رئيس المرصد لـ (الأيّام):

لا نبحث عن رضا الحكومة، وكثير مما نقوله قد لا يكون مرضياً عنه

بمناسبة مرور عام على تأسيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، أجرت صحيفة الأيام البحرينية في 3/2/2010 لقاءً مع رئيس المرصد الاستاذ حسن موسى الشفيعي، تناولت قضايا تتعلق بنشاط المرصد والقضايا المستقبلية المتعلقة بحقوق الإنسان، هذا هو نص اللقاء.


ورد في التقرير الاستراتيجي البحريني الثاني (2009)، أن مرصد البحرين لحقوق الإنسان (أكثر تفهّماً لموقف الدولة). وفي موقع آخر قال عن نشرة المرصد بأنها (أكثر تفهّماً لظروف المجتمع).. كلا الأمرين يمكن أن يترجمهما البعض بأن المرصد منحاز للحكومة من جهة التحليل والموقف. هل هذا القول دقيق؟


كلا.. فنحن ابتداءً لسنا حركة معارضة حتى تكون الدولة بأجهزتها العامّة مستهدفة من قبلنا بالتشهير، أو حتى يكون كل همّنا اصطياد التجاوزات والأخطاء الحكومية. نحن منظمة حقوقية، ننظر للوضع العام البحريني بصورة شمولية، ومفردة حقوق الإنسان متداخلة مع قضايا كبيرة وشائكة، نرى في جوانب ما أداءً حكومياً صحيحاً، وفي جوانب أخرى تكاسلاً وإهمالاً وقصوراً أكثر منه تقصيراً. لا يخلو عدد من أعداد النشرة من نقد للحكومة، ولكن النقد ليس مقصوداً بذاته، بقدر ما هو إلفات نظر من أجل التصحيح. التصحيح هو الذي يهمّنا. نحن نركز على الغاية، وهي تطوير الوضع الحقوقي البحريني، ونترك لأنفسنا فرصة اختيار الأسلوب الأمثل في التعبير عن آرائنا ومواقفنا. لا تكمن مشكلة حقوق الإنسان في البحرين في إخفاء التجاوزات بشكل متعمّد، ولا عدم اطلاع الرأي العام المحلي والدولي على تلك التجاوزات.. فلدينا صحافة تتمتع بقدر كبير من الحريّة، ولدينا منظمات مجتمع مدني نشطة، بحيث لم يعد هناك شيء خافياً. إنما المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية المعالجة. في تشخيص وتحديد مواقع الخلل، ووضع الحلول. قد تكون المشكلة أحياناً في نقص التشريعات؛ أو في غياب الآليات؛ أو في نقص الخبرة والتدريب؛ وليس فقط في وجود شخص مسؤول هنا أخطأ وتجاوز.

بمعنى آخر، ليست المشكلة في غياب الإرادة السياسية، التي تدفع وتصرّح علناً بضرورة تطوير أوضاع حقوق الإنسان، وإنما تكمن المشكلة في ترجمة تلك التصريحات وتطبيقها على أرض الواقع من قبل المعنيين في أجهزة الدولة التنفيذية والتشريعية بالذات.


لكن هل هذا يعني أنكم تقتربون من الموقف الرسمي؟


نحن كجهة حقوقية يهمّنا أولاً منظمات المجتمع، المدني خاصة الحقوقية منها. هذه المنظمات ـ التي نحن منها ـ هي المعنيّة أساساً بخطابنا، وليس يهمنا رضا الحكومة من عدمه. كثير مما نقوله قد لا يكون مقبولاً عند هذا المسؤول أو ذاك.. وكثيرة هي التحليلات التي لم تبعث ارتياحاً لدى هذه الجهة أو تلك. ليس هذا هو المهم. لكن المهم حقّاً، وربما يكون هذا هو سبب الإلتباس، هو أن تشخيصنا للوضع السياسي والإجتماعي يحوي قدراً من الدقة في تحديد جذور المشاكل من أبعادها المختلفة، والحكومة ما هي إلا مجرد طرف من الأطراف، وإن تحمّلت مسؤولية أكبر. ولذا قد تجدون أننا نقدم بعض الحلول والمقترحات للمشاكل. التسييس للعمل الحقوقي يجعل الحكومة هدفاً للنقد فحسب؛ ولكن العمل الحقوقي يتطلب بحثاً في المشاكل الاجتماعية والسياسية ونقداً للذات، ما يجعل المسؤولية مشتركة في تطوير أو تقزيم العمل الحقوقي. ولذا فخطابنا الحقوقي وتحليلاتنا تفرض علينا أن تكون رؤيتنا شاملة ومتوازنة، لا هي ضدّ الحكومة، وان انتقدناها، ولا هي مع مؤسسات المجتمع المدني في كل الأحوال، وان امتدحناها. التحليل المهني والموضوعي يفرض علينا اقتراباً او ابتعاداً عن الموقف الرسمي. لهذا ننتقد ما نراه خاطئاً، ولكن ليس لدينا حرج أن نمتدح الخطوات التي نراها صحيحة وتعزز من حقوق الإنسان.


