حسن موسى الشفيعي

العنف والجدل الحقوقي في البحرين

حسن موسى الشفيعي

تأكيداً لما نشرناه في مقالات سابقة من أن العنف والشغب يمثّلان في ذاتهما تعدياً على حقوق الإنسان، وأنهما يوفران البيئة المواتية لخرق قوانينه ومعاييره.. من المفيد أن نذكّر بأن معظم مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين تدور حول قضايا جذرها الأساس: استخدام العنف وممارسة الشغب، وعدم الإلتزام بالقانون. ففي الوقت الذي لا يوجد فيه معتقل رأي واحد في السجون البحرينية حسب أقوال الحكومة، هناك موقوفون (لا يزيدون عن ثلاثين شخصاً) يصنّفهم بعض المنظمات الحقوقية بأنهم معتقلو رأي، ينتمون الى جماعات سياسية، أو يُسبغ عليهم صفة ناشطي حقوق إنسان. وهؤلاء جميعاً، تصنّفهم الحكومة بأنهم من موقوفون على خلفيات أمنية ـ وليس سياسية. كونهم جميعاً وبدون استثناء، متهمون بالتجمهر خلاف القانون، وأنهم لا يعترفون بالقانون ويرفضون أخذ إجازة للتجمهر، كما أنهم جميعاً متهمون بالإنخراط في أحداث شغب وعنف، مثل: حرق الإطارات وقطع الشوارع، وتدمير الممتلكات العامة وحتى الخاصة أحياناً، واستخدام القنابل الحارقة ضد رجال الأمن، وتعريض أمن المواطنين للخطر، وغيرها من الإتهامات، التي أودت ـ بالفعل ـ بحياة أبرياء، وأوقعت جرحى وخسائر مادية.

أيضاً فإن كل مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان بعد الإعتقالات تعود الى الجذر نفسه: خرق القانون وممارسة العنف. فهناك من يزعم باعتقال ابرياء، أو عدم توفير محاكمة شفافة لهم، أو أنهم تعرّضوا للتعذيب وما أشبه. هذه القضايا كلّها، تأتي في سياق الموضوع الأساس، وهو المواجهة في الشارع مع شباب العنف والشغب. ولم يحدث أن اعتقل أشخاص لأنهم تظاهروا، أو منعوا من التظاهر، أو حرموا من حقهم القانوني في التجمع السلمي، أو لأنهم عبّروا عن رأيهم عبر الطرق القانونية وما أكثرها.

نحن بإزاء مواجهات في الشارع، بين قوى الأمن، ومجاميع شغب لاتزال وبشكل يومي تقوم بأعمالها في حرق الإطارات وقطع الطرق واستخدام القنابل الحارقة وإلقائها على سيارات رجال الأمن. هذا هو المشهد الحقيقي الذي يجري في إطاره مناقشة مواضيع حقوق الإنسان في البحرين. ومن المفارقات، أن بعضاً من مسؤولي المنظمات الحقوقية الدولية شاهدوا مثل هذه الأعمال العنفية في الشارع، حيث اصطحبهم دعاة العنف ليشاهدوا (النضال الشعبي على الأرض)! وتشاء الأقدار أن الأجهزة الحكومية نفسها، ولكي توضّح صورة المشهد العنفي، بدأت هي الأخرى بعرض أشرطة الفيديو أمام ممثلي منظمات دولية الزائرة، وهي تصوّر جانباً من المواجهات العنفية، وكيف أن رجال الأمن يحاولون السيطرة بشتى الطرق على الأوضاع والدفاع عن أنفسهم أمام القنابل الحارقة، وأسياخ الحديد المتطايرة التي تطلق من أسلحة مصنّعة محليّاً!

أمامنا الآن قضيّة جديدة، نتجت أيضاً كما سابقاتها من العنف المتواصل ليلياً في بعض القرى. فقد حدث في كرزكان في 14/3/2010، ان اجتمع الشباب الملثمون وقاموا بهوايتهم المعتادة، وهي قطع الطرق بالإطارات المحروقة، وحرق حاويات القمامة، وإلقاء القنابل الحارقة (المولوتوف) على رجال الأمن وسياراتهم، وهؤلاء الأخيرون عادة ما يتواجدون لفتح الطرقات المغلقة أمام المواطنين، وحفظ مصالحهم، واستعادة الأمن.

وكما هي العادة أيضاً، فإن رجال الأمن أطلقوا من مكبرات الصوت نداءاتهم للشباب الملثمين بالتوقف والعودة الى منازلهم ولكن دون جدوى، وبدأوا برمي قنابل حارقة بكثافة. وقد وقعت إحدى سيارات رجال الأمن في مصيدة الشباب، وانهالوا عليها بالمولتوف. حينها تمّ إطلاق الرصاص الحيّ في الهواء تحذيراً، ولكن المشاغبين لم يتوقفوا، فاستخدم الشوزن لتفريقهم وانقاذ حياة رجال الأمن الذين هم في السيارة، وبسبب ذلك أصيب أحد المشاركين في العنف وهو الشاب حسين علي حسن السهلاوي بجراحات عديدة في جسده، ولكنه تمكن وآخرون من الهرب.

تطوّرت القضية فيما بعد حين أُخذ السهلاوي من قبل أصدقائه للعلاج، ليس الى المستشفى، وإنما الى بيت أحد الممرضين وهو ابراهيم الدمستاني في قرية الدراز، ومن ثم نقله الممرض الى المستشفى المركزي في السلمانية حيث يعمل، وهناك عالجه دون تسجيل أية بيانات عن الجريح، ثم قام بتهريبه الى خارج المستشفى. وحين ساءت حالة المريض، أعاده الدمستاني الى نفس المستشفى في يوم 16/3/2009، وهناك طلب من ممرض آخر وهو عبدالعزيز شبيب بأخذ أشعة للجريح من أجل استخراج شظايا عديدة داخل جسمه. ومرة أخرى، جرى تهريب المريض بدون أخذ بيانات عنه، حسب مقتضيات القانون.

