جديرون بإصلاح الوضع الحقوقي،

والتعاون الفني مع المفوضية ضرورة

أجرت صحيفة الأيام البحرينية حواراً مع رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، حسن موسى الشفيعي، حول آخر تطورات الوضع الحقوقي البحريني، وبالذات ما يتعلق بالتعاون الفني مع المفوضية السامية لحقوق الإنسان. هذا نصّه:


لنبدأ، أخ حسن، من موضوع التعاون التقني بين البحرين والمفوضية السامية لحقوق الإنسان. ماذا يعني اتفاق التعاون التقني هذا؟ ما فائدته للبحرين، أو ما هي الإضافة التي يقدمها؟

التعاون التقني برنامج قديم لدى الأمم المتحدة، منذ عام 1955، توفره للدول الراغبة في الحصول على المساعدة في عملية إقامة البنى التحتية الوطنية، وتدعيم هياكلها التي لها تأثير مباشر على التقيد العام بحقوق الإنسان، والمحافظة على سيادة القانون.

لكن البرنامج هذا جديد نوعاً ما على المنطقة العربية، باعتبارها متخلفة سياسياً وحقوقياً عن الركب العالمي، وقد طلبت دول عربية عديدة في السنوات الأخيرة هذا الدعم من الأمم المتحدة من خلال المفوضية السامية لحقوق الإنسان، مثل المغرب، ومصر، وتونس، والسعودية واليمن والعراق وغيرها.

وقد ساهم برنامج التعاون التقني بشكل عام لخدمة الدول العربية وغيرها، في تضمين المعايير الدولية لحقوق الإنسان في القوانين والسياسات الوطنية؛ وفي بناء أو تدعيم المؤسسات الوطنية القادرة على النهوض بحقوق الإنسان والديمقراطية وحمايتهما؛ وأيضا ساهم في رسم خطط عمل وطنية للنهوض بحقوق الإنسان وحمايتها؛ وفي التثقيف وتقديم خدمات الخبراء الاستشارية، ودورات التدريب، وحلقات العمل والحلقات الدراسية، وتوفير المعلومات والوثائق، وتقييم الحاجات المحلية لكل دولة على حدة.

وعليه فإن البحرين ليست الوحيدة في هذا الشأن، وهي فعلاً بحاجة الى مثل هذه الخدمات والخبرات والبرامج؛ ومن شأن النجاح في هذا المضمار أن يقدم خدمة كبيرة لمشاريع الإصلاح السياسي والاستقرار المجتمعي. وينبغي التأكيد هنا على أن التعاون مع المفوضية في هذه المشاريع، لا يشكل بديلاً عن دور الدولة ومشاريعها التي تقوم بها حالياً او مستقبلاً، كما لا يلغي مسؤوليتها الأولى في مجال تطوير وحماية حقوق الإنسان.


هذا كلام عام. تحديداً ماذا ستفعل المفوضية هنا في البحرين، وأين تريد أن تصل؟

الخطوة النهائية التي تريد المفوضية الوصول اليها من خلال برنامج التعاون التقني مع الحكومة هي وضع خطة وطنية شاملة للنهوض بحقوق الإنسان في البحرين، يشارك في صناعتها المفوضية والأجهزة الحكومية البحرينية والمجتمع المدني البحريني. هذه الخطة التي يتم التوافق عليها تلامس كل المفاصل المهمة لموضوع حقوق الإنسان، واحتياجات البحرين الأساسية، إن كانت في بناء القدرات او التدريب او التثقيف او المساعدة في الوفاء بالالتزامات الدولية الحقوقية وغيرها. وقد قامت المفوضية بورش عمل تشاورية وتثقيفية حضرتها كافة الأطراف ذات العلاقة، حيث نوقش موضوع دور المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؛ وقضايا اخرى تتعلق بدور الإعلام، ودور منظمات المجتمع المدني في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.


