حتى لا تتيه البوصلة

رسم الملك في خطابه يوم 23/11/2011 الإتجاه العام للدولة في مرحلة ما بعد تقرير بسيوني، والذي يشمل قطيعة مع ماضي الأخطاء والإنتهاكات؛ وضرورة محاسبة المخطئين؛ وتعويض الضحايا؛ وصولاً الى الحوار والمصالحة الوطنية واستقرار سياسي دائم. هذا الموقف هو ما يجب أن تتوجه لتحقيقه وإنجاحه جهود كل القوى المجتمعية والسياسية والحكومية، باعتباره المخرج الصحيح للوضع السياسي والأمني وحالة التفكك الإجتماعي.

من غير الصحيح التمترس وراء المصالح الفئوية والحزبية للتملص من المسؤولية إزاء إنجاح تنفيذ توصيات التقرير، أياً كانت الحجج أو الإشكالات المطروحة فيما يتلعق بتوصيات تقرير بسيوني. نعلم أن هناك تحديات تقف أمام التطبيق، ولكن آمال البحرينيين كبيرة بأن تنفذ في أسرع وقت اعتماداً على الإرادة السياسية الصلبة التي تقف خلف تطبيقه، والتي عبر عنها الملك في خطابه آنف الذكر.

إن إفشال المساعي الحثيثة لإصلاح الوضع الحقوقي ومن ثمّ السياسي في البحرين، عملٌ لا يتسم بالحكمة، لأنه يطيل من عمر الأزمة من جهة، ولن يزيد في الرصيد السياسي لأيّ طرف، من جهة ثانية.

على صعيد آخر، وكما فتح تقرير بسيوني الباب أمام اللاعبين المحليين، فإنه يعتبر مدخلاً لتنظيم العلاقة بين الحكومة ومنظمات حقوق الإنسان الدولية والمفوضية السامية لحقوق الإنسان. ليس من المقبول أن تركز الجهات الحكومية جهدها في الطعن بتلك المنظمات، وتتعاطى معها بالسلبية أو الغموض وعدم الشفافية؛ كما ليس من المقبول أيضاً أن يكون عمل المنظمات الدولية مجرد التنديد والإستنكار للإنتهاكات، دون التمعن في الفرص الحقيقية لتطوير أوضاع حقوق الإنسان.

هناك بوادر واضحة بأن انهيار الثقة بين الحكومة والمنظمات الحقوقية، خلال الأشهر الماضية بالخصوص، قد شارف على الإنتهاء، من خلال مراجعة حكومية لطبيعة العلاقات معها، والتي نأمل أن تؤدي الى إصلاح الخطاب الحقوقي الرسمي، وأخذ انتقادات ورسائل تلك المنظمات الحقوقية على محمل من الجد وحسن النيّة. في الآونة الأخيرة، دعت حكومة البحرين المنظمات الدولية للتعاون معها، وإقامة المشاريع المشتركة، وحضور الفعاليات الحقوقية وغيرها؛ ونأمل في المقابل أن تلحظ هذه الرغبة المنظمات الدولية، وأن تغتنم الفرص القائمة في البحرين، والنيّة ?ي الإصلاحات، بحيث توسّع من إطار تفكيرها لتأسيس عمل حقوقي تعاوني يفيد البحرين استراتيجياً، ويمنعها من الإنزلاق مرّة أخرى في أحضان التوتر الإجتماعي والسياسي، وتجاوزات حقوق الإنسان.

أمامنا تقرير بسيوني، ونوايا رسمية نعتقد أنها صادقة في إصلاح الأوضاع، فلتبن على ذلك علاقة صحيّة سليمة بين الحكومة البحرينية والمنظمات الحقوقية الدولية، وليكن التعاون ابتداءً في مجال تطبيق توصيات تقرير بسيوني، بما يحمل من ملفات عديدة، نعتقد أن البحرين كدولة ومجتمع ومنظمات أهلية بحاجة الى خبرات تلك المنظمات بشأنها.

بمقدار ما هي البحرين بحاجة الى النقد والمراقبة، فإنها أكثر حاجة اليوم الى البناء التأسيسي السليم لوضع حقوقي مستقبلي أفضل.