منظمات حقوق الإنسان في البحرين والنشاط السياسي

هناك جمعيات سياسية (أحزاب) تتعاطى مع الشأن السياسي، وتستهدف إحداث تغييرات سياسية، عبر الإنتخابات والمشاركة في البرلمان، ويبلغ عددها حتى الآن (16). فمن يريد السياسة ويسعى للإصلاح السياسي والعمل من أجل التنمية السياسية فباستطاعته أن يتعاطاها بشكل مباشر، إما عبر الإنضمام الى واحدة من هذه الجمعيات، أو يعمل على تأسيس جمعية سياسية جديدة، بعد أن يستكمل شرائط التأسيس.

وهناك منظمات مجتمع مدني في شتى المجالات: إعلامية وفكرية وفنية وحقوقية وبيئية وشبابية وأسرية ونسائية وإسلامية وكذلك اتحادات عمال وغيرها. هذه الجمعيات بلغ عددها بالمآت حتى الآن، وهي تمارس دورها ضمن الإطار السياسي ولكن بعيداً عن الإيغال فيه، وإلا تحوّلت الى جمعيات سياسية.

مشكلة المنظمات الحقوقية في العالم العربي، وفي البحرين بشكل خاص، أنها لم تستطع الإنفكاك المباشر عن السياسة، ولا نقول الإنفكاك الكلّي، فهذا مستحيل. حتى أصبحت هناك صعوبة في التفريق بين (الناشط السياسي) و(الناشط الحقوقي).. بل أن بعض التعريفات لنشطاء توضع هكذا: (ناشط سياسي وحقوقي). كما أن هناك صعوبة في الفرز بين موضوعات حقوق الإنسان واستهدافات منظماته، وبين موضوعات السياسة واستهدافات أحزابها.

أكثر من ذلك، أصبحت عناوين مثل (المدافعين عن حقوق الإنسان) و(ناشطي حقوق الإنسان) تطلق على شباب مراهقين يقومون بحرق الإطارات وصناديق القمامة وتخريب الممتلكات العامة، فإذا ما اعتقلوا، على خلفية ما فعلوه، تصدّى ناشطون حقوقيون ليمنحوهم لقب (معتقلي الضمير) وليصبح ما جرى تحت مسمّى (اعتقال مدافعين عن حقوق الإنسان).

الجمعيات الحقوقية في البحرين لم تنفك عن السياسة، حتى صار صعباً التمييز بين الناشط الحقوقي والناشط السياسي

هذا الخلط بين (الحقوقي والسياسي) مقصود في بعض منه على الأقل. وهو يسبب حيرة لدى جميع الأطراف السياسية والحقوقية المعنية في البحرين. والقصد من هذا الخلط في جانب أساس منه، التعمية على نشاطات سياسية قد تتسم أحياناً بمخالفة القانون لا تستطيع المنظمات السياسية قبولها أو تبنيها. ولكن النشاط الحقوقي يستطيع الزعم بأنها (تعبير عن الرأي) وأن من يقوم بها يمكن حمايته والدفاع عنه ضمن إطار حقوق الإنسان.

ومن هنا نرى كيف يقتحم بعض الناشطين الحقوقيين ميدان السياسة (بمسمى حقوقي) فيصبحوا أكثر تشدداً في المواضيع السياسية من الجمعيات السياسية نفسها. بل وقد يأخذنا العجب أن نرى تداولاً لخطابات تحريض سياسي وكأنها خطابات حقوقية، ويدافع عنها على أرضية حقوقية.

إن الخلط المتعمد هذا، يضعف دعاة حقوق الإنسان ويظهرهم بمظهر المتجاوز لما يدعون إليه من مفاهيم وقيم، كما أنه يحجب أو يقلل التعاطف معهم على الصعيد الحقوقي العالمي، حين يجدون أن لا فرق بين الخطابين السياسي والحقوقي، وحين يرون الناشط الحقوقي أكثر انغماساً في السياسة وأكثر تشدداً فيها من السياسيين المعارضين أنفسهم. إن قضية حقوق الإنسان في البحرين في طريقها لأن تصبح مصدراً للتوتر السياسي والإجتماعي وقد تستهدف من قبل السلطات نفسها. ولذا فإن من الضروري اليوم إعادة رسم الحدود بين الموضوعات الحقوقية والسياسية، مهما كانت تلك الحدود مميعة وغير واضحة.