ولكن لماذا لم تقم البحرين بنفسها بهذا الدور، وهل كل دولة بحاجة الى المساعدة الخارجية؟ لماذا لا تضع الدول لنفسها خطة عمل حقوقية وطنية شاملة تشترك فيها كل الأطياف؟

لا أظن ان هناك دولة لم تكن بحاجة الى المفوضية السامية لحقوق الإنسان في شأن من الشؤون الحقوقية. بعضها يحتاج أمراً صغيراً، والبعض الآخر يحتاج أكثر، نظراً لمدى توفّر القدرات المحلية الكفوءة ذات الخبرة، او حتى توفّر الإمكانات المادية. فهناك دول لا تستطيع توفير كلا الأمرين. وبالنسبة للبحرين فإنها بحاجة الى مساعدة المفوضية ليس مالياً وانما في الخبرة والاستشارة، وهذا ليس معيباً، كما انه امرٌ شائع على مستوى دول العالم أجمع، فضلاً عن الدول العربية والخليجية. وحسناً فعلت البحرين ان تقدمت بطلب المساعدة الفنية من المفوضية.

ايضاً هناك فائدة أخرى من هذا كلّه، وهي أن مساعدات المفوضية السامية لحقوق الإنسان، توفر مصداقية دولية واعترافاً وتقديراً من المجتمع الدولي للدولة ذات العلاقة، ويمنحها الثقة بأنها تسير في الطريق الصحيح، وان لديها الرغبة الصادقة والإرادة السياسية في النهوض بواقع حقوق الإنسان وفق المعايير الدولية.


لا يخفى عليك وأنت تتابع الصحافة المحلية، أن هناك أطرافاً عديدة تشكك وتنتقد دور المنظمات الحقوقية الدولية عامة، وأيضاً تنتقد هذا الدور الجديد للمفوضية السامية؛ ولعلك تعرف بشأن البيان الذي صدر مندداً ومقاطعاً للبرامج التي بدأت المفوضية القيام بها هنا في البحرين. هل مخاوف وتشكيك أمثال هؤلاء مبرّرة؟

دعني أفكّك مواقف الجهات المعنية مباشرة ببرامج المفوضية إلى ثلاث:

أولاً بالنسبة للحكومة البحرينية، فإنها وجدت أن برنامج التعاون التقني مع المفوضية يتضمن مشاركة مؤسسات حقوقية بحرينية غير مسجلة أو سُحب منها الترخيص، لذلك رفضت الحكومة أن تشارك هذه المؤسسات غير المسجلة قانونياً، ما أدّى ـ إضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بالمنهجية والأسلوب الذي اعتمدته البحرين مع المفوضية سابقاً ـ إلى تأجيل مشروع التعاون مدّة عامين. حجّة المفوضية أنها لا تستطيع أن تقصي أحداً، فكيف تتعامل مع تلك الجمعيات الحقوقية البحرينية في الخارج ولا تتعامل معها في الداخل؛ في حين أن حجة الحكومة تقول بأنه كيف يُسمح لجهات غير قانونية أو غير مسجلة بالعمل تحت مظلة مشروع التعاون مع المفوضية.

في نهاية الأمر، وجدت الحكومة أن من الصالح العام قبول مشاركة كافة أطراف المجتمع المدني، ولكي تقول بأنها تقبل هذا لتوضح للمجتمع الدولي بأنها حريصة على تطوير أوضاع حقوق الإنسان، وأنها ليست الطرف الذي يعيق هذا التطوير.

ثانياً، بالنسبة لتلك الأطراف المجتمعية التي رفضت المشاركة حين جدّ الجدّ، والتي سبق للمفوضية أن دافعت عن مشاركتها، فإنها وجّهت طعنة للمفوضية بعدم المشاركة، بل وطالبت بإقصاء غيرها عن المشاركة. ذلك أن حجة عدم مشاركتها ـ على الأقل في الفعالية الأولى المتعلقة بدور المؤسسة الوطنية البحرينية ـ كانت تفيد بأن هذه المؤسسة فاقدة للمصداقية. هذا النوع من التعامل فاجأ المفوضية فيما أظن، وكشف بقدر ما أن الأجندة السياسية تطغى لدى هذه الجماعات على الأجندة الحقوقية.

ثالثاً، بالنسبة لبعض أطراف الأخرى، فإنها شككت في البداية في جدوى التعاون التقني مع المفوضية، على قاعدة أن ذلك يمثل تدخلاً خارجياً في شأن محلّي. وهي حجّة ضعيفة، فالأمم المتحدة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، وإنما تعتمد التعاون والحوار معها في تنفيذ خطط التطوير التي تطلبها الحكومات نفسها.


أنتم قريبون من الجهود التي تبذلها أجهزة الدولة في العمل على تطوير أوضاع حقوق الإنسان في البحرين من خلال الاستشارات التي تقدمونها؛ ولديكم علاقات مباشرة مع المفوضية وشاركتم في تفاصيل النقاش حول موضوع التعاون التقني.. بنظركم، هل سينظر المجتمع الدولي بعين إيجابية إلى هذه الجهود الحكومية؟

كنتُ حاضراً في اجتماع وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة مع المفوضة السامية نافي بيلاي في جنيف في يناير الماضي، والذي تمّ خلاله مناقشة إطار ومضمون التعاون التقني بين الجانبين. وأصدقك القول بأن المفوضة السامية تقدمت بالشكر لمعالي الوزير للقائها وللدور الذي اضطلع به فيما يتعلق باتفاق التعاون الفني؛ وبتعزيز الثقة التي كانت شبه منعدمة، نظراً للمصداقية التي لمعاليه حسب قولها، ولولا ذلك لما خرج اتفاق التعاون التقني إلى حيّز الوجود، ولما وافقت عليه المفوضة نفسها، حسب قولها.

ومن الأمور المسلّم بها، أن الخطوة التي اتخذتها البحرين ستلقى قبولاً إيجابياً، خاصة وأن المنظمات الدولية الحقوقية وكذلك الدول، كانت تشجّع هذا المنحى وتطالب به. ثم أن هناك دولاً عديدة رحّبت بهذا التعاون بشكل علني مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وعدداً من الدول العربية، لأن اتفاق التعاون هذا يؤكد مرّة أخرى على جديّة الحكومة في البحرين في معالجة جذور بواعث القلق الدولية.

هذا لا يعني أن النقد سيتوقف. من المرجح أن ينخفض؛ وسيتقلص أكثر كلما تمّت حلحلة القضايا العالقة. وفي المقابل يجب ان لا نخشى النقد إن كان صحيحاً ومبنيّاً على معطيات صحيحة، فنحن جديرون بأن نعترف بالأخطاء ونصححها، وبلدنا ليست بلد ملائكة، ولا توجد هكذا دولة في العالم خالية من النقد والمشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان. المهم أن تكون لدينا الإرادة في الإصلاح والتصحيح والتطوير، وأن نكون على ثقة بأنفسنا وبقدراتنا على حل المشاكل التي تواجهنا وفق القانون والاتفاقيات التي التزمنا بها.

أما في حال كان النقد غير صحيح، فالواجب معالجته بالرد عليه، بالأدلة والمعلومات، وبالانفتاح على الآخر من خلال التعامل الإيجابي المهني والموضوعي.

يجب أن لا يشغلنا ماذا يقول العالم عنّا، بقدر ما يشغلنا الإجابة على سؤال دائم: كيف نستمر في تطوير وإصلاح أوضاعنا على الصعد كافة.


يبدو أن هناك في العالم من لا يقتنع بأن هناك جهوداً كبيرة وإنجازات رسمية، خاصة فيما يتعلق بتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، والتي تمّ توثيقها مؤخراً في تقرير صدر في فبراير الماضي.. لماذا؟

بالرغم مما تحقق وهو معروف لدى الجميع، بمعنى أن أحداً لا ينكره، اللهم إلا بعض المسيّسين لدينا، فإن المجتمع الدولي الحقوقي ينتظر معلومات موثّقة تتعلق بموضوعات مثل مخرجات الحوار السياسي، والمساءلة، والتعويضات، ودور مؤسسات حماية حقوق الإنسان التي أنشأتها الحكومة وما أنجزته في تقارير شفافة؛ وتطوير بعض التشريعات المتعلقة بالمؤسسة الوطنية والإعلام والمجتمع المدني بحيث تكون وفق المعايير الدولية؛ ومدى انفتاح الحكومة على المنظمات الحقوقية الدولية وتوثيق العلاقة معها والسماح لها بزيارة البحرين.

إن أي تطوّر في هذه الجوانب، لا يمكن لأحد أن ينكره، وأما النشاط الحقوقي المسيّس، فهدفه السياسة والمكاسب السياسية وليس الحقوقية، وهو نشاط يفقد مصداقيته مع الزمن. وللأسف فإن هناك بعض الجهات تميل الى تصديق مزاعم أن كل شيء في البحرين سلبيّ وسيّئ، معتمدين في هذا على قضايا في الملف الحقوقي لازالت تنتظر الحلّ، أو لم تحل بصورة كاملة.