اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان في البحرين

مع تصاعد شأن حقوق الإنسان المضطرد، وإتساع دائرة تأثيره في ساحة العلاقات الدولية، بات من الضروري على الدول بذل جهد كبير للإرتقاء بالشأن الحقوقي، وفق المبادئ والأسس والمعايير التي إتفقت كلمة المجتمع الدولى عليها، ومن ثم جرى تضمينها في إتفاقيات ومعاهدات وبروتوكولات ملزمة لكل الأطراف الموقعة عليها.

وبحكم عضويتها في الإتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الدولية، تصبح الدول تلقائيا خاضعة للآليات الدولية المناط بها ضمان وفاء الدول بإلتزاماتها، الأمر الذى يحتم عليها إنشاء آليات وطنية، تكون قادرة على التعاون والتفاعل مع آليات حقوق الإنسان الدولية، وتلبي الواجبات التي على الدول فيما يتصل برفع التقارير الدورية إليها، ومتابعة تنفيذ كافة التوصيات التي تصدرها الآليات الحقوقية الدولية.

بديهي أن لكل دولة الحق في اختيار الآلية الوطنية التي تناسبها، للتفاعل والتعامل مع آليات حقوق الإنسان المختلفة، والهيئات المنشأة بموجب معاهدات الأمم المتحدة.

وطبقا لأدبيات الأمم المتحدة، فإن هنالك أربعة أنواع من الآليات الوطنية: أولها (الطارئة)، وهي التي يتم إنشاؤها لغرض محدود، مثل إعداد تقرير، أو متابعة أمر ما، ثم ينتهي دورها. وثانيها (الوزارية)، وهي التي تتمركز في وزارة بعينها، وغالبا ما تكون وزارة الخارجية أو وزارة حقوق الإنسان؛ وثالثها (الآلية المشتركة بين عدد من وزارات الدولة وإداراتها المختلفة)؛ ورابعها (الآلية المستقلة مؤسسياً وإدارياً).

بالنسبة لمملكة البحرين، فإنها اعتمدت (الآلية المشتركة) ثم في 2011 شكلت وزارة لحقوق الإنسان، فأصبحت الآلية الوطنية (وزارية)؛ وفي أغسطس من العام 2012 عادت البحرين واختارت (الآلية المشتركة)، وصدر عن رئيس الوزراء قرار يإنشاء (اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان)، وقرار لاحق في مايو 2014 بإعادة تشكيلها، وهي تضم في عضويتها ممثلين عن الوزارات والإدارات الحكومية ذات الصلة.

ولا شك أن الآلية الوطنية يتطلب عملها في المقام الأول، درجة عالية من التنسيق مع وزارات وكيانات الدولة ذات الشأن، كدائرة الإحصاء، الهيئة التشريعية (البرلمان)، والهيئة القضائية، وغيرها. وكذلك يتطلب الأمر أن تتشاور الآلية الوطنية مع الهيئات الوطنية الحقوقية، ومؤسسات المجتمع المدني.

ومن الواضح أن الآلية الوطنية تكتسب فاعليتها من مدى الصلاحيات الممنوحة لها، ومدى الإستيعاب الرسمي على أعلى مستوى لأهمية دورها؛ هذا علاوة على ما ينبغي أن تتمتع به كوادر الآلية الوطنية من قدرات وخبرات ضرورية يمكن مراكمتها بالإستمرارية.

فاعلية الآلية الوطنية

طبقا للخبراء الدوليين، هناك أربع قدرات محورية ينبغي توفرها في الآلية الوطنية، إذا أريد لها أن تكون ذات فعالية، وهي:

1- التفاعلية؛ وهي القدرة التي تتيح المشاركة والتواصل مع الهيئات الحقوقية الدولية والإقليمية والوطنية، من جهة القدرة على الحوار التفاعلي؛ وكذلك القدرة على تنظيم وتسهيل عملية إعداد التقارير المطلوبة من قبل آليات وهيئات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية، والتجاوب مع الإتصالات والإستفسارات أو التوصيات والقرارات التي قد ترد لاحقا من تلك الآليات.

2- القدرة التنسيقية؛ وتعنى بامتلاك الصلاحية والمقدرة على تنظيم وتنسيق عملية جمع المعلومات والإحصاءات من الأجهزة والوزارت والمؤسات الحكومية وغيرها، وذلك بغرض إعداد التقارير، ومتابعة سير عملية تنفيذ التوصيات. وبالطبع فإن عملية التنسيق هذه تكتسب زخماً أكبر، إن لقيت دعماً وزارياً، سواء جاء ذلك عبر اللجنة التنفيذية للآلية، أو من خلال المشاركة المباشرة للوزراء، أو وكلاء الوزارات، على سبيل المثال، في إجتماعاتها.

