهة للشخصيات المؤثرة في الدول؛ والتعاون مع الاتحادات والهيئات الطلابية، وغيرها.

6/ تقييم الأثر الذي تحدثه المنظمة بنشاطاتها، وذلك لتحسين سبل العمل وتحقيق الأهداف، ويتم هذا عبر تطوير وتطبيق أنظمةً ومنهجيات مختلفة. واحدة من الوسائل التي تعتمدها المنظمة هو الخضوع للمساءلة أمام ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمدافعين عنها، الذين تعمل معهم ومن أجلهم، واستخلاص الوسائل الأفضل في الاستجابة للتحديات التي تواجه المنظمة في عملها.