حجاج نايل:

الحركة العربية لحقوق الإنسان حققت الكثير من طموحاتها

حجاج نايل

(البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان) منظمة حقوقية إقليمية تعنى بالدفاع عن نشطاء حقوق الإنسان في العالم العربي، وهي في أهدافها تشبه منظمة (فرونت لاين) التي تعمل على المستوى الدولي من مركزها في ايرلندا. لقد تأسس في القاهرة: البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان في أبريل 1997، كتطور عملي وإيجابي لعملية الحوار الجماعي المتواصل حول مشكلات واحتياجات وطموحات الناشطين والعاملين في حقل حقوق الإنسان. وعلى مدى سنوات طويلة قدم البرنامج خدماته للناشطين الحقوقيين في مختلف البلدان العربية. (المرصد البحريني) التقت الأستاذ حجاج نايل، رئيس البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان ووجهت له أسئلتها فكانت على النحو التالي:


الى أي مدى إستطعتم تحقيق الطموحات التي من أجلها أُسس البرنامج العربى لنشطاء حقوق الإنسان؟


عندما تأسس البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان كشركة مدنية غير هادفة للربح (منظمة غير حكومية معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان) في مطلع عام 1997، كانت الأوضاع السياسية والحقوقية في العالم العربي غير ما هي عليه الآن، حيث كان عدد النشطاء في المنطقة العربية لا يتجاوز (600) ناشط حقوقي، وكان الدفاع عن حقوق الإنسان محاصراً بعديد من المشكلات السياسية والقانونية. فعلى سبيل المثال، لم يكن قانون الجمعيات الأهلية المصري رقم 32 لسنة 1964 يسمح للجمعيات الأهلية بالعمل في هذا المجال، ولهذا السبب لجأ المناضلون والمدافعون في مصر إلى شكل الشركات المدنية غير الهادفة للربح المنشأة استناداً للقانون المدني، وذلك هرباً من تحكمات هذا القانون الذي أطلق عليه قانون الـ37، والذي من خلاله فرضت الدولة تحكمها ووصايتها الصارمة على مقدرات العمل الأهلي في مصر.

كما أن المنظمات غير الحكومية في ذلك الوقت لم تكن قد نجحت بعد في نشر ثقافة حقوق الإنسان في المنطقة، مما كان يثير كثيرا من الجدل حول الخلفيات السياسية لنشطاء حقوق الإنسان، أو اتباعها للغرب وتنفيذ أجندته، فضلا عن الاعتقالات الكثيرة التي طالت النشطاء في تلك الفترة سواء كان في مصر أو غيرها كتونس والمغرب وسوريا وغيرها من البلدان.

لقد استهل البرنامج بداياته العملية والنشطاء لا يستطيعون التنفس في المنطقة العربية، ووجدت يومها بلدان كاملة لم يكن بها أية منظمات أو جمعيات حقوقية مثل: السعودية وليبيا؛ وهناك بلدان كانت الحركة الحقوقية تعمل من خارجها (من المنفى) مثل السودان، والتي نشط منها المنظمة السودانية لحقوق الإنسان بالقاهرة، والبحرين التي عملت المنظمة البحرينية لحقوق الإنسان في التسعينيات الميلادية الماضية من أوروبا، واللجنة البحرينية لحقوق الإنسان التي اتخذت من دمشق مقراً لها، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان والتي لم تقبل أية دولة عربية بتأسيسها على أراضيها فسجلت نفسها في قبرص.

من هنا كانت الحاجة لإنشاء وتأسيس البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان للدفاع عن النشطاء أينما كانوا ومناقشة مشكلاتهم واحتياجاتهم والتعبير عن متطلباتهم وطموحاتهم.

وإذا نظرنا اليوم إلى حال النشطاء في العالم العربي ـ وعلى الرغم من وجود التعقيدات والمشكلات والانتهاكات التي يعانون منها ـ فإننا نستطيع أن نقرر بضمير مستريح أن:

ـ الحركة العربية لحقوق الإنسان قد حققت الكثير والكثير مما كانت تطمح إليه، على المستويين الكمي والكيفي. فعلى المستوى الكمي، تعددت المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان في العالم العربي وانتشرت انتشارا كبيرا، وازداد عدد النشطاء والمعنيين والمهتمين بالدفاع عن حقوق الإنسان. وعلى المستوى الكيفي، نجحت الحركة العربية في تحقيق كثير من المنجزات، فمقررات حقوق الإنسان أصبحت تدرس في الجامعات والمدارس، وأصبح الخطاب الرسمي للدول العربية يتضمن مصطلحات مثل حقوق الانسان والمجتمع المدني؛ وسمحت القوانين العربية بانشاء منظمات حقوقية، ولم تعد أجهزة الأمن تتدخل بالشكل اليومي في أنشطتها إلاّ من وراء ستار.

وفي المجمل العام، نجح البرنامج العربي في تحقيق جزء كبير من طموحاته وأهدافه في سياق الحركة العربية لحقوق الإنسان وبالتعاون والشراكة معها.


تقولون أن من ضمن الأهداف التى يطمح البرنامج الى تحقيقها: إبتداع آليات حماية جديدة لنشطاء حقوق الإنسان في العالم العربي، وتدعيم الإتصال الدائم بين نشطاء حقوق الإنسان، وكذلك خلق منبر مستقل لهم للتعبير عن احتياجاتهم ومشكلاتهم. الى أي حد وُفِقتم في هذا المنحى؟


لا شك أن أهداف البرنامج العربي وضعت في ظرف تاريخي وسياسي معين، ومن ثم فقد أثرت تلك الظروف والأوضاع التاريخية والسياسية والحقوقية في رؤيتنا وأهدافنا أثناء تأسيس البرنامج، وقد نجحنا في ظل ذلك في تحقيق الكثير مما كنا نطمح إليه؛ فقد ناقشنا قضايا المرأة الناشطة بالمغرب عام 1999 على المستوى العربي، وخرجنا بالنشطاء ومنظماتهم من المنطقة العربية إلى النشطاء الذين يعملون بالمنفى في باريس عام 2001، وأصدرنا التقارير والتوصيات، ونظمنا الحملات الإعلامية والقانونية، مما قد يجعلنا نزعم أننا كنا وراء عودة منفيين لممارسة أنشطتهم في بلدانهم.

كما أننا وعبر مجلة النشطاء والتي صدر منها 32 عدداً حتى الآن، وفرنا لجميع النشطاء على تنوعهم، منبراً مستقلا لمناقشة جميع القضايا وطرح المشكلات التي تواجههم والتعبير عن أرائهم بحرية، حتى صار لكل منهم تقريبا منبر مستقل خاص به لمناقشة تلك الأوضاع والمشكلات، الى جانب المنبر الأم المتمثل في البرنامج العربي والذي يفتح أبوابه للجميع.

ويمثل الاتصال والتواصل الدائم بالنشطاء آلية مستمرة وهدفا لا يحيد البرنامج عنه منذ تأسيسه حتى الآن، وذلك من خلال استغلال واستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة بجانب شبكة ضخمة من المنسقين والمراسلين والتي تغطي المنطقة العربية بكاملها.


تحتاج العديد من التشريعات الوطنية للدول العربية الى مواءمتها مع المواثيق والإتفاقيات الدولية، خاصة تلك التشريعات التى تعيق نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان، ما هو دور البرنامج فى حث الحكومات العربية لتحقيق ذلك؟.


لاشك أن التشريعات العربية تحتاج في مجملها إلى تعديل وتغيير لتتواءم مع الشرعة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وخاصة قوانين: الجمعيات الأهلية والصحافة والإعلام، والمطبوعات، وأمن الدولة، والأحكام العرفية، وقوانين العقوبات والأحزاب السياسية.

ونظرا لأهمية هذا الباب، فقد اهتم البرنامج العربي به اهتماما كبيرا منذ بداياته، حيث خصص سلسلة تقارير البلدان لمناقشة هذا الموضوع، وصدر من هذه السلسلة سبعة تقارير تناولت التشريعات في كل من: مصر وتونس والسودان والبحرين واليمن، اضافة الى بحث: الحواجز الحديدية ـ الجزء الأول، والذي ناقش باستفاضة القوانين والتشريعات العربية التي تقيد الحقوق المدنية والسياسية في العالم العربي، والحواجز الحديدية ـ الجزء الثاني (تحت الطبع) والذي يتناول القوانين والتشريعات التي تحد أو تنتقص من حزمة الحقوق الإقتصادية والاجتماعية والثقافية في العالم العربي.

