البحرين وأسئلة الحوار الوطني

بعد شدّ وجذب بين المعارضة والموالاة والسلطة.. بدأ الحوار الوطني بدعوة من ملك البحرين، لمناقشة آفاق الحلول السياسية للأزمة القائمة. وشهدت الجلسات الأولى للحوار مشادّات بين الفرقاء حول عدد ونوعية المشاركين فيه، وحول طبيعة مشاركة السلطة التنفيذية ومدى تمثيلها للإرادة السياسية العليا، وكذلك الضمانات المتعلقة بتنفيذ مخرجات الحوار.

الشيء المهم هذه المرّة، أن التلفزيون الرسمي، وكذلك الصحافة، قاما بتغطية وقائع الحوار بشكل متوازن وبشفافية، وسط زخم من المقالات والتصريحات وحتى المواجهات على تويتر بين المعارضة والمسؤولين. يأتي هذا في ظل تصاعد المواجهات في الشارع، فسّر بعضها على أنها للتأثير على مخرجات الحوار المنتظرة، وبعضها كاعتراض على أصل الحوار بين المعارضة والسلطة.

طاولة الحوار تواجه أسئلة شتّى من مختلف أطياف المجتمع تتعلّق بطبيعته ومآلاته وموضوعاته ومخرجاته.

هذه المقالة تحاول الإجابة على بعض تلك الأسئلة التي هي على بساطاتها تعتبر محورية لفهم المسار الذي تخطو باتجاهه الدولة والمجتمع.

لماذا الحوار الآن؟

هذا السؤال يُطرح لأن البعض في الموالاة والمعارضة يعتقد بأنه قد انتصر أو شارف على الإنتصار، فما هي الحاجة الى حوار وطني في وقت حُسم فيه الوضع على الأرض؟ وإذا كانت هناك حاجة للحوار، فلمَ لم يوفّر الجهد قبل هذا الوقت، ولم انتظر المواطنون عامين كاملين من الأزمة؟

الحقيقة هي أن الظرف المحلي والإقليمي والدولي صار ناضجاً ومساعداً على الحوار الوطني. فمن جهة تأكد من تجربة العامين الماضيين فشل الأطراف المختلفة سياسياً في فرض الحلول التي تراها؛ بمعنى أن الحل الأمني فشل، والمعارضة وصلت هي الأخرى الى طريق مسدود. وعاشت البحرين أكثر من عام جموداً سياسياً، بلا مبادرات ولا حوارات. ويبدو واضحاً اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن الأكثرية في طرفي المعارضة والسلطة أصبحت مقتنعة بأن استمرار الوضع على ما هو عليه مكلف للشعب وللدولة ولمستقبل البحرين، وبالتالي لا بدّ من الخروج بحلّ وسطي.

وبالنسبة للظرف الإقليمي، فإن الدول المؤثرة في الساحة البحرينية، وصلت ايضاً الى قناعة بأن الحوار السياسي أجدى من غيره كحل، بحيث ان التوصل الى حلول وسطى افضل بكثير من الحلول الراديكالية لأي من الطرفين الحكومي او المعارض، والتي لوحظت نتائجها السلبية سريعاً في دول الربيع العربي.

وعلى صعيد آخر، فإنه يخشى مع استمرار الوضع على ما هو عليه (احتجاجات وصدامات وعنف وضحايا في الشارع) يمكن أن يؤدي الى إشاعة اليأس والإحباط من امكانية الحل السلمي؛ ومن ثمّ الى تحويل مجموعات تحتج سلمياً الى ممارسة العنف. وقد لوحظ ان مؤشرات العنف قد ازدادت في الأشهر الماضية، وهذا أمرٌ سيء لاستقرار البحرين.

وعلى المستوى الدولي، هناك تشجيع للحوار، بل إلحاح عليه. كما أن التحولات السياسية العاصفة في منطقة الشرق الأوسط فرضت على واشنطن والعواصم الغربية إعادة قراءة الاوضاع فيها، وهي تؤكد على أن الاصلاحات السياسية في المنطقة تمثل البديل الصحيح للهزات والثورات. وترجمة هذا تعني ان الوضع الدولي راغب بشدة في حوار سياسي توافقي جاد يكون مثمرا في البحرين، وهو ما كانت تدعو اليه مراراً. وقد انعكست تلك الرغبة في ترحيب الدول الكبرى جميعاً بدعوة الحوار التي أطلقها عاهل البحرين.

