حسن موسى الشفيعي

من أجل حقوق الإنسان أولاً

دفاعاً عن أنفسنا لا عن الحكومة

حسن موسى الشفيعي

من مصلحة المنظمات الحقوقية البحرينية، بل من مصلحة الإنسان وحقوقه في البحرين، أن يتم التعاطي مع الموضوع الحقوقي بعيداً عن السياسة، وبعيداً عن المبالغة، وبعيداً عن المكايدة السياسية، وبعيداً عن الأخبار المفتعلة والخاطئة.

لماذا ندعو الى الإبتعاد عن الإنحياز السياسي؟ ولماذا نحثّ دائماً على الإتزان في الطرح، والترشيد في المنهج، والتركيز على الأبعاد الحقوقية، دون الغوص في التصارع الذي قد يفكك حتى المنظمات الحقوقية نفسها؟ ولماذا فتحت قضية جعفر إبراهيم الملف مجدداً، ووضعت الحقوقيين ـ ونحن منهم ـ في الزاوية محاصرين بالإتهام والتشكيك؟

إن اتخاذ موقف قوي تجاه الأخطاء التي يقع فيها الحقوقيون لا يعني انحيازاً للحكومة، ولا دفاعاً عن أخطائها التي صدرت أو التي ستصدر، بل دفاعاً عن الحقيقة بشكل أساس، ودفاعاً عن حق المجتمع، ودفاعاً عن القيم التي جاءت منظمات حقوق الإنسان لتدافع عنها.

ترى هل كان صحيحاً أن يضلل المجتمع بقضية كاذبة مختلقة من أساسها؟

أم هل كان من الصالح أن يعيش المجتمع توجساً من عودة الشغب الى الشارع، بناء على معلومة واتهام كاذبين، جاءتا من شخص هو متهم في حدّ ذاته؟

أم هل كانت بعض المنظمات الحقوقية البحرينية قد خدمت حقوق مواطنيها حين نسبت تهمة لأبرياء، وجيّشت الشارع في مواجهة أجهزة الأمن؟

وكيف يمكن لجهة حقوقية تقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان في وطنها، أن تنتهك هي نفسها حقوق آخرين؟

بل ما هي الفائدة المنشودة من تشويه صورة الحكومة، بناءً على معلومات مضللة؟ وهل من مصلحة شعب البحرين أن تفقد المنظمات الحقوقية مصداقيتها لديه ولدى المنظمات الدولية؟

إذا زعم أحدٌ بأن أي شيء في البحرين لم يتغير في موضوعات الإصلاح، وجاء آخر وزعم لنا أن انتهاكات حقوق الإنسان قائمة على قدم وساق، ونحن نعلم مسبقاً أن هذا غير صحيح، فالى أين يريد أمثال هذين أن يوصلانا؟

اليس الى الإحباط والعنف كحل وحيد؟

وهل يمكن عبر هذه الطريقة الدفع بالإصلاحات وتطوير حقوق الإنسان في البحرين تدريجياً؟

إن القبول بالإتهامات الجائرة سواء ضد الحكومة أو ضد الأفراد، خلاف العدل، وإحباط للحقوقيين، وسدّ لأبواب التطوير والإصلاح، ومثل هذا يحول موضوع حقوق الإنسان الى مجرد أداة سياسية لا علاقة لها بتطوير حقوق الإنسان فعلاً.

ليست القضية متعلقة بالحكومة، بل بالمنظمات الحقوقية نفسها، فهي يجب أن تحافظ على القدر الأوفر من أخلاقية المهنة، والإلتزام بمعايير العدالة في النظرة الى الأمور. ولذا فإن ترويج المعلومات الخاطئة المضللة أياً كان المتهم، وإخفاء المعلومات الصحيحة، أياً كان المستفيد، لا يفيد مشروع حقوق الإنسان في البحرين من قريب أو بعيد.

حتى لو افترضت بعض المنظمات الحقوقية الحكومة خصماً، فمن الحق والصدق مع النفس واحترام العدالة، أن ننصف الخصم، لا أن نخفي محاسنه، ونستجمع كل الرذائل الصحيحة والسقيمة ونحمّله إياها.

البحرين تغيّرت، حتى لو لم يعترف القليل منا بهذه الحقيقة. وقد نختلف في تقييم حجم التغيير في الميدان الحقوقي والسياسي وغيرهما. ومادامت أكثرية الشعب تريد الإصلاح وتدعو إليه، فلنحترم ـ إذن ـ الواقع الراهن ونبني عليه لمستقبل أفضل. لو كانت الحكومة تقتل وتعذب وتعتقل بأية تهمة، وسجونها مملوءة بالمعتقلين بدون مبرر، فلربما وجد البعض عذراً لترويج الإشاعات المضللة، أما والحال غير ذلك، بحيث لا يوجد سجين سياسي واحد، ولا معتقل رأي واحد، وفيما العملية السياسية قائمة رغم قصورها، والحكومة تصرّ على الإستمرار فيما تعتبره مشروعاً إصلاحياً.. مادامت الحال هكذا، فإن من الخطأ تضليل أنفسنا واعتبار الوضع القائم استمراراً لنهج ما قبل الإصلاحات.

إن استصحاب الماضي يمنع العين والعقل من ملاحظة التغيير، وبالتالي يمكن وبسهولة التفريط فيما تحقق وأنجز حتى الآن.

من شاء فليركز على أخطاء الحكومة وأجهزتها في الميادين المختلفة، وهناك عشرات من منظمات المجتمع المدني المتخصصة قادرة على فعل ذلك، ولكن لنبتعد عن المبالغة وافتعال الأخبار، وتسييس الأحداث العادية، وقلب الإيجابيات الى سلبيات، لأن ذلك وبكلمة: ليس من مصلحة المنظمات الحقوقية، وليس من مصلحة حقوق الإنسان في البحرين.