بأمر ملكي: إطلاق سراح 178 معتقلاً

محاصرة العنف رسمياً وشعبياً

فوجيء المواطنون في 11 أبريل الماضي بصدور عفو ملكي عن 178 محكوماً في قضايا أمنية، شملت الشيخ محمد المقداد، وحسن المشيمع، ومن عرفوا باسم متهمي الحجيرة، وآخرين كانوا قد اتهموا باشعال الحرائق. أما أولئك الذين تسببوا في وفاة عامل وافد ورجل شرطة عبر مهاجمة سيارتيهما، فلازالوا معتقلين ريثما تحل المشكلة مع عائلتي الضحيتين. في حين تم إطلاق سراح بقية المعتقلين في اليوم التالي من العفو الملكي 12/4/2009، وسط فرح كبير، عبّرت عنه منظمات المجتمع المدني والجمعيات السياسية التي توجهت بالشكر للملك في بيانات وتصريحات ترحيبية، كما انعكس العفو على الشارع حيث انطلقت مسيرات فرح حملت صور الملك، ورددت هتافات الولاء له.

وفي معرض شرحه لأسباب العفو، قال الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، بأن قرار العفو يأتي في إطار منهج التسامح والعفو الذي اتسم به المشروع الإصلاحي، ويستهدف غرس الأمل، وتعزيز الثقة، وإفساح المجال أمام الجميع للمساهمة في خلق أجواء الأمن والطمأنينة وتعميق الإحساس بالخير. وأضاف: (ان كان العدل أساس المُلك، فالرحمة والصفح عنوانه لدى جلالة الملك).

وخاطب الوزير المفرج عنهم بقوله: (عليكم الاستفادة من تجربتكم وأخذ الدروس والعبر فيما ينفعكم وأن تكونوا أعضاء فاعلين في مجتمعكم تحافظون على أمنه بدلا من الاضرار به). ودعا الوزير الى الالتفاف حول القيادة للحفاظ على الوحدة الوطنية وحماية النسيج الاجتماعي وأن تتوحد الجهود وتتولد القناعات لدى الجميع من كل الفئات المؤثرة في التوجيه الوطني بضرورة العمل في اطار الأهداف الوطنية، وأن تكون منابر الدين والسياسة والاعلام للتوجيه بجمع الشمل ونبذ الفرقة والتطرف ونشر المحبة والتسامح بين أبناء الشعب الواحد.

وعلى إثر قرار العفو جمّد القضاء النظر في القضايا الأمنية لأجل غير مسمّى، حيث قرر القاضي المختص ايقاف نظر الدعوى في محاكمة ستة شبان من منطقة سماهيج متهمين بالشروع في حرق مركز شرطة سماهيج. من جانبه، صرح النائب العام علي فضل البوعينين بأن السجون بمملكة البحرين قد خلت من كل المحكوم عليهم والمتهمين بقضايا أمنية فيما عدا قضيتين من قضايا المتهمين تتعلقان بالحق الخاص.

الملك من جانبه دعا في بيان توجيهي (14/4/2009) الى تقوية دور ممثلي الشعب، والسلطة التشريعية، كمرجعية أساس للحوار ولمناقشة ما يطلبه المواطنون الذين انتخبوا ممثليهم. وفي هذا إشارة الى أن الشارع ليس محلاً لتسوية الخلافات، ولا استخدام العنف والحرائق وسيلة لنيل الحقوق. وقال الملك: (إن مسئولية الحوار في هذه المرحلة قد أصبحت بين الناخبين وممثليهم النيابيين، فعليهم أن يتوجهوا إليهم بما يرغبون فيه من مسائل الحوار، فالنواب الذين انتخبهم الشعب وفقاً للدستور يعاونهم أعضاء مجلس الشورى، هم السلطة التشريعية في البلاد، والجهة التي لها صلاحية الاستماع إلى مطالب المواطنين والتحاور معهم مباشرة، لتحويلها إلى تشريعات ومشروعات قوانين قابلة للتطبيق والتنفيذ حسب المقرر دستورياً).

ودعا الملك مواطنيه الى ضرورة (الإلمام بهذا الحق الدستوري وممارسته عملياً، بالتواصل مع نوابهم)، مؤكداً على أن الحوار الوطني نهج وأساس للعمل الإصلاحي، نتج عنه ميثاق العمل الوطني الذي انبثقت منه انعطافة التغييرات في عمل الدولة والإنتخابات المنتظمة والممارسات الديمقراطية ورفع سقف الحريات، والعمل من أجل حقوق المرأة وحقوق الإنسان بصفة عامة.

مقابل هذا، شعرت حركة أحرار البحرين المتشددة بخسارة مواقعها وما يجرّه العفو الملكي من تداعيات على الساحة المحلية، وقدّمت قراءة خاطئة للوضع السياسي، وأصدرت بياناً عنيفاً حمل عنوان: (شكراً مولوتوف)! زعمت فيه أن الفضل في العفو يعود الى الحرائق وممارسة العنف وتدمير الممتلكات العامة بسلندرات الغاز وغيرها!

جمعية الوفاق، شكرت في بيان لها الملك، وذلك في أول رد فعل لها على العفو، واكدت انها خطوة كبيرة وبداية تؤسس لواقع أفضل. وقالت الجمعية بأن البحرين مرت في الفترة الأخيرة بنفق مظلم وتأزم سياسي وأمني غير مسبوق أثر على الحراك المجتمعي والعمل السياسي، وشددت الجمعية على ضرورة فتح آفاق العمل السياسي ما يدفع به نحو النضوج والاستقرار بما يخدم هذا الوطن وسمعته، مؤكدة على الالتزام بالنهج السلمي، وعدم الخروج على القانون.

الشيخ علي سلمان، السكرتير العام لجمعية الوفاق، نفى في لقاءات صحافية (الوسط، 13و16/4/0920) أن تكون هناك (صفقة) بين جمعيته والحكومة وراء اطلاق سراح المعتقلين، وأكد من جانبه على أن جمعيته التي تعتبر أقوى جمعية سياسية في البرلمان، أنها لن تتهاون مع من يثير الشغب ويعمد الى العنف ويعتدي على الأملاك العامة، وأنها على استعداد لو تطلب الأمر للنزول الى الشارع لمواجهة دعاة العنف. وأضاف: (لولا سعة صدر الملك وفتحه لآفاق اللقاء مع العلماء لتجاوز هذه الأشهر المظلمة لما تحقق هذا العفو).

وأدان علي سلمان إدارة الإختلافات عبر العنف الذي ساهم في تشويه ما يطلبه المواطنون من حقوق، لدى الجهات الحقوقية والسياسية والدبلوماسية. وقال بأن التعبير عن الرأي متاح ولا يجوز مصادرته، مشدداً على أن المطالبات بالحقوق يمكن إدارتها بشكل سلمي. ودعا سلمان المعارضة الى استخدام السياسة بعيداً على العنف، ورغم ضيق القانون (إلا أن فيه مساحة يمكن العمل من خلالها، والقوى السياسية لا تحتاج إلى اللجوء إلى العنف. على السلطة أن تفتح صدرها للمسيرات والرأي المخالف، وعلى المعارضة أن تتحمل الأمر دون أن تلجأ إلى العنف بطريقة مباشرة أو غير مباشرة).