3- القدرة التشاورية؛ وتعني القدرة على رعاية وقيادة عملية التشاور مع المنظمات الحقوقية الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدني، بالقدر الذي يتيح فرصة للنقاش المفتوح، حول مسودات التقارير المطلوبة، من قبل الهيئات الحقوقية الدولية والإقليمية (كتقارير المراجعة الدورية الشاملة)، وبالشكل الذي يفسح المجال كذلك لمشاركة أصحاب الحقوق الأكثر تأثراً، بمن فيهم الفئات الضعيفة، وهو ما سيساعد الحكومة في إعداد تقارير قوية ودقيقة وشاملة، الأمر الذي سيؤدي بدوره إلى تعزيز شفافية الدولة، وخضوعها للمساءلة.

4 - إدارة المعلومات؛ وتعنى بتقصي التوصيات والقرارات الصادرة عن آليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية وتجميعها بشكل منظم، ثم فرزها وتبويبها وجدولتها بشكل يسهل أمر التعامل معها، ثم بعد ذلك تحديد الوزارات، أو الإدارات الحكومية التي يقع على عاتقها عبء تنفيذ التوصية المعنية، مع وضع آلية للمتابعة مع هذه الوزارات والإدارات تتضمن وضع سقف زمني لتنفيذ التوصيات من جهة، ولتوفير المعلومات الضرورية التي تتطلبها عملية إعداد التقارير الدورية المطلوبة.

البحرين اختارت لآليتها الوطنية نظام التنسيق المشترك بين الوزارات والإدارات الحكومية تحت مسمى (اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان)؛ وهذا يتطلب وجود ممثلي هذه الوزارات على طاولة واحدة، ما يجعل من عملية الحوار، وتبادل الآراء أكثر إنسيابا، وأدعى للتوصل إلى رؤية مشتركة، والى قرارات محددة بشأن المطروح من المسائل.

بيد أن المحك في نجاح وفعالية هذه اللجنة يبقى رهينا بتوفر عناصر لا غنى عنها:

أن يتحلّى أعضاء اللجنة بالدراية الكاملة لقواعد العمل في المجال الحقوقي الدولي؛ وأن يكونوا على دراية ولو عامّة بطبيعة الخطاب الحقوقي، إضافة الى معرفة الفاعلين الحقوقيين على الساحة الدولية من منظمات أو دول أو مؤسسات أمم متحدة ووكالاتها المتخصصة، وكذلك أن تكون لديهم معرفة بالفاعلين حقوقياً على الساحة المحلية، من مؤسسات المجتمع المدني.

وينبغي أن يكون الأعضاء على معرفة عامة بالقانون الحقوقي الدولي، وتأثيرات حقوق الإنسان على العلاقات الدولية، والإحاطة قدر الإمكان بالمواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية، والآليات والهيئات الدولية المشرفة على مراقبة الإلتزام بها؛ وفوق ذلك الإلمام بما تحتويه تلك المواثيق والمعاهدات والآليات وما تعنيه بالنسبة للبحرين، وما يقع عليها من إلتزامات بموجبها، وما يمكن أن يترتب من آثار سلبية نتيجة الفشل أو التراخي في الوفاء بتلك الإلتزامات.

هناك حاجة ماسة الى مراكمة الخبرة والتجربة، وهذا يتطلب عنصر الإستمرارية؛ بمعنى أن يكون ممثل الوزارة أو الإدارة، العضو في اللجنة، شخصا ثابتا لا يتغير إلا تحت ضغط ظروف قاهرة.

أن يمتلك عضو اللجنة الصلاحيات الكافية من وزارته أو إدارته التي يمثلها لإتخاذ القرار، دون الحاجة للرجوع إليها في كل شاردة وواردة. وبما أن هذه اللجنة قد منحت في مرسوم إنشائها صفة (العليا)، فإن الجهات الدولية تتوقع أن يكون التمثيل فيها على مستوى الوزراء أو الوكلاء أو المدراء الذين يمتلك كل منهم صلاحية إتخاذ القرار الفصل، فيما يتعلق بالجانب الذي يخص وزارته أو إدارته، من جهة تنفيذ التزام بعينه تفرضه مقتضيات الإستجابة لتوصيات آليات حقوق الإنسان الدولية أو الإقليمية.

من المحبّذ أن يقوم كل عضو في اللجنة التنسيقية العليا، بتأسيس وحدة خاصة بحقوق الإنسان في الوزارة أو الإدارة التي يمثلها، تكون مهمتها الأساسية الإضطلاع بإستكمال الجوانب التي تخص الوزارة، في سياق إعداد التقارير الدورية المطلوبة من آليات حقوق الإنسان الدولية؛ وبتنفيذ التوصيات المترتبة عليها. ويمكن أن تصبح هذه الوحدات الحقوقية في الوزارات والإدارات مصدر إشعاع وتنوير حقوقي في أوساط العاملين بالوزارة أو الإدارة المعنية، بشكل يتيح لثقافة حقوق الإنسان وأدبياتها، أن تنداح تدريجيا في مفاصل الدولة.