يلاحظ أن خطاب المرصد من خلال نشراته، أنه يتضمّن رسائل موجّهة، نجدها في ثنايا التحليل أحياناً، وبصورة مباشرة في أحيان أخرى، سواء كانت تلك الرسائل موجهة الى الحكومة أو الى مؤسسات المجتمع المدني المحليّة، وحتى المنظمات الدولية.. هل فهمت تلك الرسائل كما أردتموها، وهل تجدون تجاوباً معها؟


فعلاً، وكما ذكرت، هناك رسائل بعضها صريح، وبعضها الآخر مستتر. نحن نعيش أجواء سياسية مكشوفة تدفعنا الى إيصال رسالتنا واضحة وبشكل مهني وغير تجريحي قدر الإمكان. ما أردناه كان واضحاً.. في كل موضوع نطرقه هناك رسالة ما أو توجيهاً من نوع معيّن لهذه الجهة أو تلك، وكلها بغرض تحقيق الغايات التي عيننا عليها. أردنا من الحكومة أن تكون شفافّة، وأن تتعاون ـ من أجل تعزيز الثقة ـ مع المنظمات الدولية أكثر، وكذلك مع المنظمات الحقوقية المحلية وأن تمكنها من أداء رسالتها. أردنا من الحكومة أن لا تشعر بأن أي نقد يمارس تجاه تصرفاتها هو مؤامرة، حتى ولو كانت المعلومات التي ابتني عليها ذلك النقد كانت خاطئة، وأن تعالج جذور المشاكل تشريعية كانت أو خدميّة أو فنيّة. أردنا من الحكومة ورجالها أن يخشوشنوا ويتعوّدوا على النقد، وأن يتعاطوا معه بروح إيجابية، وأن يشعروا بأنهم يقفون على أرضية صلبة، وأن الطريق الذي يسلكونه رغم الصعوبات هو الطريق الصحيح، وأنه هو الطريق الأسلم لاستمرارية المشروع الإصلاحي. كما أردنا منها أن تنضبط بالقانون والتشريعات، وأن تكون لديها الشجاعة في الإعتراف بالتقصير أو القصور والأخطاء.

ضمن هذا المضمار، الحكومة فهمت الرسائل، وبعضها يبلغ بصورة مباشرة وليس عبر الإعلام. هناك تفهّم حكومي لما يقال، ولكن الحركة باتجاه النشاط والفاعلية ضمن تصور عملي وواقعي لم يتم حتى الآن بالصورة المأمولة.


ولكن.. ماذا عن الرسائل الأخرى؟


رسالتنا الى المنظمات الحقوقية الدولية بالذات استمع اليها بشكل أفضل. ووصلتنا ردود مشجعة في تفهم الواقع البحريني الحقوقي والاجتماعي والسياسي. في لقاءاتنا كما في نشراتنا، كانت الصورة الكاملة للوضع غير واضحة لدى المنظمات الحقوقية الدولية، وكانوا يقيمون الوضع بناء على جزئية صغيرة هنا أو هناك. نحن شرحنا الأمور، وأوضحنا لهم الجوانب التي تحتاجها البحرين في الميدان الحقوقي، والتي يمكن لتلك المنظمات أن تساهم فيها. شجعناهم أن يوصلوا خبراتهم الى المجتمع المدني البحريني، وأن يوثقوا اتصالاتهم بالمنظمات المحلية، وان يوثّقوا معلوماتهم بصورة تتسم بالدقّة والمصداقية والمهنيّة.

وأخيراً هناك رسائل لمؤسسات المجتمع المدني البحريني، وقد كان يهمنا ابتداءً أن نعرّف بها عالمياً، من خلال النشر أو من خلال اللقاءات مع المنظمات الدولية الأخرى. نحن أيضاً أبدينا استعدادنا للتعاون مع تلك المؤسسات المحلية، وحاولنا أن نلفت نظرهم الى جوانب القصور التي قد نقع فيها جميعاً، من أجل تطوير عملنا الحقوقي. نحن نتفهم أسباب القصور بسبب حداثة التجربة، وبسبب قلّة الخبرة أحياناً، بالنظر الى أن عمر المشروع الاصلاحي قصير حتى الآن، ولكن هذا لم يمنع أن ننقد أنفسنا وزملائنا بحسن نيّة، وبغرض التطوير.


