البحرين: الطريق لكشف مزاعم التعذيب

معظم الحكومات في العالم، وبعضها ديمقراطية، لا تشعر بارتياح من ملاحقة المنظمات الحقوقية لملف الإنتهاكات التي تحدث في بلدانها، حتى وإن كان بعضها من حيث المبدأ يدعم ويساعد تلك المنظمات في أداء رسالتها. ولكن حين تقف عند أعتاب الدار، يشعر السياسيون بأن التقارير الحقوقية قد تؤثر على موقعهم سياسياً او إنتخابياً.

ما يجري من انتهاكات في البلدان الديمقراطية أو التي تتحول باتجاهها تعبّر عن حوادث فرديّة، لا يمكن القضاء عليها تماماً. لكن الأمر يختلف في البلدان المستبدّة التي تعتمد الإنتهاكات لحقوق مواطنيها كأساس ومنهج.

والسؤال: لماذا تتحفظ الدول الديمقراطية او المتجهة نحوها، من تدخل المنظمات الدولية الحقوقية، فترفض أحياناً طلبات زيارتها، والتحقيق في المدعيات والمزاعم عن التجاوزات، أو مقابلة المعتقلين والتحقيق بشأن السجون؟ فطالما أن السياسة العامّة في تلك الدول تجرّم التعذيب وحرمان المعتقلين من حقوقهم، مثلا، وطالما أن الإنتهاكات التي قد تقع غير مغطّاة قانونياً ويحاسب عليها؟

قد يفسّر تحفظ الحكومات في غير صالحها، وقد يؤكد المزاعم التي تقال ضدها، وهذا أسوأ بكثير مما يمكن أن ينتج عنه القبول والتعاون مع الحقوقيين الدوليين والمحليين.

عادة ما يطرح مبرران حكوميان للتحفظ: أولهما الخشية من التسييس والتشهير، والثاني يتعلق بالمساس بسيادة الدولة المعنية. لهذا تلجأ بعض الحكومات الى اعتماد آليات محليّة في مراقبة أوضاع سجونها، وهي بلا شك آليات ثبتت فاعليتها بنحو كبير.

بالنسبة للبحرين، فإن زيارات الصليب الأحمر الدولي مستمرة ومتكررة، ولا تشعر الحكومة البحرينية بحرج تجاه تلك الزيارات والنتائج التي يتم التوصل لها، ومتابعة تنفيذ بعضها. المسألة هنا واضحة، فالصليب الأحمر الدولي لا يصدر تقارير علنيّة وإنما يتم مناقشة الحكومات مباشرة في المواضيع ذات الصلة بزيارات مسؤوليه للسجون. أي أن مسألتي (التشهير الإعلامي) وبالتالي (التسييس) مستبعدة.

زادت في الآونة الأخيرة بيانات المنظمات المحليّة والدوليّة التي تتحدّث عن مزاعم حدوث تجاوزات في السجون البحرينية. من جانب الحكومة، فإنها تنفي ذلك، في حين تشدد المنظمات المحلية على حدوث تلك التجاوزات. في مثل هذه الحالة، كيف يمكن معرفة الحقيقة؟

كحكومة، حاولت البحرين في الفترة الماضية فتح سجونها أمام المنظمات الحقوقية البحرينية. وفعلاً قامت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان بعدّة زيارات للسجون، ولكن السلطات قررت وقف التعاون معها في هذا المجال. ويبدو ان السبب يعود الى: (التشهير، والتسييس). وبذا لم تتكشف الحقيقة حتى الآن، من وجهة نظر المنظمات الحقوقية. فما هو الحل المتاح؟

أولاً ـ الإحتكام الى القضاء في معالجة الموضوع، والقبول بما يصل اليه القضاء من نتائج.

ثانياً ـ القبول بنتائج اللجان الطبيّة التي تحقق في مزاعم التعذيب، وقد تم تشكيل لجنتين طبيتين مستقلتين في قضيتين مختلفتين، لم تحسما مسألة وقوع أو عدم وقوع التعذيب.

ثالثاً ـ أن تقوم الجهة المشرفة على السجون بإجراء التحقيقات بشكل مستمر، وقد أعلن وزير الداخلية أمام البرلمان أنه قد تم الكشف عن انتهاكات وأن المسؤولين تمت محاسبتهم وفق القانون.

رابعاً ـ تستطيع الحكومة ـ رغم أنها تعتبر ذلك أمراً سيادياً ـ أن تطلب من جهات حقوقية دولية مستقلة ومعروفة بخبرتها في هذا المجال، أن تجري تحقيقاً في الأمر، فتكون الحكومة قد برأت ذمتها، وأثبتت أنها لا تخشى من إطلاع العالم على ما يجري في سجونها، وأن لديها الإستعداد فيما لو ثبت وقوع تجاوز خلاف القانون أن تحاسب المقصرين.

حسن موسى الشفيعي

رئيس مرصد البحرين لحقوق الإنسان