حسن موسى الشفيعي

العنف المتواصل وغياب الدور الأهلي

حسن موسى الشفيعي

تصاعدت في شهري ديسمبر ويناير الماضيين حلقات العنف والشغب، بما تتضمنه من إغلاق للشوراع بالإطارات المحروقة وصناديق القمامة، وتدمير الممتلكات العامة كمولدات الكهرباء وأعمدة الإنارة. كما جرى التعرّض في أكثر من حادثة الى مدنيين وناشطين كالإعتداء على عضو مجلس بلدي وحرق منزله وسيارته. وفي الغالب تتخلل تلك الأحداث والتي تتم مساء في القرى مصادمات مع قوات الأمن التي تبادر الى إطلاق الغازات مسيلة الدموع، وفي بعض الأحيان الرصاص المطاطي، واحتجاز بعض المشاركين في عمليات الشغب.

ولوحظ أن حمّى الحرائق وقطع الطرق تتصاعد كلّما حضرت وفود لمنظمات حقوقية دوليّة، حيث يؤخذ بعضهم الى مواقع الإشتباكات والحرائق، لا من أجل التعرّف على العنف، وإنما لتعزيز فكرة أن هذا الشغب والعنف الشبابيين مبرر كونه يمثّل احتجاجاً على السياسات الحكومية.

من خلال النقاش العام في الصحافة المحلية، ترد ثلاثة أسباب جوهرية تفسر جانباً من ظاهرة الشغب هذه:

ـ أن سبب الشغب سياسي بالدرجة الأساس، فالقائمون والمحرّضون عليه يريدون تحقيق أهداف سياسية، لا تتمثّل في إصلاحات مطلوبة في النظام السياسي، وإنما الإنقلاب عليه وإلغاء العملية السياسية والمشروع الإصلاحي القائم. ويشار أحياناً الى أن هناك أطرافاً سياسية ضعيفة شعبياً تحاول ـ رغم إدانتها للعنف ـ استثماره لصالحها، ، فتطرح حلولاً لا علاقة لها بمشكلة العنف، بل بمشكلة تلك الأطراف التي لم تحصل لها على موقع متقدم في العملية السياسية القائمة.

ـ أن المشاركين في الشغب والعنف هم من الشباب، وهم في أكثرهم عاطلون عن العمل، ويعانون من مشاكل اجتماعية نتيجة تفكك أسري وغيره، كما أنهم في معظمهم لم يحظوا بقدر معقول من التعليم. يضاف الى هذا حيوية الشباب، وحماسته ومحاولة إيجاد دور له لم يستطع الحصول عليه بحيث يؤطّر نشاطه من خلاله.

ـ الأخطاء والقصور الحكومي في معالجة الخدمات في القرى التي تقع فيها أعمال العنف والشغب. فرغم الجهود المبذولة، لا يزال القصور واضحاً، ما يدفع بشباب تلك المناطق الى استشعار الحيف حين يقارنوا أوضاعهم بنظرائهم من المواطنين الآخرين. وبالتالي فإن تطوير الخدمات وسرعة انجازها، ستساهم بشكل أساس في القضاء على ظاهرة الشغب، كما يرى البعض.

وتتفق آراء النشطاء السياسيين والحقوقيين ـ بدون استثناء ـ على إدانة الشغب والعنف وما يتبعه من خسائر مادية وأحياناً بشرية. كما تتفق على تحميل الحكومة جانباً من المسؤولية. ويتفق هؤلاء كذلك على أن مساحة حرية التعبير السلمي متوافرة، وبالتالي لا يبرر العنف بسبب ضيق مساحة التعبير. أيضاً فهم يتفقون بأن الحل الأمني رغم أهميته لا يكفي ـ حسب التجربة ـ لإيقاف غائلة العنف والتخريب، ويبدو أن الموقف الرسمي يميل الى هذا، حسب تصريح وزير الداخلية الذي نشر في 26 يناير الماضي، الذي أضاف بأن هناك من يريد استدراج قوى الأمن للصدام العنيف مع المشاغبين والعنفيين حتى يقع الضحايا ويتم فيما بعد استغلال ذلك سياسياً.

لكن وزير الداخلية، الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، عرض أمراً مكملاً للحلّ الأمني، حين قال: (إننا بحاجة الى مجموعة من الإجراءات حتى نتمكن من احتواء الشارع، فالحاصل أن العابثين بالأمن يجاهرون بمواقفهم التي تضر بالوطن، في حين أن من ينشد الأمان يتردد في الإعلان عن موقفه الرافض لتلك الأعمال، وهذا التردد الوطني، وغياب الموقف الأهلي الرافض للعنف، ترك الساحة أمام من يريد أن يعبث بالأمن للتحرك بحرية).

السؤال: لماذا لم يقم أهالي القرى المتضررة بأعمال الشغب بمواجهة شباب العنف والتخريب؟

مع احتمال وجود بعض قليل ممن يؤيد المشاغبين بينهم، إلا أن هناك سببين أساسيين:

أولاً ـ هناك خوف من هؤلاء العنفيين أن يقوموا بأعمال تطال من يطالب بمواجهتهم على الصعيد الشعبي؛ خاصة مع وجود قيادات العنف التي تشنّع وتحرّض ضدّ من يخالفها وتشوّه صورته. أي أن التصدّي قد يكون مكلفاً مادياً ومعنوياً.

ثانياً ـ إن المبادرات الأهلية لكبح جماح العنف والشغب، تتطلّب ركناً يستند إليه المبادرون، إما حكومة وإما قوى اجتماعية نافذة. الحكومة لم تطرح مشروعاً سوى الدعوة. والقوى الاجتماعية النافذة الحاضرة (من تيار الوفاق تحديداً) لا تريد أن ينظر اليها وكأنها أشعلت فتنة بين الجمهور، وفضلت (الإدانة) دون (التصدّي) المباشر على الأرض.

إن أية مبادرة أهلية لإيقاف غائلة الشغب والعنف، لا يمكن أن تتم إلا بغطاء شعبي ورسمي، يمثلهما الوفاق من جهة والحكومة من جهة أخرى. هناك ثمن يجب أن يدفع للتخلّص من الشغب، والجميع فيما يبدو متردد حتى الآن في استخدام أرصدته الشعبية والمعنوية، ما لم تتحدد معالم الكلفة والأثمان.