مضاعفات أحداث الشغب على حقوق الإنسان

منذ منتصف نوفمبر الماضي بدأت الحرائق في عدد من القرى تشتعل من جديد.

لقد كانت مجرد بداية لصناعة الأزمة وخلقها من جهة التيار المتشدد (حركة احرار البحرين، حركة حق، مركز البحرين لحقوق الإنسان) الذي لا يستطيع العيش في أجواء الهدوء، ولا في أجواء التسامح، وإنما في أجواء الإضطراب الأمني، لاستثماره سياسياً.

انها سياسة خلق الفتنة.. تبدأ بالتحريض عبر البيانات المكثفة، والخطب والمنشورات تدعو الشباب والاطفال للمواجهة، فتشتعل النار في حاويات القمامة، والإطارات، ويتم خلالها تكسير الممتلكات العامة واتلافها كمحولات الكهرباء وقطع الطرق، وغيرها.

بعدها يبدأ الصدام مع قوات مكافحة الشغب، حيث تطلّ على القرى سحب من الدخان الممتزج بالغازات المسيلة للدموع، وليلقي الشبّان المحرّضون القنابل الحارقة على رجال الشرطة وسياراتهم.

مسلسل شهدناه منذ سنوات، ما أن يهدأ حتى يبدأ من جديد للعودة، وبنفس الطرق والأساليب.

في نوفمبر الماضي أصيب رجل شرطة بحروق بالغة بسبب القنابل النارية. وقد اعتقلت الحكومة خمسة من الشبان وجهت لهم تهمة محاولة قتل رجل أمن.

وفي الطرف الآخر أصيب عدّة شبان وأطفال بإصابات قيل أنها نتيجة استخدام سلاح الشوزن من قبل رجال الأمن.

وكالعادة أيضاً، انبرى المتشددون فأصدروا بياناتهم التي تفيد بأن من اعتقل ما هم إلاّ ناشطون حقوقيون، وروجوا في وسائل اعلام أجنبية بأن المعتقلين مجرد مجموعة من الشباب اعتقلوا أثناء قيامهم بنشاطات (سلميّة)، طالبوا فيها بمزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في البحرين!، وأن هؤلاء الشباب ما هم إلاّ ضحايا العنف المفرط المستخدم ضدّهم!

وهكذا ـ وكما تعودنا في أحداث ماضية ـ تصبح قضية حقوق الإنسان الشماعة التي تتخفّى وراءها دعوات العنف والمواجهة والتشدد. ويصبح العنفيون المعتقلون وبقدرة قادر (ناشطون حقوقيون) اعتدي عليهم.

حقوق الإنسان هي ضحية هذا الشغب والعنف الذي يبدو أنه سيستمر حتى منتصف هذا الشهر ديسمبر ـ على الأقل!، حيث الذروة تكون في مناسبة عيد الشهداء، الذي لا يحييه في هذا الوقت إلا التيار المتشدد، والذي يصادف قبل يوم واحد من العيد الوطني.

لقد انتهكت حقوق الإنسان مراراً من قبل مجموعة ترفع راية حقوق الإنسان وتتحدث باسمه.

حرية التعبير هي الأخرى صارت ضحية هنا، فمع ان حرية التجمع والتظاهر متاحة في البحرين، إلا أن هؤلاء العنفيين يريدون تقليص هذا الهامش من خلال العنف الذي يمارسونه في الشارع وعدم التقيّد بالأنظمة والقوانين.

المواطنون أنفسهم ممن يسكنون القرى التي تشهد المزيد من الحرائق مساءً هم أيضاً ضحايا، حين تمتلئ مساكنهم بالدخان، وحين لا يستطيع الكثير منهم الخروج من (والدخول الى) منزله.