فضلا عن أن البيان العاجل والذي يستخدمه البرنامج كآلية فاعلة وسريعة دائما ما يسلط الضوء على أحد البنود القانونية التي تحتاج إلى تغيير أو تعديل في الدول العربية.

كما خصص البرنامج العربي مشروعا كاملا لمدة سنتين عنوانه: (معاً لإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية) في مصر، والذي كان من نتائجه إلغاء بعض الأوامر العسكرية، والغاء قانون محاكم أمن الدولة الدائمة المنشأة وفقا للقانون 105 لسنة 1980.


معظم التقارير التى تصدر من منظمات حقوق الإنسان الدولية تنتقد أوضاع حقوق الإنسان فى المنطقة العربية، هل هناك خطة عمل من قبل البرنامج بالتعاون مع منظمات حقوق الإنسان العربية من جهة والحكومات العربية من جهة أخرى للإرتقاء بوضعية حقوق الإنسان؟.


نحن لسنا مع فكرة أن التقارير تنتقد وضعية حقوق الإنسان، ولكن التقارير تصف واقع حقوق الإنسان، ومن ثم تبدو أنها تنتقد الحكومات. وتكمن المشكلة الحقيقية في السلطات الواسعة الممنوحة لرجال الأمن والأجهزة الأمنية في العالم العربي، ومن ثم فجميع منظمات حقوق الإنسان في العالم العربي تعمل بهدف واحد هو الارتقاء بوضعية حقوق الإنسان، ولذلك نجد أن معظم التقارير الحقوقية دائما ما تختتم بالتوصيات والنتائج والتي تكون موجهة للحكومات بشأن الارتقاء بوضعية حقوق الإنسان في هذا القطر أو ذاك.

والبرنامج العربي يتعاون مع المنظمات، وأحيانا بعض الوزارات في عدد من المشروعات الحقوقية. فمثلاً نظمنا مشروعاً للتدريب على معايير المحاكمات العادلة في مصر والبحرين والمغرب، وفي هذا المشروع قامت وزارة العدل البحرينية بافتتاحه والقاء كلمة الافتتاح فيه، إذ لا مانع لدينا من التعاون مع الحكومات العربية ما دام هذا التعاون في سبيل اقرار حقوق الإنسان وتحسين وضعيتها. ولدى البرنامج العربي مشروع طموح منذ العام 2005 بشأن: «نحو أدوار أكثر فاعلية للنشطاء في القضايا المجتمعية”، ومن خلال هذا المشروع يعمل البرنامج العربي على قضية التعليم في مصر لتحسين جودة المنتج التعليمي، ورفع دور منظمات المجتمع المدني في الشراكة في إدارة العملية التعليمية (2009-2011)، كما عمل البرنامج العربي على مكافحة الفساد في مصر وتأكيد دور المنظمات الحقوقية في هذا الشأن (2008-2010)، ويعمل البرنامج العربي كذلك على مشروع دعم اللامركزية في المجالس المحلية الشعبية “البلديات”.

الخطة الاستراتيجية موجودة، ولكن العمل فيها يتم على خطوات ومراحل لامكانية تقييمها من ناحية، وتعديل مساراتها من ناحية أخرى.


تواجه منظمات حقوق الإنسان العربية العديد من الصعاب والمعوقات التي تعيقها عن أداء رسالتها، هل يمكنكم سرد ما واجهكم من صعاب ومعوقات وكان لها تأثير على أدائكم؟.


الحقيقة ربما كان هذا السؤال من الصعوبة بمكان الإجابة عنه، بيد أننا لم نتعرض لكثير من المشاكل والمعوقات التي تبعدنا عن تحقيق أهدافنا، ولكن هذا لا يعني أن الحياة وردية ولا وجود للممشكلات التي تعترض سير العمل والنشاط، ويمكننا تلخيص العقبات فيما يلي:

- مشكلات تمويلية: لأن التمويل المحلي لأنشطة حقوق الإنسان يكاد يكون معدوماً في المنطقة العربية، فالغالبية العظمى من منظمات حقوق الإنسان العربية تستند إلى الدعم الأجنبي لتمويل المشروعات الحقوقية والتنموية، ولذلك نجد أنه يأتي الوقت أحيانا والذي تقل فيه المشروعات الممولة مما قد يؤثر على المسيرة والرسالة وتحقيق الأهداف.

