(التحقيق) مخرج من أزمة الإتهامات

المزاعم التي تتحدث عن انتهاكات حكومية لحقوق مواطنيها متعددة، فما أن تقع حادثة أو تثار قضية إلا وأُلقي باللوم على الحكومة، وفي كل الظروف والأحوال كانت المنظمات الحقوقية الدولية تطالب الحكومة (بتحقيقات مستقلة) لكشف الحقائق. من جانبها تنفي الحكومة قيامها بخروقات، وفي بعض الأحيان توضح رأيها أو تلقي باللائمة على جهات أخرى، أو تجري تحقيقات لا تنشرها أو تنشر قدراً قليلاً منها بدون تفاصيل، وتحتفظ بالباقي لنفسها.

ومع تعدّد الإتهامات والمزاعم، ومع أنه ثبت في بعضها ـ على الأقل ـ أنها مسيّسة، أو أنها كاذبة، أو أنها مغالى فيها ومضخّمة.. ومع تكرار الشكوى من قبل المنظمات الحقوقية بشأن حوادث محددة.. لا يبقى أمام الحكومة إلا أن تقبل التحدّي، وتتغلّب على مخاوفها وتقدم على خطوات من شأنها إقناع الرأي العام الحقوقي المحلي والخارجي بصحّة موقفها.

وأمامنا نموذج أخير لما نتحدث عنه، وهو المتعلق بقضية جعفر كاظم ابراهيم، حيث ثبت كذب الإدّعاءات التي لصقت بالحكومة، ولكن الأخيرة لم تنشر معلومات كثيرة حول القضية لحساسيتها المتعلقة بمسائل الشرف والخصوصيات الفردية. لقد أصدرت المنظمات الحقوقية الدولية بيانات مستعجلة، ولكنها كتبت الى الحكومة مطالبة بالتحقيق، وأمام الصور التي نشرت عن الضحية، وهي إحدى مبررات إصدار البيانات العلنيّة.. فإن بعض تلك المنظمات لم تقتنع حتى الآن بالمعلومات التي قدّمتها الحكومة، رغم قناعة الرأي العام المحلي بصدق الموقف الحكومي.

بمعنى آخر، لاتزال المنظمات الدولية تلك تطالب بالتحقيق المستقل في المزاعم المثارة حول قضية جعفر ابراهيم، وهي نفسها لاتزال مقتنعة بحدوث بعض الإنتهاكات في قضايا أخرى.. ولهذا كله، لا يبدو في الأفق حلّ آخر غير التحقيق، الكفيل بكشف الحقيقة.

مشكلة الحكومة المتكررة أنها لا تمتلك آليات يعتمد عليها في القيام بالتحقيق المستقل والمحايد. وقد لا توجد جهات محددة مستقلة أو رسمية تتولى مهمة التحقيق وتحوز على ثقة الطرفين: الحكومة، والمنظمات الحقوقية.

ترى المنظمات الدولية ضرورة تولي جهة مستقلة التحقيق، تكون من خارج مؤسسات الدولة (مثل جمعية المحامين/ أو جمعية حقوق الإنسان/ أو ترويكة من مؤسسات المجتمع المدني).

السؤال: لماذا تخشى الحكومة التحقيق المستقل؟!

الأسباب مختلفة، ولكن أهمها ثلاثة أمور: الأول ويتعلق بإلحاح الحكومة على أن تكون مؤسسات الدولة ذات صفة مرجعية في كل القضايا. والثاني يتعلق بعدم ثقتها في حيادية المؤسسات غير الرسمية، وترى أن بعضها على الأقل مسيّسة في نشاطاتها، او قد لا تثق بكفاءتها وخبرتها للقيام بهكذا مهمات تحقيق. والثالث، يتعلق بالشعور بأن مؤسسات ورجال الدولة فوق الشبهات، ولا يمكن وضعهم أمام المساءلة من جهات غير حكومية.

السؤال مشروع: ماذا لو قامت مؤسسات مجتمع مدني بمهمة التحقيق وأثبتت أنها ليست أهلاً للمهمة؟ ألا يعزز ذلك الفجوة في العلاقة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني؟ وهل ستقبل الحكومة في المستقبل هكذا مؤسسات لتكلفها بالمهمّة؟!

لكن ليس هناك حلّ إلا أن تقبل الحكومة بالتحقيق، وأن تتفق مع الأطراف المعنية على ضوابطه الصارمة، وأن تتحمّل النتائج أياً كانت، وأن تساهم بخلق الثقة في المؤسسات الحقوقية، وأن تعين الأخيرة كيما تستكمل خبرتها وتجربتها محلياً.

حسن موسى الشفيعي

رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان