حسن موسى الشفيعي

البحرين: الهوية الوطنية والإصلاح السياسي

حسن موسى الشفيعي

لا تعاني البحرين أزمة هويّة حادّة، فأكثرية الشعب ينتمون الى دين واحد، والى لغة واحدة، والى محيط سياسي مسيّج بهوية تاريخية (أقصد البحرين جغرافياً). لكن البحرين كما بعض الدول الأخرى، تواجه ثلاثة مستويات من التحدّي فيما يتعلق بالهوية:

ـ المستوى الأول ويتمثّل بحجم العمالة ـ غير العربية خاصة ـ حيث تشير الإحصاءات الى أن عدد الأجانب يساوي تقريباً عدد المواطنين (المجموع مليون نسمة). هناك من يتحدث عن تأثيرات على الهوية (العربية) للبحرين، مقابل هويات وافدة، خاصة من شبه القارة الهندية التي تمثل أكثرية العمالة الوافدة. وفي هذا الإطار، فإن البحرين تعتبر أقلّ من غيرها من الدول الخليجية الأخرى ـ عدا السعودية التي تمثل العمالة الوافدة فيها نحو ثلث السكان (8 ملايين وافد مقابل 15 مليون مواطن). هذا التحدّي هو تحدٍّ معتدل، ولم يظهر حتى الآن وجود تأثيرات خطيرة على الهوية العربية للبحرين رغم أن هنالك بعض الباحثين العرب من يهوّل من الأمر ومن نتائجه التي يُزعم أنها خطيرة للغاية.

ـ المستوى الثاني، ويتمثل بالتنوع المذهبي والعرقي في المملكة. فمع أن الدين الإسلامي عنصر جامع يسمو فوق العصبيات المذهبية والعرقية، فإن الواقع البحريني يتأثر بلا شك بالتوترات المذهبية، التي يعتبر الكثير منها مستورد من الخارج، أي متأثر بالظروف السياسية الخارجية، وخاصة بسبب التغييرات السياسية التي عصفت بالعراق ولبنان. وقد أثبتت الأحداث، أن البحرين ليست محصّنة من تأثير النزعات المذهبية التي ترتفع وتنخفض لأسباب سياسية محلية وخارجية، وتلقي بظلالها على العلاقات بين الأفراد والجماعات في مملكة البحرين.

ـ المستوى الثالث، ويتعلق ببناء هويّة وطنية محليّة، حيث تمتلك البحرين كل شروط بناء الهوية الوطنية الخاصة القوية، التي يمكن لها أن تبعد المخاطر الآتية من المستويين السابقين. فهي كيان مؤسس تاريخياً، وجغرافيتها واضحة غير متنازع عليها باعتبارها جزيرة واضحة المعالم والحدود، وباعتبار التشابك الإجتماعي والتسامح بين القاطنين والتي هي سمة عامة، وأيضاً لاعتبارات سياسية أخرى، يأتي في مقدمها الإجماع على استقلال البلاد وعلى قيادة سياسية مُنحت الشرعية في استفتاء عام أُجري عام 1970م، ومثله استفتاء آخر بعد ثلاثين عاماً تقريباً والذي تضمنه (ميثاق العمل الوطني) عام 2001م.

لا توجد في البحرين مشكلات لغوية معيقة لبناء الهوية، ولا انشقاقات اجتماعية حادّة، لا مذهبيّة ولا عنصريّة، ولا حتى دينيّة، وبالتالي تتوفر كل المواد الخام لصناعة ثقافة وطنيّة وهوية وطنيّة قويّة وصلبة.

الهوية الوطنية في البحرين ليست قويّة بما يكفي اليوم. ونستدرك لنقول بأن الهوية الوطنية نالت دفعة قويّة جداً بسبب الإصلاحات السياسية التي دُشّنت قبل نحو ثمان سنوات. ذلك أنه لا يمكن تصوّر بناء هويّة وطنية بحرينية في ظل القمع، فالقمع لا يصنع أوطاناً، ولا يصنع هويات وطنية إلا أن تكون مشوّهة تسقط في أي اختبار يواجهها، كما لاحظنا ذلك في العراق أثناء الاحتلال الأميركي له.

لا شك أن الهوية الوطنية لصيقة بالموضوع السياسي، والإصلاح السياسي الذي بدأت به البحرين أفسح المجال لشتى أنواع الحريات في التعبير الديني والسياسي والثقافي، وعبّد طريقاً صحيحاً ومستقيماً لصناعة هوية قوية، من خلال المؤسسات التشريعية المنتخبة، كما أفسح المجال لنمو ثقافة وطنيّة رغم طغيان ثقافة الطائفة والمذهب في دول مجاورة، والتي رغم تأثيرها لم تستطع أن تقمع نمو الثقافة الوطنية كقاعدة انطلاق للحراك السياسي وغيره.

الاصلاح السياسي يأتي بالمساواة والعدالة والإستقرار، أي أنه يوفر المناخ الملائم لبناء الهوية الوطنية وتعزيز قواعدها، وهذا ـ حسبما نعتقد ـ هو الذي يجري في البحرين الآن، وإن كان بصورة غير متسارعة.

تبقى قضية ذات حساسية وأهمية في آن معاً. وهي أن التمييز بكافة أشكاله لا يمكن أن يستمر في دولة ترفع لواء الإصلاح، ولا أن يستقي دعماً من ثقافة وطنية آخذة في التطور، ولا ضمن دولة يراد لها أن تكون حامية للقانون. نعتقد بأن التمييز هو الآفة الأساس للهوية الوطنية، وهو النقيض لكل ما هو وطني. ولكننا نعتقد أيضاً، بأن الثقافة المشجّعة لمواصلة التمييز في دولة ترفع راية الإصلاح لا يمكنها أن تستمر، وإن أي إضعاف لثقافة التمييز الديني والطائفي والقبلي والجهوي وغيرها، يعني وبلا شك إضافة لبنة لبناء الهوية وترسيخها، بحيث تصبح البحرين مسوّرة ضد كل الإختراقات الخارجية التي تتمظهر طائفياً وقبلياً وغيرهما.

الإصلاح السياسي يجب أن يتواصل وبوتائر متسارعة حتى يمكن ازالة كل المخاطر والمعوقات التي تكتنف تطوير الهوية الوطنية وتعزيزها. ويفترض أن تكون للدولة مشاريع وبرامج إضافية تلحظ فيها تلك المعوقات والمخاطر، وتعمل على إزاحتها وتطويق آثارها على النسيج الاجتماعي.