إلا أننا في البرنامج العربي ـ حتى وان توفرت مثل هذه الظروف - فإننا نحافظ على استمراريتنا من خلال آليات: النشطاء والتي نصدرها، سواء وجد تمويل لها أو لم يوجد، وآلية البيان العاجل، وآلية التقارير القطرية المعنية بحالة حقوق الإنسان.

- مشكلات قانونية تتعلق بالتمويل: كثيراً ما يتأخر الرد الحكومي على طلب قبول التمويل من إحدى الجهات، فوفقاً للقانون المصري والذي سجل البرنامج قانوناً بمقتضاه، تنص المادة السابعة عشر على أنه: (للجمعية الحق في تلقي التبرعات، ويجوز لها جمع التبرعات من الأشخاص الطبيعيين ومن الأشخاص الاعتبارية بموافقة الجهة الإدارية على النحو الذي تحدده اللائحة التنفيذية لهذا القانون. وفي جميع الأحوال لا يجوز لأية جمعية أن تحصل على أموال من الخارج سواء من شخص مصري أو شخص أجنبي أو جهة أجنبية أو من يمثلها في الداخل، ولا أن ترسل شيئاً مما ذكر إلى أشخاص أو منظمات في الخارج إلا بإذن من وزير الشئون الاجتماعية. وذلك كله فيما عدا الكتب والنشرات والمجلات العلمية والفنية).

ومن ثم فقد نتقدم بالطلب إلى وزير الشئون الاجتماعية ويتأخر الرد بالرفض أو القبول أكثر من ستة أشهر، بما يهدد بتوقف الأنشطة. وقد عانى البرنامج العربي من هذا التأخير في عدد من المشروعات التي نفذها في العامين الأخيرين.

- مشكلات تتعلق بالأنشطة: أحياناً ما تكون للحكومات بعض الحسابات السياسية المتعلقة بأحد الأنشطة الحقوقية فتقوم بمنعها عن طريق إجبار الفنادق أو الأندية التي ينظم العمل في قاعاتها على إلغاء الحجز، وهو الأمر الذي حدث مع البرنامج العربي في مشروع: “معا من أجل إنقاذ دارفور”، عندما ألغت الحكومة المصرية فاعلية التضامن مع دارفور في الربع الأول من العام الجاري بسبب الانتخابات في السودان، وحجتها في ذلك كانت: عدم توتير العلاقة مع الحكومة السودانية.


لقد ظهرت عشرات من المنظمات الحقوقية في كل البلدان العربية. لم يعد البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان وحيداً في الساحة الإقليمية. ترى ما هو الدور الذي تلعبونه وترونه يميّزكم عن المنظمات الإقليمية والعربية والدولية الأخرى؟


إنه لمن الجيد أن تظهر العشرات من المنظات الحقوقية في العالم العربي، ونتمنى أن تظهر المئات منها في كل قطر عربي؛ لأن ذلك من شأنه تحسين وضعية حقوق الإنسان في العالم العربي، وتوسعة قاعدة البرنامج العربي لنشطاء حقوق الإنسان والذي يهدف إلى التواصل مع المدافعين والدفاع عنهم.

ولكن المتابع لحالة حقوق الإنسان في العالم العربي والمنظمات الجديدة التي أنشئت في السنوات العشر الأخيرة يجد أنه ليس من بينها منظمات تعنى بالدفاع عن نشطاء حقوق الإنسان؛ فجميعها تعمل في مجالات حقوق الإنسان بشكل عام أو تتخصص في الدفاع عن فئة معينة أو حق معين أو طائفة من الحقوق سواء المدنية والسياسية من جهة أو الاقتصادية والاجتماعية من جهة أخرى. أما أن تتخصص إحداها في الدفاع عن المدافعين، فهذا لم يحدث، ومن ثم فما زال البرنامج العربي على المستوى الإقليمي هو المؤسسة العربية الوحيدة التي تعمل بشكل متخصص على الدفاع عن نشطاء حقوق الإنسان في العالم العربي.