التحول الديمقراطي وتحسين مستوى المعيشة

لا ديمقراطية سياسية بدون عدالة اجتماعية، ولا تحول حقيقي باتجاه الديمقراطية إن لم يشعر المواطنون بأن حقوقهم الإجتماعية والاقتصادية مؤمنة. وإذا كانت المعضلة السياسية الناتجة عن غياب الحريات العامة ـ خاصة في البلدان العربية ـ قد تركت آثارها السلبية الواضحة على النسيج الإجتماعي، فإنها بقدر أكبر قد ساهمت في تدمير البنى الإقتصادية، أو على الأقل سببت اختلالا بيّناً في توزيع الثروة والخدمات، كما سببت في جانب آخر تدنياً في مستوى المعيشة وتزايد حالات الفقر واستطالة صفوف العاطلين عن العمل، وتضاؤل الإنتاج، وزيادة التفاوت الطبقي.

بهذا المعنى يمكن القول بأن الكبت السياسي ينتج عنه تدهور في الحياة الإقتصادية، واختلال في ميزان العدالة الاجتماعية، وتآكل في النسيج الإجتماعي، ما يفرز بدوره تغييراً سلبياً في معنى مفهوم المواطنة الصالحة ومتطلباتها، كما في الهوية الوطنية نفسها، بحيث لا تبدو الأخيرة قادرة على حمل أوزار الإستبداد السياسي، وترقيع الإنهيارات المتعددة في الميادين المختلفة.

لكن السؤال المهم هو: هل يعني التحول نحو الديمقراطية علاجاً لتلك المشاكل؟

نظرياً، نعم. إذا كان التحوّل صحيحاً وجاداً. ويمكن قياس تطبيق الآليات الديمقراطية بما ينعكس منه إيجابياً على حياة الأفراد، الذين لا يبحثون فقط عن الحرية بشتى جوانبها، ولكن الأكثرية بدرجة أكبر تبحث عن تحسين مستوى معيشة أفرادها.

فالتحول الديمقراطي يصبح بلا معنى، إن استمرت طوابير العاطلين عن العمل، وإن تزايدت مؤشرات الفساد، وإن بقيت الخدمات الحكومية على حالها أو تدنّت مستوياتها.. فهذا ينبيء عن خلل كبير في المسيرة السياسية نفسها. هذا يؤشر الى غياب مبدأ الشفافية والمحاسبة، والى ضعف السلطة التشريعية المنتخبة في القيام بدورها، والى ضعف الإرادة السياسية في البدء بحياة سياسية نظيفة، خاصة من قبل السلطة التنفيذية.

وحين تستمر الصراعات الفئوية، الطائفية أو القبلية، أو تتزايد حالات العنف والشغب، أو تتصاعد حالات انتهاك حقوق الإنسان، فهذا مؤشر على أن ثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان لم تترسخ بعد في الوجدان الشعبي والرسمي، كما ويؤشر الى حقيقة ضعف السلطة القضائية وعدم قدرتها على القيام بدورها، وكذلك ضعف مؤسسات المجتمع المدني التي لم تغير واقع حال المواطنين أو تقدم لهم الآليات المناسبة لمواجهة التحديات التي تجبههم في حياتهم اليومية.

نحن نقول بأن البحرين تمر بمرحلة تحول نحو الديمقراطية، ومظاهر ذلك معروفة ولا داعي لذكرها. ولكن بأي مقدار كان ذاك التحول مؤثراً في ثقافة المواطنين ومفاهيمهم ومعاشهم؟ الى اي مدى اقتربنا من تحقيق مفاهيم العدالة الاجتماعية؟ الى أي حد حفّزت الأدوات الديمقراطية الجهاز الخدمي الحكومي في تحسين أدائه؟ وهل قدم لنا التحول باتجاه الديمقراطية أدوات أو أسلحة جديدة نكافح بها غائلة البطالة والفقر والرشوة وكل مظاهر الفساد الأخرى؟

نحن مقتنعون، بأن تطوراً في الخدمات قد حدث، وكذلك في مكافحة البطالة، وهناك جهود في محاربة الفساد، ولحظنا تغيراً في الثقافة العامة باتجاه احترام الرأي الآخر بما يعزز ثقافة حقوق الإنسان، وحتى في الجانب التشريعي والقضائي، لمسنا شيئاً من التغيير الإيجابي. ولكن هل هذا كاف؟

إن لم يغير التحول باتجاه الديمقراطية أوضاعنا وثقافتنا وأداءنا بشكل إيجابي، فهذا يعني خللاً في المسيرة الديمقراطية. وإن حقق التحول إيجابيات في هذا الصعيد أو ذاك، وهو ما نلمس جوانب منه، فكيف يمكن قياسها، وكيف نحدث ثورة في الجهاز البيروقراطي والقضائي والتشريعي ترسخ قيم الديمقراطية وتنقلنا الى ضفتها أو قريباً منها؟.