رئيس المرصد لصحيفة الأيام:

لا (أُلمّع) الحكومة، ولا أدافع عن العنف، ولا أُقزّم نشاط الحقوقيين


حسن الشفيعي

الأخ حسن، يبدو أنك فاجأت الكثيرين بتأسيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان، وبإصدار نشرتين حقوقيتين، فهل هناك مغزى لهذا التوقيت؟

أبداً، كانت فكرة المرصد موجودة في ذهني منذ سنوات عديدة، وفي الحقيقة فإنني منذ انسحابي من مركز البحرين لحقوق الإنسان، لم أتوقف عن العمل، وحافظت على علاقاتي مع المنظمات الحقوقية ووسعت من نشاطاتي، ولكن لم تكن هناك مظلّة أعمل تحتها كمؤسسة وما أشبه، وقد تأخر الوقت في تأسيسها، الى ان انطلقت مؤخراً.


هل يعني هذا أن ظهور المرصد لا علاقة له بالوضع الحالي في البحرين على الصعيد السياسي والحقوقي؟

لا.. ليس له علاقة بتاتاً. ولكن الصدفة وحدها شاءت أن شهدت البحرين بداية الإعلان تطورات سياسية وأمنية، ولا علاقة لتأسيس المرصد بذلك. النشاط الحقوقي ليس مرتبطاً بزمن ولا بوقت ولا بمكان محدد حتى. هو نشاط مستمر ومتواصل ومرغوب فيه في كل الأحوال والأوقات.


حسناً، ما هو هدف المرصد؟ ولماذا لندن؟ ومن يمول نشاطاته؟

هدف المرصد واضح، وقد أشرت اليه في كلمة العدد الأول من نشرة (المرصد البحريني). باختصار يمكن القول بأن هدف المرصد يقترب كثيراً من هدف مركز البحرين لحقوق الإنسان الذي كنتُ أحد مؤسسيه، والذي ـ للأسف ـ لم يقم بالدور الذي كان يفترض ان يقوم به حسب النظام التأسيسي له. نحن مهتمون برصد تطورات حقوق الإنسان في البحرين السلبية والإيجابية، وتزويد المهتمين بالمعلومة والتحليل، وتقديم الرؤى والإستشارات للمنظمات الحقوقية وغيرها من الجهات المعنية. كما يهتم المرصد بالمشاركة في الندوات والفعاليات الحقوقية، وترشيد العمل الحقوقي في البحرين كيما تنضج التجربة وتتطور.

أما فيما يتعلق بمقر المرصد، فهذا يعود الى وضعي الشخصي، ولو كنتُ في البحرين لقمت بنفس العمل انطلاقاً منها. ولكن طالما أنني مقيم هنا وعائلتي، فكان من الطبيعي ان تكون لندن مقراً للعمل.

بالنسبة للتمويل، والذي أراد البعض من خلاله أن يطعن في المرصد والقائمين عليه، أودّ أن أقول بصراحة أن أحد أهم اسباب تأخير تأسيس المرصد هو الجانب المالي، ولكني استطعت بحمد الله توفير الحدود الدنيا من الإمكانات للقيام بنشاطاته، وحتى الآن فإن الإعتماد الأساس قائم على الجهد الذاتي وعلى التمويل الشخصي، إضافة الى دعم عدد من الأفراد والأصدقاء الذين يشاركونني نفس الهموم والتطلعات. وحتى الآن فإن النشاط لازال محدوداً، والإعتماد في جزء كبير منه على التكنولوجيا والعمل التطوعي.


ولكن هناك من يقول بأن الحكومة وراء تأسيس المرصد وتمويله، وأنك لازلت موظفاً لدى وزارة الخارجية؟

الإتهامات كثيرة، قرأت بعضها بالصدفة، وأنا لا أتوقف عندها. برأيي العمل يتحدث عن نفسه، والحكومات عموماً فاشلة في تأسيس مثل هكذا أعمال. الحكومات لها عقلية مختلفة، ومن يتهم بالعمالة وغير ذلك، أشفق عليه، فهذه ليست لغة مدافعين عن حقوق إنسان، ولا هي لغة سياسيين لديهم الحد الأدنى من الرشد. ليس للمرصد علاقة بأية جهة رسمية في الدولة، فأنا من أسس، وأنا من وضع اسم المرصد، وأنا من قرر إصدار النشرة وطبيعتها وسياستها. أنا مسؤول عن كل هذا.

