حسن موسى الشفيعي

البحرين: حتمية المواجهة مع دعاة العنف

حسن موسى الشفيعي

ما جرى في البحرين مؤخراً كان متوقعاً، وكان يمثل النتيجة الطبيعية والمنطقية للمسار السياسي والأمني الذي مضت عليه البلاد منذ عقد تقريباً.

الإعتقالات الأخيرة التي جاءت على موج من العنف والحرائق والشغب وقطع الطرقات وتخريب الممتلكات، كانت متوقعة، وهي ـ حسب المعطيات الحاضرة ـ تمثل منعطفاً في المواجهة مع القوى التي تتهمها الحكومة بالتحريض على أعمال الشغب والعنف.

قرار الحكومة بالمواجهة مع حملة العنف جاء متأخراً، بالنسبة للبعض. وعند آخرين فإنه جاء في وقته كرد فعل على توسّع أعمال الشغب واستهدافها للطرق السريعة بالقطع وبأماكن تجارية وسياحية واجتماعية لم تطلها يد الشغب في سنوات سابقة، ما دفع بالحكومة الى التصرف بحزم لوقف التداعيات الأمنية.

أياً كان الحال، كان من الصعب الجمع بين عملية سياسية ديمقراطية ناشئة من جهة، وعنف وشغب من جهة أخرى. لقد ولدا ـ العملية السياسية الديمقراطية والعنف ـ في وقت واحد، وكان لا بدّ لأحدهما أن يقرّر مسار الدولة.

يبدو الآن أن محاولة الحكومة الفصل بين المسارين الأمني والسياسي من أجل تجنيب العملية السياسية الأذى وهي في طور النشوء، لم تنجح.

ويبدو أيضاً أن الرهان على زخم العملية السياسية في جذب التيار المتشدد الذي يعيش الماضي للمشاركة والبناء بحيث يمتص فائض احتقانه.. يبدو أن هذا لم ينجح هو الآخر.

على العكس من ذلك، فإن العملية السياسية قد تضررت بنحو أو بآخر بسبب العنف، على الأقل فإنها فقدت بعض زخمها بسبب تصاعده. وحتى العملية التنموية أصابها بعض العطب خاصة في المناطق التي شهدت شغباً متواصلاً لسنوات عديدة.

ما يختلف هذه المرّة عن مواجهات المرحلة الماضية، هو أن الإعتقالات في الماضي كانت تصيب منفذي أعمال الشغب، وهم في جملتهم من الشبان الصغار، الذين عادة ما يسجنون لفترة محدودة ثم يطلق سراحهم. بينما استهدفت الإعتقالات الأخيرة الى جانب أولئك، المحرضين على العنف (قولاً وفعلاً وعبر البيانات والخطب وغيرها). والمقصود هنا: القيادات السياسية المعارضة التي لا تؤمن بأصل النظام السياسي، ولا ترى أنها ملزمة بالقانون والنظام في تحركها السياسي، ابتداء من تسجيل ذاتها كجمعية سياسية وانتهاء بأخذ ترخيص للإعتصام أو للتظاهر، بل أنها لا ترى نفسها ملزمة بالعمل السلمي، وتقول بأن إشعال الحرائق واستخدام المولوتوف وقطع الكهرباء والشوارع يدخل ضمن الأعمال السلميّة. هذه القيادات كانت تأمل بأن يتوتر الوضع من خلال ردّ فعل قوى الأمن على أعمال الشغب العنيفة (من وجهة نظرها مباحة) فتحدث المواجهات ويقع الجرحى ويعتقل المشاغبون، ليتطور الأمر الى صدامات أوسع تأتي على العملية السياسية نفسها.

النظام كان يقدّم رجلاً ويؤخر أخرى، مدركاً أن الصدام ليس في مصلحة البلد، ولكن هذا التردد فهم منه المتشددون بأنه يمثل ضعفاً، واستخدموا كل ما لديهم من بضاعة العنف ولغة الشتائم، حتى لم يبق هناك باب للصلاح والإصلاح، فكانت المواجهة الأخيرة، التي يمكن القول الآن بأنها مواجهة طالما تمناها دعاة الشغب والعنف والمحرضون عليه. بيد أنها وخلاف توقعهم لم تكن في صالحهم.

الآن وقد قررت الحكومة المواجهة الشاملة مع المشاغبين ومع محرّضيهم، يبقى التساؤل مشروعاً حول مدى الإلتزام الرسمي بمعايير حقوق الإنسان في مسائل الإحتجاز والتحقيق والمحاكمة. فمما لا شك فيه أن هناك تجاوزات قد وقعت، مثل عدم توفير حقوق المحتجز في الحصول على محامي، وفي لقاء أهله ومعرفة مكان احتجازه، ووفق أي قانون احتجز. بعض هذه الأمور تمّ تلافيها والإجابة عليها، وبعضها تم تأخيره وهو أمرٌ سبب بعض القلق للمنظمات الحقوقية الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان والتي أصدرت بيانات في هذا الشأن.

لا يوجد اعتراض على حق الحكومة في فرض الأمن والإستقرار، ولا في مكافحة الشغب ودعاة العنف، ولا في التوقيف والإحتجاز والتحقيق مع كل من يخلّ بالأمن ويحرّض عليه. إنما المسألة في مدى التزام الحكومة بالحقوق القانونية والطبيعية للمحتجز التي شرعتها قوانين الدولة والمواثيق الدولية. وإن أي إخلال بتلك الحقوق يعد انتهاكاً لحقوق الإنسان.