 
من أعمال العنف المتكررة   إصابة حسين السهلاوي

تطوّرت القضية في اتجاهات عديدة فيما بعد. فقد أوقفت النيابة العامة ولمدة يوم الممرضين؛ ثمّ منعت وزارة الصحة اجتماعاً لجمعية الممرضين كان مقرراً عقده للتضامن معهما؛ وبسبب ذلك تم تسليط الضوء أكثر على الممرضين، منه على السهلاوي نفسه، فأصدرت عدة منظمات حقوقية دولية بيانات تندد بتوقيف الممرضين شبيب والدمستاني، كما تندد بمنع عقد اجتماع جمعية الممرضين، وذكرت تلك المنظمات بأن ما وصلها من معلومات يفيد بأن الجريح السهلاوي لم يكن مشاركاً في أحداث العنف في ذلك اليوم، وأنه كان خارجاً من بيت جدّه، الذي كان في نفس منطقة الحدث.

تشاء الصدفة أنني كنتُ في زيارة عمل للبحرين، وكان لي موعد مع الرائد راشد محمد بونجمة، مدير ادارة الشؤون القانونية، وعضو لجنة حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، وذلك لمناقشته في قضايا متعلقة بحقوق الإنسان، ومنها أحداث كرزكان الأخيرة.

يمكنني القول بناء على المعطيات المتوفرة التالي:

أولاً ـ إن حسين السهلاوي، كان أحد المشاركين الملثمين في أحداث العنف التي جرت مساء ذلك اليوم 14/3/2010، وأنه لم يكن زائراً بريئاً كما يزعم. وفضلاً عن ذلك فإن عدم ذهابه مباشرة الى المستشفى، أو الذهاب الى الشرطة للشكوى، يؤكد هذه الحقيقة.

ثانياً ـ فيما يتعلق بتوقيف الممرضين والتحقيق معهما من قبل النيابة العامّة، فإن الثابت هو مخالفتهما لأنظمة وقوانين وزارة الصحة، وأنهما لم يسجّلا أية معلومات شخصية عن الجريح، وتسترا عليه. ولم تكن القضية بأي حال، تعود الى أنهما قاما بعمل إنساني حينما أسعفاه، فهذا ليس مربط الفرس، ولا يعدّ جرماً كما هو معلوم.

ثالثاً ـ فيما يتعلّق بمنع أعضاء جمعية الممرضين من الإجتماع، وتغيير الأقفال لتحقيق تلك الغاية، فهذا عملٌ مشين، تعسّفي وغير مبرر، ولا يتماشى مع البحرين الديمقراطية، ولا مع معايير حقوق الإنسان. وأياً كان العذر، وأياً تكن الجهة التي اتخذت القرار، فإنه قرار خاطئ، وضارّ بسمعة البحرين وتجربتها في الإصلاح، ويتناقض في الصميم مع مشروع الملك الإصلاحي، ومع سياق الحريات العام الذي تجري في إطاره الأحداث.

رابعاً ـ هناك بعض المنظمات ـ كالعفو الدولية وغيرها ـ اعتبرت استعمال الشوزن في مواجهة الشغب استخداماً مفرطاً للقوّة. ونظن بأن قوات الأمن تمارس قدراً كبيراً من ضبط النفس، وأن المواجهات مع شبّان الشغب، أبعد من أن تكون مواجهة مع أفراد مسالمين، أو أنهم فقط يمارسون هواية حرق الإطارات، بل هنالك خطر فعلي على النفس، ولا أدلّ على ذلك ما جرى سابقاً من إزهاق للأرواح وجرح للكثير من المواطنين الأبرياء. زد على ذلك فإنه في نفس الفترة حدث في 4/3/2010 أن تعرض المواطن جعفر مكي سلمان للإعتداء بقنبلة حارقة وهو في سيارته فتمّ إنقاذه من قبل المارة والشرطة، وقد أصيب بحروق في الرقبة والظهر.

بمعنى آخر، إن ما يقوم به المشاغبون من أعمال تصنّف على أساس أنها عنفية وخطرة، ولا يمكن تقدير حجم الخطر إلا من قبل رجال الشرطة أنفسهم. ولكن يفترض أن تقدّم أجهزة الأمن براهينها بأنها كانت محطّ اعتداء، وأن ما قامت به من اطلاق نار إنما كان في وضع صعب واستثنائي وحرج للغاية، وأنه جاء كدفاع عن النفس أو عن أرواح آخرين أبرياء.

نحن متأكدون من حقيقة أن أحداث الشغب والعنف إنّما يتم تصعيدها أكثر فأكثر في فترات تكون فيها البحرين تحت الأضواء الكاشفة. وكما قالت (العفو الدولية) بأن الأحداث الأخيرة إنما جاءت في فترة استضافة البحرين لسباقات فورمولا 1، والتي تقع قرية كرزكان قريباً من مكان إنطلاقتها.

ونعود لنؤكد مرّة أخرى، بأن العنف يمثّل المضخّة المستمرة لانتهاك حقوق الإنسان، وهو بمثابة آلة صناعة الجدل التي تستثير النقاش حول الموضوعات الحقوقية في البحرين. وهذا بحدّ ذاته يكشف حقيقة أن غمامة العنف تشكل حاجزاً عمّا يجري من تطورات إيجابية ومستمرة للوضع الحقوقي البحريني، والتي لا يلتفت إليها كثيرون، حيث الأنظار مسلّطة فقط على العنف وتداعياته.