نعم، أنا أعمل مستشاراً مستقلاً لدى وزارة الخارجية، دون أن أداوم، ودون أن يكون لدي مكتب لا في البحرين ولا في لندن، كما أنني لست موظفاً تنفيذياً، ولا في مركز متخذي القرار. وعمل المستشار معروف لدى الجهات الحقوقية، ومقبول، ولا يطعن فيه، خاصة في الغرب. وللعلم فإن هناك العديد من من مدراء ومسؤولي المنظمات الحقوقية الدولية الكبيرة يعملون كمستشارين لدى عدة دول فيما يختص بالموضوع الحقوقي. ثم إنني عملتُ ذات مرة باحثاً لفترة محدودة مع منظمة العفو الدولية، وانتدبتني في زيارة ميدانية الى العراق في مارس عام 2004م، وأنا الآن مستشار لمنظمات حقوقية اخرى، بينها المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في جنيف وغيرها. العمل الإستشاري لا يطعن في العمل الحقوقي إلا عند أولئك الذين لا يدركون التعريف الدقيق للناشطين الحقوقيين. وحتى في بداية عهد الإصلاحات، حين كنتُ عضواً فاعلاً في مركز البحرين لحقوق الإنسان، فقد كنا نقدم الإقتراحات والإستشارات للجهات الرسمية التي كانت تطلب منّا ذلك. ومع هذا كلّه، لو تعارض نشاطي الحقوقي مع عملي الإستشاري فسوف ارجح عملي الأول، وأتخلّى عن الثاني.


اسمح لي مرة أخرى أن أكون صريحاً أكثر، فهناك من يتهمك بأنك تعمل ضد نشطاء حقوق الإنسان في البحرين، وتمارس دوراً سلبياً ضدّهم؟

أخي العزيز، منظمات حقوق الإنسان الدولية لديها الخبرة والمعرفة والحرفية التي لا يمكن لأحد أن (يضحك) عليها أو (يضللها). لدى تلك المنظمات آليات ومعايير محددة تلتزم بها. وبالتالي، فإن ما أقوم به من عمل سيكون مضحكاً لو كان يستهدف ما سألتني عنه.

ثم إن من يسوق مثل هذه الإتهامات، إنما يسوقها دون دليل، خاصة وأن بعض من يتهمني لديه علاقات وثيقة بتلك المنظمات الحقوقية الدولية مثلما لدي أنا، ويفترض أن من يقدم الإتهام يأتي بالأدلة، أو يشير الى منظمة بعينها رأت في عملي دوراً سلبياً مضاداً للنشطاء في البحرين.

مرة أخرى، هذه اتهامات، أشفق على من يطلقها، وهي اتهامات لا ينبغي لناشط حقوقي أن يسوقها، لأنها تحوي انتهاكاً وتجاوزاً لحقوق آخرين. كل ما أسعى اليه معروف وواضح لدى منظمات حقوق الإنسان، لا تلميعاً في حكومة، ولا دفاعاً عن دعاة عنف، ولا تقزيماً أو تحطيماً لنشطاء حقوق الإنسان. هدفنا واضح: تطوير مسيرة حقوق الإنسان، وإن اختلفنا في المواقف السياسية، وأساليب العمل. وقد يدرك المتهمون هذا ولو بعد حين.


هل يعني هذا أن الإتهامات الموجهة إليك ذات دوافع سياسية؟

نعم أعتقد ذلك. وأنا أخشى بأن المواقف السياسية تلقي بظلالها على بعض نشاطات حقوق الإنسان في البحرين، فتهوي بها الى الحضيض. وهذا ما عبرت عنه مراراً في مقالات منشورة. وإلا ما معنى أن يتهم ناشط حقوقي زميله بالعمالة لمجرد أن اختلف معه في الموقف السياسي أو في بعض الآراء وأساليب العمل؟ أنا أيضاً أستطيع أن اتهم من يتهمني بأقذع الأوصاف، وأسأل أيضاً نفس الأسئلة: من يمولكم؟ من يحرضكم على شتم الآخرين؟ من يخطط لكم؟ لكن هذه الأسئلة الإتهامية لا تليق بناشط حقوقي، ولا حتى بمعارض سياسي. هذه لغة هابطة بكل ما في الكلمة من معنى. كما ان الإنشغال بالآخرين وتتبع عوراتهم، وتأليف القصص حولهم، وتحريض المواطنين العاديين عليهم، وخلق أعداء متوهمين، كل ذلك أسلوب فاشل أياً كان هدف القائم به.


