البحرين: الموقف من التقارير الدولية؟

لا تشعر الحكومات في العالم العربي بارتياح إزاء التقارير الحقوقية الدولية عنها، فهي تتوقع من كل تقرير وبيان ونشاط، أن يكون في غير صالحها، ما يشعرها بالنفور من كل ما يمتّ الى العمل الحقوقي الدولي بصلة. وسبب النفور والإنزعاج هذا، يعود الى أن التقارير الحقوقية يجري استخدامها سياسياً وإعلامياً ضد أنظمة الحكم، كونها تكشف خفايا وقضايا تجاوزات تشوّه وجه النظام الذي يريد أن يكون أبيضاً أو مستوراً أمام العالم. ولأن المشكلة السياسية ضاربة أطنابها في العالم العربي، كون معظمها يتصف بالتسلّط والقمع، فقد وجد المعارضون المحليّون في تلك التقارير أداة للصراع السياسي، وهو أمرٌ تقوم به بعض الدول (الغربية عادة) ضد دول عدوّة من العالم الثالث.

الظاهرة الواضحة، أنه كلما انفرج الوضع السياسي في بلد ما، كلّما تطوّر الوضع الحقوقي فيه، وانخفض قلق وغضب الحاكمين والمسؤولين تجاه تلك التقارير الحقوقية. وفي بعض الأحيان، فإن تشبّث أنظمة تسلطية بسياسة القمع والإستبداد، يدفعها الى خلق منظمات حقوقية تابعة لها، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من أجل التعمية والتغطية، ولتتحول تلك المنظمات الى أدوات في مواجهة المعارضين والمنتقدين. أما في الأنظمة التي تتحول نحو الديمقراطية، كما في البحرين والمغرب بالذات، فإن قلقها من نشاط المنظمات الحقوقية وتقاريرها ينخفض باستمرار كلما مضت في عمليّة الدمقرطة، التي تنمي شعور الثقة باستقرار النظام السياسي، خاصة مع وجود منظمات محليّة حقوقية مستقلة تقوم بمراقبة ونقد التجاوزات التي تحدث، وهو أمرٌ يفترض أن ينسجم مع توجهاتها الجديدة، حيث التلازم بين الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

في البحرين، لاحظنا قدراً من الإيجابية في التعاطي مع المنظمات الحقوقية الدولية، حيث سمح لها بزيارة البلاد، وأُفسح لبعضها القيام بنشاطات، كما تجاوبت الحكومة مع بعض الإستفسارات وأجابت في أحيان أخرى على التساؤلات. ولكن، لازال هنالك قدرٌ من الإمتعاض الحكومي على التقارير الدولية، حيث يرى البعض بأنها لا تعكس في كثير من الأحيان التطورات الإيجابية التي قامت على أرض الواقع، والمبالغة في تغطية بعض التجاوزات، أو اعتماد معلومات لا مصداقية لها، فضلاً عن عدم أخذ الموقف الرسمي بعين الإعتبار.

وفي رأينا، فإن المطلوب: أولاً) أن تشجّع الحكومة ابتداءً حضور المنظمات الدولية الى البحرين للإطلاع والتحقيق، وأن تتعاون معها بشكل أكثر جديّة. وثانياً) أن تتعاطى مع التقارير بشكل إيجابي، فتدرسها وترى أخطاءها لتقوم بعمليّة التصحيح الذاتي لسلوكها. وثالثاً) أن تتواصل مع تلك المنظمات وتوضّح لها الثغرات في التقارير التي تنشرها، وفي الغالب فإن تلك المنظمات ترحب بالتوضيحات. ورابعاً) أن لا تضخم الحكومة من التأثير السلبي لتلك التقارير على سمعتها ووضعها الداخلي، طالما أن هناك عمليّة سياسية حقيقية قائمة، وأن مساحة الحرية في التعبير واسعة، بحيث أن الإستثمار السلبي لتلك التقارير سياسياً قد ضعف فعلاً في ظل الأجواء الحالية من الإنفتاح، وفي ظل توفّر بدائل التعبير، ووجود الإستقرار السياسي. وأخيراً) فإن الحكومة مطالبة بأن تصدر هي تقاريرها الحقوقية، تكشف فيها الإيجابيات والتحديات والأخطاء. وهي جديرة بأن تفعل ذلك.

حسن موسى الشفيعي

رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان