تفاعلات الجدل السياسي والحقوقي

"الخواجة" يدعو لاسقاط النظام

استدعت النيابة العامة الناشط الحقوقي عبدالهادي الخواجة في 13/1/2009م، للتحقيق معه على خلفية خطاب ألقاه في مناسبة دينية (عاشوراء) مساء 6/1/2009م، ووجهت له تهمة الترويج لتغيير نظام الحكم، والتحريض علانية على كراهية النظام الحكم، وبث شائعات ودعايات مثيرة من شأنها اضطراب

عبدالهادي الخواجة
الأمن العام والإضرار بالمصلحة العامة.

وكان الخواجة قد دعا في خطابه العلني الجمهور الى (فك الإرتباط النفسي والمصلحي بنظام الحكم الظالم ورفض مبايعته). ووصفه بأنه نظام غادر يذلّ الناس. كما وصف العائلة المالكة أكثر من مرة بأنها (عصابة حاكمة) ورأى (ضرورة اقتلاعها من الحكم مهما كلف ذلك من جهد وتضحيات).. واعتبر الملك وولي العهد ورئيس الوزراء وعدداً من الوزراء والمسؤولين الكبار ـ ضمن 14 شخصية عليا في الدولة ـ أعضاء في (العصابة) واتهمهم وبالأسماء بالسرقة، وقتل الأبرياء، وممارسة الطائفية والخيانة، والكذب وغير ذلك من الأوصاف.

وتابع الخواجة ما فُهم منه تحريضاً على ممارسة العنف بالقول (من السذاجة السياسية الإكتفاء بطرح مطالب الإصلاح الجزئي، والإستمرار على البيعة السياسية لهذه العصابة التي لا يضبطها مبدأ أو دين أو أخلاق، ولا يمكن مواجهة سياسة الإلغاء والتطهير إلا بشعار إسقاط العصابة الظالمة الطائفية). وزاد داعياً الى ما أسماه بـ (النهضة) والإنشغال بالعمل (على قطع جذور حكم هذه العصابة من الأرض الطاهرة، فنحن جيل الغضب والتضحية).

وبالرغم من أن الخواجة دعا الى استخدام التغيير الجذري عبر (الإحتجاج السلمي) إلا أنه رأى (مشروعية العنف) من جهة أن أفعال الحكومة تبرر ذلك.. وحسب قوله: (أعطت العصابة الحاكمة في البحرين كل المشروعية والتبرير لمعارضيها وضحاياها في استخدام العنف). ورأى الخواجة أن شعار (الموت لآل خليفة) شعار سلبي مليء بالغضب وغير واقعي، ورأى استبداله بشعار (لنسقط العصابة الحاكمة) لأنه (يحدد الهدف: وهو إزاحتهم من الحكم).

وكان الخواجة قد استبق التحقيق معه بتصريح صحافي قال فيه أنه سيؤكد على آرائه التي عبر عنها في خطابه، موضحاً أنه لن يجيب على أية تساؤل، ولن يوقع على أية إفادة، متهماً النيابة العامة بأنها (غير نزيهة وان القضاء غير مستقل) وأضاف بأن الحكم القضائي سيكون (نتيجة قرار سياسي، وليس نتيجة اجراءات قضائية) حسب تعبيره، وبالتالي (لا فائدة ترجى من الرد) على أسئلة النيابة العامة.

ووفق ثلاثة محامين رافقوا الخواجة في التحقيق، فإنه رفض الإجابة على معظم الأسئلة، كما نفى دعوته الى استخدام العنف. وبناء على التحقيق، الذي استمر لثلاث ساعات، رافقه اعتصام نحو 20 شخصاً أمام مبنى النيابة العامة احتجاجاً على التحقيق، فإن النيابة أطلقت سراح الخواجة بضمان محل الإقامة ريثما يتم ترتيب ملفات الدعوى القضائية ضدّه، وقد تحدد يوم 8/2/2009م للنظر في الدعوى في جلسة أمام المحكمة الكبرى الجنائية.

سبّب خطاب الخواجة حرجاً لأطراف كثيرة، لكنه كان محرجاً لجهتين أساسيتين: الجمعيات السياسية البحرينية (أحزاب سياسية)، والجمعيات الحقوقية البحرينية والإقليمية والدولية، وكذلك منظمات المجتمع المدني الأخرى. فقد رفع الخطاب آنف الذكر سقف المطالب في حدودها القصوى متجاوزاً ما اعتبر (ثوابت وطنية) مع ما يتضمن من نسف جذري للعملية السياسية القائمة. واعتبرت بعض تلك الجمعيات السياسية ما جاء في الخطاب خروجاً عن المألوف السياسي، مع ما يتضمنه من اشارات تحريضية على استخدام العنف.

نائب رئيس كتلة الوفاق النيابية خليل المرزوق، أشار الى الثوابت منذ استقلال البحرين عام 1971م، والى دستور 1973م، بحيث (لم نكن في يوم من الأيام ندعو لإسقاط نظام الحكم، ولكنا طالبنا بإصلاحات ديمقراطية وسياسية ومازلنا). وأضاف: (نطالب بحلحلة الملفات العالقة من تمييز وتجنيس... لا توجد عندنا مطالب بإسقاط النظام... نحن غير معنيين بهذا الطرح، وأي طرح خلاف أهدافنا المعلنة وتحركاتنا السياسية من خلال النهج السلمي المتبع).

الشيخ محمد علي المحفوظ، أمين عام جمعية العمل الوطني الإسلامي، علق على خطاب الخواجه بالقول أن جمعيته تدعو الى اصلاح حقيقي، و(أن كل شخص يتحمل رأيه، وله أن يحدد اتجاهه وما يتبناه). في حين رأى حسن العالي، الأمين العام المساعد لجميعة التجمع الوطني القومي، أن (المعارضة حسمت أمرها من خلال توافقها على شرعية النظام الحاكم، وهذا أمرٌ محسوم منذ أمد طويل).. كما رأى في الدعوات الأخرى تشتيتاً لقوى المعارضة، وشرخاً بين مكونات الشعب و (إثارة للفتنة). وتابع بأن أطروحات إسقاط النظام (ستعطي النظام مبررات لإتخاذ المزيد من الإجراءات الأمنية والقوانين المكبلة) رافضاً ما أسماه (المزايدات) التي لا تخدم أحداً.

جاسم المهزع، أمين عام جمعية الوسط العربي، وصف ما ورد في خطاب الخواجه من دعوات بأنها (شاذة) (ومراهقة) سياسية، وأنها (دعوة الى فتنة). فيما وصف النائب المستقل عبدالعزيز أبل خطاب الخواجة بأنه (غير منطقي وغير مسؤول).

المنظمات الحقوقية كان حرجها كبيراً أيضاً. كثيرٌ منها في البحرين وخارجها التزم الصمت حتى الآن إزاء استدعاء الخواجة للتحقيق. فالخواجة ناشط حقوقي معروف على الصعيد المحلي والإقليمي وبين المنظمات الدولية، وهو للتوّ قد أصبح منسقاً لنشاطات منظمة فرونت لاين ـ التي تتخذ من دبلن مقراً لها ـ في منطقة الشرق الأوسط. ولعل الحرج يعود الى الإنتقادات العنيفة التي وجهت الى الخطاب في الصحافة المحلية، من قبل برلمانيين وصحافيين، من أنه خطاب يصعب تصنيفه ضمن موضوع الدفاع عن حقوق الإنسان، وأنه قد يكون انتهك المبادئ الأولية لتلك الحقوق التي يراد الدفاع عنها.. بل أن أحد النواب ـ حسن الدوسري ـ دعا المنظمات الحقوقية أن تستنكره (لأنه غير حقوقي) وأنه لا يسع أي منظمة حقوقية الدفاع عنه (الأيام، 12/1/2009).

منظمة فرونت لاين أصدرت بياناً في 10/1/2009م حول تحقيق النيابة البحرينية مع الناشط الخواجة، ووضعت ما جرى في إطار (القمع الممارس من قبل السلطات ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظماتهم في البحرين). ودعت المنظمة التي اتسم بيانها بالغموض ـ حيث لم تشر الى وقائع القضية ـ السلطات في البحرين الى ضمان سلامة وحرية حركة الخواجة وحقه في مغادرة البلاد بالنظر الى موقعه الوظيفي في المنظمة. كما دعت الى وضع حد لكل اشكال التمييز والقمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وأن تلتزم الحكومة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واعلان الأمم المتحدة حول أولئك المدافعين.