ولكنك هنا تسوق اتهامات ايضاً؟

لا.. أنا ضربت مجرد أمثلة، وقلت بأنني أستطيع أن اتهم من يتهمني، لكني لا أوجه التهمة حقيقة الى من يتهم. لقد سكتُ زمناً طويلاً وأنا أتلقّى الإتهامات، ولم أشأ أن أملأ ذهني أو أشغل بالي بمثل هذه الموضوعات، وكنت مشغولاً فيما بين يدي من أعمال، فهذا هو الميدان الحقيقي للناشط الحقوقي.


بالعودة الى مرصد البحرين، مالذي يميّزكم عن الجمعيات الحقوقية في البحرين؟

نحن لا نبحث عن التميّز، كل الجمعيات لها عمل تقوم به، كل منها تسدّ ثغرة او فراغاً، وتغطي مساحة من العمل الحقوقي. كل الجهود مشكورة، ونحن نقوم ببعض الجهد شأننا شأن الآخرين. لكن ما أنا مؤمن به هو ضرورة النظر الى الموضوع الحقوقي بصورة شاملة، مثلما تفعل كل المنظمات الحقوقية الدولية، بحيث نرى الإيجابيات والسلبيات، فنحاول زيادة الأولى وتقليص الثانية. لا نتعامى عن وجود السلبيات والأخطاء والتجاوزات، ولكننا أيضاً لا نقبل بمزاعم أن شيئاً ما لم يتغيّر وأن الوضع برمته سيّء ولا يوجد تغيير إيجابي. هذا ليس صحيحاً، وهو يضللنا قبل أن يضلل المواطنين، ويبعث اليأس لدى الجميع، فضلاً عن أنه غير صحيح ولا يفتح أفقاً للتطوير، بل يدفع ويبرر نهج الحلول الراديكالية والعنفية، وهو ما لا نؤمن به، وهو ما نرى البعض قد تورّط فيه.


هل لديكم طريقة مختلفة في التعاطي مع المنظمات الدولية فيما يتعلق بالشأن الداخلي؟

ما نقوم به في تواصلنا مع المنظمات الحقوقية الدولية يقوم به آخرون أيضاً. تصلنا المعلومات كما تصل الآخرين، ونتواصل مع تلك المنظمات مثلما يفعل الآخرون، وقد تتشابه مطالبنا أيضاً. فمثلاً، نحن طلبنا من منظمة العفو الدولية ومن غيرها أن ترسل مراقبين للمحاكمات الجارية بحق حسن مشيمع ومجموعة الحجيرة وغيرهم. نحن أيضاً انتقدنا نشر اعترافات مجموعة الحجيرة على التلفزيون وقلنا ان ذلك خلاف القانون. بمعنى آخر، نحن ننتقد ونطالب بتدخل منظمات دولية إما للرقابة أو للإشراف أو للتقويم أو لأي غرض آخر له علاقة بالموضوع الحقوقي، ولكننا في نفس الوقت نبتعد عن موضوع (تسييس القضايا) ونحن ضد أن تتحول المنظمات الحقوقية الى ما يشبه منظمات سياسية، كما أننا نقدم صورة شاملة للوضع الإجتماعي والسياسي خلال استعراضنا للأوضاع الحقوقية. والسبب هو أن الموضوع الحقوقي غير مفصول عن ثقافة المجتمع ولا عن الوضع السياسي أو الإقتصادي أو حتى عن البنية القانونية والتشريعية. لهذا تكون رؤيتنا ـ فيما نظن ـ أقرب الى الواقع وأكثر صدقاً في التحليل. هذا ما نعتقده في أنفسنا، وقد يكون للآخرين رأي آخر، نحترمه ولا نحجره.