السؤال الآخر: الى أين ستصل الأمور؟

على الأرض هناك العديد من الإجراءات الأمنية التي تحول دون الإستمرار في أعمال العنف والحرائق وقطع الطرقات وحرق محولات الكهرباء وغيرها. يفترض أن يتقلص العنف في الشارع اعتماداً على حجم التواجد الأمني. كما أن التحريض الداخلي على العنف توقّف تقريباً، وهناك إجماع سياسي من قبل الفرقاء المختلفين أو المؤيدين للحكومة على إدانة العنف والشغب، وأن من حقها فرض الأمن وبسط سلطة القانون.

على المسار القضائي قد تتخذ المسألة مساراً يختلف عن المرات السابقة من تسامح أو عفو يصدره الملك. بمعنى قد تصدر أحكام بالسجن. لكن ما يهمنا هنا وما يفترض أن يكون، هو ضمان أن تكون المحاكمات نزيهة، وتحت سمع وبصر العالم، وبحضور جهات حقوقية.

أما على المسار السياسي، فيفترض أن تنتهي المواجهة الأمنية وذيولها الأساسية قبيل الإنتخابات في 23 اكتوبر القادم.

هناك من يعتقد بأن الإنتخابات ستكون باردة نسبياً من جهة الحماسة اليها بسبب الأوضاع الأمنية وإفرازاتها ووجود محتجزين. آخرون يعتقدون بأن الحكومة ستوفر المحفزات الكافية لخوض الإنتخابات في حينه. أما جمعية الوفاق، أكبر حزب سياسي بحريني، فقالت بأن الأحداث لن تؤثر على مشاركتها في الإنتخابات القادمة. ولكن الوفاق ـ فيما يبدو ـ بحاجة الى بذل جهود أكبر لإقناع ناخبيها للنزول والمشاركة، إذا ما أرادت الحصول على ذات العدد من المقاعد التي حصدتها في انتخابات 2006.

لقد وصف البعض ما جرى بأنه مواجهة بين (حكومة سنيّة) والمواطنين الشيعة في البحرين. هذا البعض يشمل سنّة وشيعة، رأوا الأمور السياسية بعين طائفية؛ وهناك من أراد تثبيت هذا التوصيف لمصلحة سياسية رآها، وهو البحث عن اصطفاف ضد خصمه السياسي، إما للقول بأن الشيعة مستهدفون، أو أن السنّة ونظام الحكم السنّي نفسه مستهدف. المسألة بالطبع ليست كذلك. فجناح التشدّد والعنف لا يمثل الأكثرية الشيعية التي تشارك في العملية السياسية، والتي لها مؤسساتها ورجالها ومصالحها البعيدة كل البعد عن الأفكار المتشددة. هذه الأكثرية الشيعية لا ترى ذاتها في تناقض مع الحكومة، ولا هي تشعر بأنها مستهدفة في المواجهة مع دعاة الشغب والمروجين له. وقد سبق للشيخ علي سلمان، رئيس جمعية الوفاق، أن قال في صلاة الجمعة بأن الشيعة في أكثرهم متضررون ومستاؤون من أعمال الشغب.

أيضاً أراد البعض أن يأخذ ما جرى في البحرين ضمن معطيات الصراع الإقليمي، وتوجيه الحدث وكأنه مؤامرة إيرانية؛ من ذلك ما نشرته القبس الكويتية (21/8/2010) التي نسبت لتقرير (استخباري بحريني) بأن هناك شبكة تضم 250 شخصاً القي القبض عليهم في البحرين قبل أيام، وقالت انهم ينتمون لجهة عسكرية في إيران، وأن هؤلاء سيتحركون في حال هوجمت الأخيرة. بالطبع نفى جهاز الأمن الوطني البحريني الخبر في 23/8/2010، وقال أن المعتقلين لا علاقة لهم بإيران. وحسب النص فإنه: (ينفي وجود أية علاقة أو ارتباط بين العناصر التي تم إلقاء القبض عليها والجمهورية الإسلامية الإيرانية).

لا يعني هذا كله بأن دعاة الشغب والعنف سينتهون، وأن العملية السياسية صارت بمنجى من ذلك. الأرجح أنه سيبقى هناك من هو معترض على أصل النظام السياسي، وليس العملية السياسية فحسب، وضمن هذا الحدّ فإن أمثال هؤلاء لن يستطيعوا أن يمارسوا عنفاً في الشارع، أو الترويج له.

بعد أن يهدأ الغبار، وتنتهي الحرائق من شوارع البحرين، تحتاج العملية السياسية نفسها الى انطلاقة وزخم جديدين يعيدان الروح الى الحياة السياسية التي أصابها بعض البرود، وذلك عبر تقوية العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وكذلك من خلال أداء أفضل لمجلس النواب؛ وإقرار قوانين جديدة توسع من هامش حرية التعبير وتنظم العمل والمبادرات السياسية والأهلية، ومن بين القوانين المنتظرة: قانون الصحافة، وقانون الجمعيات غير الحكومية، وغيرهما.