وتأتي هذه الأحداث بعد فترة وجيزة من الهدوء من تبرئة بعض المتهمين في قضية كرزكان. ولكن دعاة خلق الفتنة لم يكونوا قادرين على العيش في الجو المنفتح والحر والمتسامح، فكان لا بدّ من تعكيره ومواصلة مسيرة العنف. فإذا ما سقط ضحايا قتلى، تم اتهام الحكومة ورجال الأمن بأنهم وراء ذلك. وإذا ما اعتقل البعض على خلفية الاحداث والحرائق والعنف، صدرت البيانات عن انتهاكات حقوق الإنسان، وصنعت اشاعات بأن الاتهامات ملفّقة. وإذا ما عفت عنهم الحكومة، قالوا: كسرنا وهزمنا الحكومة، وليس لها فضل! وإذا ما حوكموا صرخوا في بيانات (حقوقية) بأن المعتقلين ما هم إلا (نشطاء حقوق إنسان)! وإذا ما توسّط البعض لدى الملك والحكومة بأن يعفو عن المتهمين انزعج دعاة الفتنة وقالوا: نحن نريدهم في السجن، لماذا تتدخلون؟! مع أنهم يطالبون المنظمات الحقوقية الدولية والعربية بالتدخل وإصدار بيانات الإستنكار.

ولأن مشهد العنف والشغب صار متكرراً في البحرين، نود هنا أن نوصل ثلاث رسائل الى جهات ثلاث:

الأولى ـ الى المنظمات الحقوقية الدولية والعربية، وهذه مطالبة بأن تدين العنف ابتداءً، وان تتفهم خلفية الأحداث وأبعادها السياسية، فما يجري من قبل المتشددين لا علاقة له بدفاع عن حقوق الإنسان، ولا مبرر له سياسياً، خاصة وأن هناك عملية سياسية قائمة، وأن جميع القوى السياسية الحيّة تستعد للإنتخابات النيابية القادمة. لقد تورطت في وقت سابق بعض المنظمات في اصدار بيانات بناء على معلومات خاطئة او معلومات ناقصة جاءت من مصدر واحد، وهي مطالبة الآن بأن تتأنّى وتعيد تقييمها للوضع، وإن شاءت زيارة البحرين، فيمكنها ذلك للتعرف على الأوضاع عن قرب، والإلتقاء بكافة قوى المجتمع المدني والجمعيات السياسية لسماع رأيها وموقفها.

الثانية ـ الى منظمات المجتمع المدني المحلية وكذلك الجمعيات السياسية، والتي لم تغيّر موقفها القائم على الصمت مع الإدانة القلبيّة للعنف دون التصريح بذلك. إن سكوت الجمعيات السياسية بالذات عن إدانة العنف علناً يشجّع دعاته على الإستمرار، وهو لا يخدم الجمعيات السياسية نفسها التي تنأى بنفسها عن الحدث مؤملة ان تقوم الحكومة بما هو مطلوب منها دون أن تقحم نفسها في ذلك. بعض الجمعيات شعرت باليأس من تدخلها وعدم قدرتها على إقناع دعاة العنف عن التوقف. واذا كان هذا صحيحاً، فإن رسالة ما يجب ان توجّه الى الجمهور تندد بالعنف تبدو مطلوبة في الوقت الحالي. ان صمت القوى السياسية هو الذي يجعل ضحايا الشغب من سكان القرى غير قادرين على إيقاف مسلسل الحرائق والتخريب، لأنهم ينتظرون التوجيه من القوى الفاعلة في المجتمع، سياسية كانت أم دينية.

الثالثة ـ الى الحكومة نفسها، فنحن ندعوها الى عدم الإفراط في استخدام القوة في مواجهة دعاة الشغب، وأن لا يستخدم الرصاص الحي أو الشوزن، كما ندعوها الى حسم موضوع الشغب والقائمين عليه وفق القانون. كل من يتورط في العنف والشغب يقدم الى المحاكمة العادلة والعلنية، ولا يمنح عفواً يشجّع غيره على الإستمرار ومواصلة طريق الشغب والتخريب.