هل هو حوار جاد؟

نعم هو حوار جاد هذه المرة. ففي الفترة الماضية كان الجميع يقول انه مستعد للحوار، وأن الأيدي ممدودة، ولكن لم تتبلور الإرادة السياسية لدى الأطراف السياسية بمثل ما هي عليه الآن من وضوح واستعداد للحوار، للأسباب التي ذكرت آنفاً.

لقد جاءت دعوة الحوار هذه المرة صريحة واضحة وبإسم رأس السلطة/ الملك وتحت رعايته. وقد ترافق مع الدعوة تأكيدات ولي العهد وتصريحاته، كما في لقائه مع بان كي مون في الكويت في أواخر يناير الماضي. فضلاً عن أن الإجراءات التي اتخذت حتى الآن، والتصريحات الرسمية المتتالية، تفيد بأن الحوار جاد، وإن كان إخراجه بالصورة التي هو عليها، جعل البعض يشكك في النوايا، خاصة مع عدم الثقة بين اللاعبين.

وهل الظرف الداخلي ناضج للحوار؟

نعم هو ناضج بمستوى معين. فعلى مستوى أطراف العملية السياسية جميعاً سنة وشيعة وعائلة مالكة، فإنهم قد وصلوا الى قناعة بان الحوار هو الحل والمخرج للأزمة.

أما على المستوى الشعبي، فإنه رغم التجييش والإصطفافات الطائفية وحدوث ما يشبه القطيعة الإجتماعية، يبدو المجتمع بكل أطيافه تعباً من طول أمد هذا الصراع السياسي والإنشقاق الطائفي، وهو يريد حلاً ـ في أكثره ـ حتى تهدأ الأمور. هذا لا يلغي وجود أطراف متشددة معارضة للحوار على ضفتي الموالاة والمعارضة.

ويضاف الى هذا، فإن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة فيما يتعلق بتنفيذ توصيات بسيوني، لا بدّ وأن تكون قد ساهمت في امتصاص التشنّج الى حد غير قليل، بحيث يمكن البناء على ما تحقق والتقدم في العملية السياسية الى الأمام.

ما هي إمكانية نجاح الحوار؟

هذا يعتمد ابتداءً على ما هو مطلوب من الحوار، وكيفية الوصول الى الأهداف توافقياً. ومن وجهة نظر مرصد البحرين لحقوق الإنسان، فإن المطلوب من الحوار هو التالي:

اولاً: ان ينتج الحوار حلاً سياسياً له صفة الديمومة، بحيث لا تتعرض البحرين كل عشر او عشرين سنة لأزمة سياسية عاصفة كالتي شهدناها. البحرين بحاجة الى حل طويل الأمد.

ثانياً: الحلول طويلة الأمد تتطلب تحقيق أسس العدالة والشراكة، فالمغالبة أثناء الحوار، قد تنتج للبحرينيين حلا مؤقتاً، ولن تمض سنوات قلائل حتى يعود وينفجر الوضع. العدالة لكل المواطنين ولكل الاطياف المجتمعية ضمان لديمومة الحل السياسي.

ثالثاً: لكي ينجح الحوار فإنه يجب على كل الأطراف تقديم تنازلات موجعة. لا يمكن في حوار كهذا ان ينجح اذا ما تشبّث كل طرف بمطالبه في حدودها القصوى. الحلول الوسطى هي التي تعني عملياً (الحلول التوافقية بين الأطراف الثلاثة: العائلة المالكة/ السنّة/ الشيعة)، والحل التوافقي يتطلب تنازلاً مشتركاً، يعالج المشكلة ويحقق الحد الأقصى من العدالة والتوازن.

