حل واحد للملفين السياسي والحقوقي

المراقب للوضع البحريني، يلحظ تداخلاً الى حد الإندماج، بين المشكلين السياسي والحقوقي، ليس فقط في ذهن اللاعبين السياسيين المحليين، بل وحتى في رؤية الجهات الدولية السياسية والحقوقية للشأن البحريني، بحيث يخرج المرء بنتيجة واحدة، هي أن ملفي حقوق الإنسان والأزمة السياسية متلاصقان، ويعبّر أحدهما عن الآخر.

في ظل الإستقرار السياسي، ووجود عملية سياسية وإصلاحات، كان لزاماً علينا التأكيد على الفصل التام بين الموضوعين السياسي والحقوقي على مستوى النشاط المحلي ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات السياسية؛ إذ لا يمكن أن يتطور عمل المنظمات الحقوقية، ولا أن يتطور أداء الجمعيات السياسية بدون هذا الفصل، فلكل عمل أدواته وغاياته وخطابه ورجاله، ومن شاء ان ينخرط في العمل السياسي فليفعل عبر الجمعيات، ومن شاء أن ينخرط في المنظمات الحقوقية فالقانون يتيح له ذلك من خلال المؤسسات القائمة او طلب تأسيس جمعيات حقوقية جديدة.

هذا ما كنا نؤكد عليه قبل ان تعصف بالبلاد الأزمة السياسية الأخيرة، وهذا هو رأي كل المنظمات الحقوقية في العالم.

بيد أن الأحداث التي وقعت في البحرين منذ سنوات ثلاث، ألغت الخطوط الفاصلة بين الموضوعين الحقوقي والسياسي، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وصار الموضوع الحقوقي جزءً من السياسي، والعكس صحيح، بحيث لا يمكن اليوم النظر الى نشاط المؤسسات الحقوقية الدولية بما فيها نشاط المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمواقف التي تعلن عنها، سوى جزء من سياسات الدول تجاه البحرين عامة، وليس تجاه الملف الحقوقي بعينه فحسب.

ولهذا نلحظ، ان المطالب السياسية متداخلة مع الحقوقية، ولا أدلّ على ذلك تقرير بسيوني نفسه؛ وكذلك التوصيات التي قبلتها البحرين والصادرة عن مجلس حقوق الإنسان في يونيو 2012، في اطار المراجعة الدورية الشاملة، حيث من الواضح ان جزء كبيراً منها يتعلق بالشقّ السياسي. بل أن المسؤولين البحرينيين يُطلعون الجهات الحقوقية الدولية على تطورات الوضع السياسي، إيماناً منهم بتأثيرها على الوضع الحقوقي. فمثلاً، يشير بيان وزارة الخارجية البحرينية المتعلق باجتماع وزيرها مع نافي بيلاي في يناير 2014، الى أن الوزير أطلعها (على آخر التطورات الحقوقية والسياسية، والتي كان آخرها اجتماع ولي العهد مع الأطراف المشاركة في حوار التوافق الوطني) وأنه (استعرض المرحلة الجديدة للحوار التي ستتسم بالجديّة والمصداقيّة والمسؤولية التي تضع المصلحة الوطنيّة فوق كل اعتبار).

وفي المقابل، فإن النقاشات السياسية بين البحرين والدول، لا تكتفي هذه الأخيرة بالحديث عن الأزمة السياسية فقط، بل تتحدّث ايضاً عن الموضوع الحقوقي، وهذا ما تعكسه البيانات الصادرة من تلك الدول عقب كل اجتماع مع الجهات البحرينية الرسمية.

أيضاً نلاحظ أن الموضوع الحقوقي صار في صلب العمل السياسي وأثر بشكل كبير على البحرين نفسها:

فقد تأثرت علاقات البحرين السياسية مع دول ومنظمات دولية بسبب الملف الحقوقي؛ كما تأثرت بالسلب سمعتها أيضاً، من خلال تداخل الإعلام بالسياسة.

لاحظنا أن كثيراً من الدول تنسّق سياساتها الحقوقية وطريقة إخراج تلك السياسات، كما لو كان الموضوع الحقوقي سياسياً بامتياز. مثال ذلك: تنسيق دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، بحيث تبنّت دول معيّنة طرح مبادرات وانتقادات للبحرين، فيما دعمتها البقية بالتأييد والتوقيع.

هناك قناعة شائعة بين الدول والمؤسسات الحقوقية، بأن مشكلة البحرين في جوهرها سياسية، وأن التجاوزات في مجال حقوق الإنسان إنما جاءت بسبب الصراع وعدم الإستقرار السياسي. ولهذا لا يغيب موضوع الحل السياسي في معظم تقارير وبيانات الجهات الدولية.

ولتأكيد محورية الموضوع السياسي، فإن الدول الغربية بالذات، تجتمع مع منظمات حقوق الانسان الدولية، للتنسيق وتبادل المعلومات، ولتحديد كيفية تناول الملف البحريني.

ما نخلص اليه هنا هو أن تداخل الملفين الحقوقي والسياسي يعني التالي:

ان لا حلّ للأزمة السياسية عبر الحوار الوطني بدون التصدّي لأهمّ المفاصل الحسّاسة في الملف الحقوقي. مع اعتقادنا بأن أي تقدّم في الحوار الوطني، ستضاف قيمته الى الجانب الحقوقي، كما أن أي انتكاسة للحوار الوطني، ستؤثر سلباً على أوضاع حقوق الإنسان، وعلى التقييم الدولي العام للوضع الحقوقي البحريني. ذلك أن المجتمع الدولي لا ينظر الى الملف الحقوقي منفرداً، بل بعيون سياسية؛ وهو يأمل بأن ينجح الحوار وتحلّ المعضلة الأساسية.