رئيس المرصد في حوار مع (الأيام)

إنتكاسة حقوقية والحوار هو الحلّ

أجرى رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، حسن موسى الشفيعي، حواراً مع صحيفة الأيام البحرينية (4/3/2011) تناول فيه عدداً من الموضوعات السياسية والحقوقية التي لاتزال تشهدها مملكة البحرين. وقد أكد الشفيعي على أن البحرين شهدت انتكاسة على الصعيد الحقوقي، وشدد على ضرورة الحوار وإجراء تغييرات سياسية وحقوقية، ودعا الى المحافظة على ما تم إنجازه خلال السنوات العشر الماضية. فيما يلي نص الحوار.


جرت خلال الأيام الماضية حوادث مؤسفة مرت بالبلاد، كيف ترونها من منظوركم كناشط حقوقي ورئيس المرصد البحريني لحقوق الإنسان؟


كل ما جرى كان صدمة لي ولغيري فيما أظن. كان مدهشاً ومؤسفاً سقوط عدد غير قليل من الضحايا القتلى والجرحى. الأحداث كانت متسارعة؛ والزمن لم يترك لأحد مجالاً للتفكير والتخطيط. كان مفاجئاً انشقاق المجتمع الى شارعين طائفيين بهذه الحدّة المتصاعدة. كان مفاجئاً الأداء الضعيف للحكومة في مجالات مختلفة. وكان مفاجئاً أيضاً تطوّر المطالب وتصاعدها الى أقصاها مما كشف عن إعادة انتاج ما جرى في دول أخرى من العالم العربي. المفاجآت كثيرة، ولكن السؤال: هل تمّ استيعابها؟ أجيب: ليس بعد.


ولكن كنا بخير، فما الذي جرى ولماذا حدث مثل هذا الإنقلاب في الأوضاع؟


العامل الأساس هو ذاتي: هناك قصور في المشروع الإصلاحي، حيث فقد زخمه منذ مدّة، وقد أوضح ولي العهد بأن المشروع الإصلاحي كان بطيئاً ولم يصل الى جميع فئات المجتمع. السلطة التنفيذية لم تكن بمستوى القرارات الكبرى التي اتخذت، كما لم يكن أداء الوزارات جيداً خاصة في الجوانب الخدمية والمعيشية. ثم إن المشروع الإصلاحي لم يجدد نفسه وفق المستجدات وطموحات المواطنين. حدثت طفرة في البداية، ثم مضت الأمور رتيبة بطيئة. أيضاً، كان هناك من يقف بوجه الإصلاحات، أو لم يكن متحمساً لها، أو مدركاً لأهميتها، ما أدى الى انعكاس ذلك سلبياً على أداء مؤسسات الدولة واجهزتها.

هذه الأمور وجدت مناخاً إقليمياً عامّاً منذ التحولات في تونس ومصر، عكس نفسه في شكل تظاهرات واحتجاجات. وكان يمكن استيعاب الأمر لولا التخبّط ـ بسبب عدم الإستعداد ربما ـ في أداء الجهاز الحكومي، ما فرّخ لنا مشاكل واحدة تتلو الأخرى، وما شوّه صورة البحرين التي ابتنتها خلال عشر سنوات، وأعاد النقاش في موضوع الإصلاحات من الصفر.

وبنسبة ما يمكن القول أيضاً بأن البحرين كانت ضحية وضع إقليمي جامد غير مشجّع على الإصلاحات السياسية واحترام حقوق الإنسان. وقعت البحرين تحت ضغوط من الدول المجاورة، حتى لا تذهب في الإصلاحات الى مديات تحرج تلك الدول المحافظة في تفكيرها وسلوكها.


ألم تتفاجأ المعارضة أيضاً بهذه الأحداث منذ الرابع عشر من فبراير؟


بحق أقول وهذا معروف لكثيرين: إن ما جرى كان مفاجئاً للمعارضة بقدر ما كان مفاجئاً للحكومة أيضاً. الأخيرة تتساءل: هل هذا شعبنا؟ والمعارضة تقول: هل هذه هي حكومتنا؟ كأن كل جهة تريد إعادة استكشاف الآخر، أو كأن عامل عدم الثقة قد مضى بعيداً في تشكيل صورة خاطئة وضبابية لا تساعد على رسم صورة تقارب الحقيقة للأوضاع.

المعارضة لها تحدياتها هي الأخرى.. إنها تحاذر أن تخسر الجمهور، ويمكن القول أنها استسلمت له، وضعفت قدرتها على ضبط حركته ومطالبه. الشارع في مثل هذه الظروف تغوّل، وهو يخيف المعارضة والحكومة معاً. أخطاء الحكومة جعلت الشارع حادّاً غير منضبط، وبالتالي ضعف خطاب الإعتدال ودعاة الحلول الوسطى. هذه النتيجة كانت متوقعة حين شعر التيار المعتدل أنه مهمّش ضمن جهاز السلطة وأنه من الصعب أن يحقق أياً من مطالبه لجمهوره العريض رغم انها مطالب مشروعة مثل: محاربة الفساد؛ والتوزيع العادل للثروة؛ وتحسين وضع الخدمات؛ وحل مشكلة السكن والبطالة؛ وأمثال ذلك.


وبعد كل ما حدث، كيف يمكننا الخروج من هذا المأزق الذي دخلنا فيه؟


لم تنضج حتى الآن دعوة الحوار بين الحكومة والمعارضة. وهي لا بد أن تنضج، حتى مع التصعيد الذي يحدث. لا خيار أمام الجميع سوى الحوار والإتفاق على مبادئ تولد من رحمها بحرين جديدة. يمكن توصيف ما نشهده بإرهاصات الحوار، فكل طرف يحاول أن يحقق القدر الأكبر من مطالبه ويتأكد من بعض ذلك قبل الجلوس على طاولة الحوار. إن تأخير الحوار سينعكس على الشارع تصعيداً، وسيؤدي الى انشطاره طائفياً أكثر فأكثر، وبالتالي قد نقاد الى الزوايا الحادّة التي لا يربح منها أي من المعارضة او الحكومة. وأعتقد أن الطرفين لديهما وعي بهذه الحقيقة، ما يستدعي تقديم تنازلات من أجل المصلحة العامة، وإخراج البلاد من الأزمة التي تعصف بها. قد يكون من المناسب في مثل هذه الظروف أن يتفق الطرفان على حلول للقضايا الخلافية تنفذ خلال جدول زمني محدّد تراعي المصالح العليا للوطن والمواطنين.

ما أود تأكيده هنا هو أن أي حل لا يمكن فرضه على الطرف الآخر. ربما يستعرض كل طرف قوّته بصورة أو بأخرى، ولكن ليس من أجل الصدام ـ هذا ما نؤمله ـ وإنما لرسم حدود فاصلة بين الممكن وغير الممكن، وبالتالي تنفتح أبواب التسوية السياسية. كما في النظام سمعنا بأن الوضع لا يمكن أن يتحمّل، كذلك في المعارضة، هناك شعور متزايد عند بعض قياداتها بأن الوضع غير المستقرّ ليس في مصلحة أحد، وبالتالي نحن نأمل أن نكون قد اقتربنا من الحلول الوسطى. هناك حاجة الى المزيد من الوسطاء بين الحكومة والمعارضة، وسطاء يعون المرحلة، ويتفهمون هواجس وطموحات الأطراف المختلفة، ولديهم الكفاءة في تقريب وجهات النظر وخلق أرضية مشتركة.


البعض يتحدث أن هناك حاجزاً من عدم الثقة بين الأطراف، ماذا تقولون في هذا الموضوع؟


إن جزءً مهماً من عدم الثقة يعود في الأساس الى عدم الفهم للآخر، لغة وتفكيراً وثقافة وتراثاً. كلٌّ يغرّد بطريقته. المعارضة الشيعية بالذات لا تفهم لغة السلطة. هي لم تجربها، ولا تتقن لغة الإتيكيت والدبلوماسية، هي على سليقتها تتحدث وقد تجرح دون قصد، ولكنها تكشف عن صدق النوايا الداخلية. هي لا تفهم النظام السياسي، ولا تركيبته وثقافة رجاله ولا طريقة تفكيرهم وحساباتهم. العكس أيضاً صحيح: قد يرى البعض المعارضة الشيعية المعتدلة بأنها تبيّت هجوماً على السلطة، وتريد أن تفرض مذهبها، وأن قضيتها الطائفية تعلو قضيتها الوطنية، وربما بالغ البعض في تبسيط رؤيته تجاه المواطن الشيعي العادي وطموحاته وثقافته. نحن بحاجة الى اعادة اكتشاف بعضنا البعض. لا يجب أن نكون جزراً منعزلة. ولن يتم ذلك إلا من خلال الإندماج في ثقافة وطنية وممارسة سياسية متطورة ومرشدة، ومن خلال تشابك مصالح يجبر كل طرف على أن يفهم الآخر بعيداً عن التصويرات النمطية.


هل يمرّ الوضع الحقوقي في البحرين بانتكاسة؟


نعم. سقوط الضحايا ليس له معنى غير هذا. التجاوزات كبيرة وبصورة غير متوقعة. ما يؤسف له فإن سمعة البحرين الحقوقية التي بنتها طيلة عقد كامل تراجعت بشكل مريع. بنظري لم يكن الأمر مخططاً، بل كان تخبّطاً في أداء الأجهزة الأمنية التي لم تكن مستعدة فيما يبدو لمواجهة زخم المظاهرات وعنفوان الإضطرابات. الجميع ـ بمن فيهم الملك ـ عبّر عن أسفه لوقوع الضحايا.

هنا لا بد من الإشادة بلجنة التحقيق التي أمر الملك بتشكيلها للنظر في جميع الخسائر البشرية التي وقعت، وأسباب ذلك، من أجل إعطاء كل ذي حق حقه. أتمنى أن لا يطول التحقيق، وأن تكون اللجنة شفّافة وصريحة مع المجتمع، واعية لأهمية الموضوع وخطورته كما فائدته في استعادة اللحمة الوطنية، والثقة بين السلطة والمجتمع.

ورغم هذا، فإنني كناشط حقوقي، أحاول أن أفصل الموضوع الحقوقي عن السياسي رغم صعوبة ذلك. هناك بوابات لحل المشكلة السياسية، أما الموضوع الحقوقي فيفترض عدم المساس به، وآمل أن يكون ما جرى آخر ما نخسره. ولا بدّ عاجلاً أو آجلاً، أن يعاد تقييم الوضع الحقوقي من جديد، وأن يتم تفعيل وتنشيط المؤسسات الحقوقية لتلعب دورها، بموازاة التحوّل السياسي المتوقع كنتيجة للحوار. ما كسبناه خلال عقد من الزمن في مجال تعزيز حقوق الإنسان يجب أن لا نخسره، مثل حرية التعبير والصحافة، وتشكيل الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والإنتخابات البلدية والنيابية، ووجود ضمان اجتماعي، والرقابة المالية والإدارية، وغير ذلك.

رغم الإنتكاسة.. أتوقّع ـ بعد أن تجري الترتيبات السياسية ـ أن تشهد الإصلاحات السياسية وأوضاع حقوق الإنسان طفرة، تكون مؤسسة على وضع لا يسمح بحدوث انتهاكات كما جرى مؤخراً.