ما هي معوقات نجاح الحوار؟

معوقات الحوار عديدة، من بينها:

1/ وجود أطراف متشددة في أطراف العملية السياسية لا تؤمن بالحوار، ولا بالحلول الوسطى، شعارها قول المتنبي: (لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر)! من يدعو للحلول الخشنة او الراديكالية، يهمه إفشال الحوار في مهده، وممارسة أعمال لتحقيق ذلك، وقد يعمد أيضاً الى الإثارات الطائفية والى استخدام العنف.

2/ هناك قصور في الوعي لدى بعض أطراف العملية السياسية، إذ يعتقد بأن الحوار سيربح منه طرف واحد. الحقيقة فإن كل الشعب البحريني سيربح من الحوار اذا ما جاءت النتائج بالشكل الذي حددناه آنفاً. وهناك من يعتمد حالة التحاسد، فهذه الجهة اخذت أكثر مما تستحق، وتلك لم تأخذ حصتها المناسبة، او ما أشبه. في المحصلة النهائية فإن الجميع سيربح من الحوار: الشعب، السلطة، المعارضة، الموالاة؛ شرط ان يكون افق الجميع واسعاً، وان يعتقدوا بان التنازلات المتبادلة لا تعني خسائر.

3/ إن نجاح الحوار يعني نجاحاً للمصالحة الوطنية، فنحن بإزاء عملية حوار سياسي ومصالحة سياسية واجتماعية في آن معاً؛ ولذا يجب ان يدرك الفرقاء هذا الأمر، وان ما يريدونه ليس توزيع غنيمة بقدر ما هو الحفاظ على مجتمع ومصالح أمة ودولة مستقرة، واعادة بعث الحياة في النسيج الإجتماعي المتشظي بفعل الطائفية.

ما هي الخطوات التي يمكن اتخاذها لإنجاح الحوار؟

اولاً ـ تهدئة الشارع، وتهيئته لتقبل نتائج الحوار مع ما في ذلك من تنازلات متبادلة، واعطائه أملاً بالإستقرار والحرية والديمقراطية. لا يعني هذا إغراقه بالآمال الكاذبة، فالآمال الكبيرة ستفشل الحوار، لأنها ستقيد المتحاورين وتجعلهم يقفون عند أسقف مرتفعه. وعدم تحقيق الآمال الكبيرة، ستزيد من خيبات الأمل عند الجمهور مع ما في ذلك من محاذير على الإستقرار الأمني والسياسي.

ثانياً ـ السعي لترطيب الأجواء بمبادرات بشأن المسجونين على خلفية الأحداث.

ثالثاً ـ التهدئة الإعلامية خاصة الإعلام المحسوب على المتحاورين. ومن جهة أخرى: العمل على تهدئة الشارع وضبطه قدر ما تستطيع الأطراف المتحاورة.

ماذا اذا فشل الحوار؟

(أ) سيكون ذلك عائقاً اكبر امام إقامة أية حوارات اخرى قادمة.

(ب) قد تدخل البلاد مرحلة تصعيد في الشارع غير مسبوقة، ربما تعزز خيارات العنف والراديكالية.

(ج) سيؤدي فشل الحوار الى تقوية الأجنحة المتشددة بين اطراف العملية السياسية، والى انزواء قوى الإعتدال والمصالحة.

(د) يحتمل على الأرجح ان يزداد الشرخ الاجتماعي الطائفي اتساعاً.

(هـ) وقد تتهيأ الأجواء بسبب الفشل في التوصل الى حلول سياسية الى مزيد من التدخلات الخارجية في الشأن البحريني، سواء كان من دول أو من منظمات دولية.

وماذا سيحقق نجاح الحوار؟

ستستعيد البحرين مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وستحاول ان تلملم جراحها وبناء وحدتها الوطنية والإجتماعية.

سيستعيد الإقتصاد قدراً كبيرا من عافيته، وينعكس على حياة الناس ورفاهيتهم.

ستزداد الثقة بالقيادة السياسية وبالعملية السياسية وبالمستقبل.

ستستعيد البحرين سمعتها التي خسرت جزء كبيرا منها بسبب الأزمة.

اوضاع حقوق الإنسان ستتطور بشكل كبير، بسبب ارتباط الإصلاح السياسي بالحقوقي.

ستنعكس تطورات البحرين السياسية الإيجابية على كل دول الخليج وسيشجعها على الحوار والإصلاح السياسي.