مدافعون حقوقيون، لا معارضون سياسيون

منظمات حقوق الإنسان ليست حركات معارضة. والذين يعتقدون بأن عمل تلك المنظمات الإدانة والتنديد والتشهير فحسب، فهؤلاء مخطئون.

حقوق الإنسان بحاجة الى بنية تحتية تحميها. والبنية التحتية تتمثل في محاولة تغيير القوانين، والثقافة العامة لدى الناس والأنظمة نفسها. وهذا لا يتم إلا في ظل علاقة طبيعية غير متوترة ـ ولا نقول دافئة ـ بين الجمعيات الحقوقية والسلطة التنفيذية.

إن إقناع الحكومة ومؤسساتها الأمنية والقضائية والتنفيذية بتعديل قانون، أو لفت نظرها الى أن احترام حقوق المواطنين يمثل مصلحة لها، أهمّ ألف مرة من كل التنديد والتشهير.

المنظمات الحقوقية الدولية وغير الدولية مهتمة في محصلة الأمور بإصلاح الأوضاع، وليس بخلق صراع مع النظام السياسي أو معاداته.

بإمكان الحركات السياسية المعارضة أن تفعل ما يبدو لها. أما نشطاء حقوق الإنسان، فمهمتهم تقصير عمر الأزمات، ومدة معاناة المواطنين، وتخفيض نسبة الإنتهاكات، عبر تعديل القوانين والسياسات، ونشر الثقافة والإقناع المتواصل للمسؤولين بأهمية الإصلاح ومأسسة الموضوع الحقوقي كجزء من الحياة السياسية/ الحقوقية في البلاد.

أن ترمي النظام بحجر قد يكون أمراً سهلاً. لكن هل سيؤدي ذلك الى تغيير في الوضع الحقوقي على الأرض؟

هل من الضروري للوصول الى إصلاح الوضع الحقوقي أن نفتح معارك سياسية، ونجعل موضوع حقوق الإنسان بعبعاً يخيف النظام ورموزه وأجهزته؟ وهل هو كذلك فعلاً؟!

موضوع حقوق الإنسان لا يجب أن يكون منفراً للأنظمة. والناشط الحقوقي مطلوب منه أن يتفنن في مقاربة قضايا حقوق الإنسان وإقناع أصحاب القرار بها. فقد يكتشف بأن المسؤول يرى من مصلحته حماية الجانب الأكبر على الأقل من حقوق مواطنيه.

أما إذا تحوّل موضوع حقوق الإنسان الى سلاح بيد جماعة سياسية، أو حتى جماعة حقوقية شغلها الشاغل التنديد، وإثارة الغبش، وتضخيم المشاكل، دون أن تقترح حلاً أو تقدّم رؤية.. فهنا تتحول حقوق الإنسان الى مفردة غير مرغوب فيها كونها تسبب صداعاً بدلاً من أن تريح منه.

بعض المنظمات الحقوقية المحلية لا تدرك هذه الحقيقة، مع أنها معروفة لدى المنظمات الحقوقية الدولية الكبرى. فهذه الأخيرة عادة ما تهتم بفتح الحوار مع الدول والتعاون معها، ومساعدتها في تطبيق أجنداتها الحقوقية، ومماشاتها خطوة خطوة. هذا ما تفعله مع معظم الدول التي تبدي رغبة واستعداداً ـ حتى ولو كان قليلاً ـ في تطوير وضع حقوق الإنسان، ولديها الإرادة والرغبة وبذل الجهد في هذا المجال. ولكن هناك دول أخرى قليلة لا يفيد معها كلام المنطق ولا الحوار البناء، فهذه يتم التعاطي معها بقدر من التنديد، إضطراراً، وليس باعتباره الحالة المثلى والسياسة الثابتة.

البحرين نموذج يتقدم. هي ليست جنّة على الأرض، ولكنها ليست ناراً كما يصورها البعض. كيف يمكن لناشط حقوقي ذي عينين أن لا يرى تطوراً في الميدان الحقوقي أو السياسي؟ ولماذا يصرّ أشخاص يعتبرون أنفسهم من المدافعين عن حقوق الإنسان على جعل العلاقة بين السلطة التنفيذية وجمعيات حقوق الإنسان عدائية لا تعاونية.

مفتاح نجاح نشطاء حقوق الإنسان في البحرين هو أن لا يعتبروا أنفسهم حركات معارضة، سلمية كانت أو عنفية.