بيد أن السؤال الذي ما فتيء يطرق بال الناشطين الحقوقيين هو: هل البحرين حالة خاصة أم هي ظاهرة عامة تشمل بلداناً عربية وعالمثالثية؟

برغم أن الخلط ظاهرة عامة تشمل الكثير من البلدان، إلا أنها في البحرين تمثل حالة متميزة، بحيث تظافرت عوامل عديدة قادت الحقوقيين الى ميادين خارج الإطار المتعارف عليه دولياً في تحديد مواضيع الإهتمام بشؤون حقوق الإنسان.

الموضوع السياسي في البحرين كما في بلدان أخرى يلقي بظلاله على كل الموضوعات الأخرى، الإجتماعية والإقتصادية والحقوقية والأمنية. وبالتالي فإن الموضوع الحقوقي يتأثر بصورة مباشرة بالوضع السياسي المحلي، وطبيعة النظام السياسي. لا يمكن فصل موضوع حقوق الإنسان عن الجو السياسي، ولا عن التطورات السياسية في نظام الحكم.

من هنا ليس أمراً غريباً القول، بأن المنظمات السياسية البحرينية المعارضة قبل عصر الإصلاحات عام 2001م، أسست لنفسها هيئات حقوقية تتابع ملفات حقوق الإنسان، لتدافع من جهة عن معتقليها باعتبارهم سجناء ضمير، ولكي تقارع النظام إعلامياً وسياسياً، وتكشفه أمام الرأي العام. في تلك التنظيمات السياسية، كان الموضوع الحقوقي جزءً ملحقاً بالموضوع السياسي، أو بالأصح بالصراع السياسي، بغض النظر عن حجم القناعة لدى تلك التنظيمات بتلك الحقوق التي يحاكم النظام على أساسها.

لا غرو إذن أن يظهر السياسي البحريني داعية لحقوق إنسان إن تطلّب الأمر، فهو يقوم بالمهمتين معاً، وهو يحمل في جيبه بطاقتي تعريف: حقوقية وسياسية، يستخدمهما في مواضعهما حسب الحاجة.

وحين عاد المعارضون وانخرطوا في مشروع الإصلاحات، قامت منظمات حقوقية عديدة، ويمكن ملاحظة أن معظم من وقف وراء تأسيس تلك المنظمات هم من النشطاء السياسيين المنتمين الى أحزاب وتنظيمات سياسية معترف بها رسمياً وشاركت في الإنتخابات. وبعض هؤلاء لازالوا حتى الآن على رأس منظمات حقوقية، وفي نفس الوقت أعضاء في أحزابهم السياسية.

ماذا يعني هذا؟ إنه يعني بالتحديد أن الفصل بين الموضوع الحقوقي والسياسي لازال فصلاً وهمياً، وأنه يمكن الإستفادة من الموضوع الحقوقي لخدمة أغراض السياسة ووفق معاييرها. ولذا، نلاحظ أن تقييم الوضع الحقوقي في البحرين من قبل عدد من المنظمات الحقوقية ليس بعيداً عن الموقف السياسي، إن لم يكن بتحريض منه.

وللحق، فإن المواثيق الدولية، لا تتيح فصلاً كاملاً وواضحاً بين الموضوع السياسي والحقوقي. فمادامت هناك حقوقاً سياسية واجتماعية للأفراد والجماعات، فإنه يمكن مقاربتها حقوقياً، دونما انغماس كبير، ولكن الذي يحدث عندنا عكس ذلك.

بيد أن النقطة الأكثر أهمية، هي أن الناشطين الحقوقيين في البحرين، لم يخرّجوا فاعلين حقوقيين مدربين ومؤهلين، بقدر ما خرّجوا لنا نشطاء سياسيين بوجه حقوقي. قد تكون المشكلة في أحد جوانبها تعود الى نقص في التدريب والتأهيل، وقد تعود المشكلة الى حقيقة ان الوضع السياسي حاد الإستقطاب، بحيث استطاع إدخال الناشطين الحقوقيين في ماكنته بوعي منهم أو بغير وعي.

أياً تكن الأسباب فردية أو مجتمعة. فإن الجمعيات الحقوقية البحرينية، بحاجة الى إعادة نظر في ممارساتها، واستهدافاتها، والتزامها بالمعايير الحقوقية الدولية. هناك الكثير من الموضوعات الحقوقية التي تحتاج الى نضال كيما تنجز، ولكن كيف يكون ذلك إذا ما ترك الناشطون الحقوقيون ما هم معنيون به، وخاضوا في موضوعات سياسية لها رجالها وأحزابها؟