هناك من قال بأن المرصد يضلّل المنظمات الحقوقية الدولية ويخفي إنتهاكات الحكومة؟


أتمنّى أن لا يكون هذا النقد، بل هذا الإتهام قد جاء على خلفية سياسية. (التضليل) و(إخفاء المعلومات) تهمتان، لا تمتان الى الواقع. على المدعّي البيّنة. ليقل لنا من يعتقد أننا نضلّل الآخرين، أين هذا التضليل، مع من، وكيف تم، وفي أيّ موضوع؟ لا يمكن إخفاء معلومة عن العالم، هذا ما قلته سابقاً، وأكرره هنا. البحرين بلد مفتوح، والمنظمات الدولية حاضرة في أغلب الأحيان في البحرين عبر الزيارات، وتكنولوجيا الإتصال بالهاتف والإنترنت مع فسحة التعبير الموجودة لا تمكّن أحداً من إخفاء الوقائع.

وفيما يتعلق بالتضليل، فهو يمثل تفسيرنا للأحداث والوقائع. فهل التحليلات التي نقدّمها مضلّلة مثلاً، وأين وجه التضليل؟ التضليل يكون حين تقدّم جزءً من المعلومة وتخفي الجزء الآخر، وبالتالي يمكنك أن تفسّر الأمر بالصورة التي تريد. أما نحن، فنأتي بالمخبوء من المعلومات إن وجدت، ونقدّم التفسير، ونحلل الحدث في إطاره السياسي والإجتماعي. ما نقوم به هو (عكس التضليل) تماماً. قراءتنا للوقائع أكثر قرباً من الحقيقة، هذا ما نسمعه ممن هو مطلّع على نشاطاتنا.


بعيداً عن هذا التجاذب، هل تعتقدون بأن مستقبل حقوق الإنسان في البحرين سيكون أفضل؟ أطرح هذا السؤال، وأمامي تقارير دولية تقول بأن هناك تراجعاً في المسيرة الحقوقية، في مستوى الشفافية وفي الحريات العامة؟


لا أظن أن الحريات العامّة تراجعت. يجب أن ندرك بأن حقوق الإنسان مفردة مركّبة على عجلة مشروع إصلاحي سياسي اجتماعي أكبر. هي حلقة من منظومة، لا يمكنها أن تتطور بشكل نوعي، إلا من خلال تطوّر عام في أجهزة الدولة التشريعية والتنفيذية. لقد انضمت الحكومة الى العديد من الاتفاقيات الدولية، وأنشأت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، وأسست آليات في كل وزارة معنيّة بحقوق الإنسان، وهي عملياً تقوم بمواءمة تلك الإتفاقيات التي أبرمتها مع التشريعات المحليّة.. ما يبشّر بانعطافة نوعيّة قادمة في الميدان الحقوقي. هذا ما نأمله. لكن هذه الإنعطافة مرهونة أيضاً بحدوث تطوّرات في أجهزة الدولة الأخرى. مثلاً، فإن تطوّر أداء المجلس النيابي من حيث المحاسبة والرقابة وسرعة المصادقة على التشريعات الجديدة، سينعكس إيجاباً على الوضع الحقوقي. أمامنا الآن مشروع قانون الصحافة مثلاً، وقد مضت فترة طويلة ولم يقرّ بعد. إن تطور أداء أعضاء مجلس النواب في استخدام الآليات الدستورية المتوفرة سيعطي دفعة إيجابية لموضوعات حقوقية كثيرة، بما فيها الشفافية والرقابة ومكافحة الفساد. هناك ايضاً أداء الوزارات الخدمية، فكلّما تحسّن الوضع انعكس على المجال الحقوقي. من حق الأفراد أن يتمتعوا بالحياة الكريمة واللائقة، في التعليم والصحة والسكن وتوفير الوظائف وغيرها. هذا له انعكاس على المناخ السياسي العام، وعلى الحريات العامة، وامتصاص شحنات التوتر إن وجدت عند بعض الفئات. زد على هذا هناك حاجة ماسة الى دعم مؤسسات المجتمع المدني، خاصة في الجانب المالي، فتطور هذه المؤسسات ورعايتها مالياً من قبل الحكومة، سيلقي بظلاله الايجابية على مستقبل أوضاع حقوق الإنسان في المستقبل.