الطائفية وحقوق الإنسان

الطائفية نقيض مبادئ حقوق الإنسان، كما هي نقيض للإصلاح ومشاريع الإصلاح.

لا يمكن ان يكون هناك مشروعٌ إصلاحي حقيقي، ولا احترام لحقوق الإنسان في بلد ما، إن كانت الطائفية معشعشة في أركانه السياسية والإجتماعية وفي نخبه الثقافية والدينية.

الطائفية نقيض لفكرة المواطنة والمساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. إنها تشرعن التمييز بين البشر كما بين المواطنين. فلمجرد أنك من هذا الدين أو ذاك المذهب، تصبح مواطناً من الدرجة الأولى، أو من الدرجة الثانية، لك حقوق أو عليك تبعات تختلف عن غيرك. هذا خلاف العدل والروح الانسانية السويّة. إن ممارسة الطائفية يشكل عائقاً أمام تمتّع المواطنين بحقوقهم التي أقرها الدستور والمواثيق الدولية عامّة.

الطائفية تتنكّر لحقيقة بديهية أن الناس ولدوا أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، كما تتنكر لحقيقة أن التنوّع الثقافي والمذهبي ـ كما في البحرين ـ مصدر إثراء وتقدّم ورفاهية المجتمعات عامّة. ويفترض أن نسلّم بحقيقة التنوّع في بلادنا، وفائدته، وتقديره حقّ قدره، وحمايته وقبوله، بل والدفاع عنه، وعدم النظرة اليه كمصدر للفتنة والخطر وعدم الإستقرار.

والطائفية فوق هذا تعمل على النقيض من حقوق الانسان التي تؤكد على مبادئ المساواة وعدم التمييز الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي تشجع على احترام الحريات الأساسية للجميع دون تمييز من أيّ نوع سواء على أساس العنصر او اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غيره، أو الأصل القومي أو الإجتماعي أو المولد وغيرها.

والطائفية من طبعها إشعال الكراهية والتعصب تجاه الآخر، أياً كان، فما بالك إن كان مواطناً؟! الطائفية مصنع متكامل للأحقاد والبغضاء والكراهية العمياء، كما أنها محرّض في الوقت نفسه على الفتنة والإعتداء على الآخر المختلف والتعدّي على كرامته كبشر قبل أن يكون مواطناً. إنها ليس فقط تمنع إقامة علاقات طبيعية وودية وسلميّة فيما بين المواطنين، بل أيضاً هي سبب لكثير من النزاعات المحليّة. إن الطائفية أداة فعّالة في تخريب السلم الاجتماعي، وتهديد أمن المواطنين، بما ينعكس سلباً على الاستقرار السياسي، وعلى حياة الناس اليومية بشكل مباشر.

الطائفية نقيض لكل القيم التي جاءت بها الأديان وفي مقدمها الإسلام، وأقرّتها البشرية في مواثيق حقوق الإنسان، من عدالة وتسامح وحرية وأخوة واعتدال ومساواة وغيرها. ولا يمكن قبول أيّ مذهب يدّعي الأفضلية معتمداً على أسس عنصرية زائفة، أو على مزاعم امتلاكه الحقيقة الدينية، والفرقة الناجية.. فهكذا مدّعى غير مقبول علمياً، ومدان أخلاقياً، وظالم لأتباعه كما للآخرين، كما أنه خطير اجتماعياً كونه يؤسس انشقاقات مجتمعية ويزرع الفتن والتعصّب ويمهّد الطريق لعدم الاستقرار.

وبديهي ان ارتفاع منسوب الطائفية في التعبير السياسي، أو في المنابر الدينية، أو في السلوك العام للأفراد والمؤسسات: خطر، وينمّ عن ضيق أُفق، خاصة وأننا نطلّ على نوافذ عديدة من الصراعات الطائفية، ونستشعر كم هي المأساة التي تخلفها. ان الانجرار وراء عاطفة طائفية غير معقلنة، وغير منضبطة بضوابط الإسلام والدستور والقانون، يحمل اساءة كبيرة للتغييرات الإيجابية الكثيرة التي جاء بها المشروع الإصلاحي. إنه يحمل شواهد إساءة استخدام هامش الحرية المتاح، وإساءة استخدام السلطة التي يتمتع بها بعض الأفراد من المسؤولين وأعضاء البرلمان.

وحسناً فعل الملك في خطابه بمناسبة الذكرى العاشرة لتوليه الحكم، حين أكد على ترسيخ حالة الوئام بين مختلف المنابت والأصول، وأشار الى حقيقة أن مجتمع الوئام هو مجتمع الوحدة الوطنية. ورأى أن المحافظة على الوئام لا يتم إلا بمشاركة الجميع (فاليد الواحدة لا تصفق وعلينا ان نتكاتف يداً بيد لتحقيق ذلك).