مكافحة (التطرّف العنيف).. كيف؟

طرح الأمين العام للأمم المتحدة خطة للدول الأعضاء، اعتبرها دعوة عاجلة، لإقامة شراكة دولية لمواجهة ما أسماه بـ (التطرّف العنيف).

ومع أن بان كي مون قال بأن المسلمين يشكلون الغالبية العظمى من ضحايا هذا (التطرّف العنيف)، وأنه ليس محصوراً في دين أو جنسية أو عرق، إلا أن قراءة تفاصيل الخطة المنشورة لم تجد أمثلة تقدّمها عن هذا (التطرف العنيف) إلا القاعدة وداعش وبوكو حرام، وهي منظمات نشأت بين ظهراني المسلمين وفي ديارهم، واستخدمت دينهم، وانتهت الى استحلال دمائهم وأموالهم وفي بعض الأحيان استباحة أعراضهم.

لقد شرحت خطة الأمين العام جذور التطرف وأسبابه، وقدّمت اقتراحات عملية لكي تقوم بها الدول لمواجهته. حيث لاحظت الخطة الأممية ابتداء ان هناك عزوفاً من الدول عن مواجهة (جذور التطرف)؛ وأنها لا تلتزم في أغلب الأحوال بمعايير حقوق الإنسان في مواجهته.

ويبدو أنه لا يوجد تطرف (غير عنيف)؛ فكل التطرّف إما هو عنيف بذاته، كالإرهاب المؤسَّس على دعاوى دينية أو قائم على تفسير ديني، كما هو الحال بالنسبة للقاعدة وداعش وأفرعهما؛ أو هو تطرّف يبدأ فكرياً، أو أيديولوجياً، أو عنصريا، ويقود في النهاية ـ بشكل شبه حتمي ـ الى العنف.

بالطبع فإن لـ (التطرف العنيف) جذوراً كثيرة، عددتها خطة بان كي مون، بعضها يعود الى الدول وسلوكها؛ وبعضها يعود الى الأشخاص المنخرطين في الإرهاب، وشخصياتهم وطموحاتهم والحوافر التي يتعرضون لها فينجذبون باتجاه الإنخراط في سبيل الدم.

الدول قد تفرّخ الإرهاب، وتزيد الوضع سوءً حين تعتمد سياسات تتسم بقصر النظر، كما سماها بان كي مون، حينما تعتمد فقط على التدابير الأمنية في المواجهة. ولاحظ الأمين العام أن التجاهل التام لحقوق الإنسان، وإن عنى إطلاق اليد للسلطات لتفعل بخصومها ما تشاء، فإن ذلك يقود حتماً الى تحويل مجاميع من الناس الى العنف. وتقول الخطة، بأن التمييز الطائفي، وسياسات التهميش، والقمع داخل السجون، وفشل التنمية الإقتصادية، وإغلاق مصادر الشراكة في صناعة القرار، وغيرها تصنع البيئة المثالية لنمو التطرّف العنيف.

وأشارت الخطة الى أن اعتماد الطائفية والحض على خطاب الكراهية يساهمان في نمو (التطرّف العنيف)، ودعت الى ترويج ثقافة التسامح وحقوق الإنسان في المناهج التعليمية، ورعاية الشباب، والمساهمة الإيجابية في الإعلام، وفي مواقع التواصل الاجتماعي لمنع ثقافة التطرف العنيف من الإنتشار.

واضح ان دعوة الأمين العام، أو خطته لمواجهة التطرف العنيف، تقصدنا نحن، وتعنينا نحن، كعرب وكمسلمين، أكثر من سوانا. فالعنف الدموي يكاد يشمل كل الدول، وثقافة التطرف الديني بالذات، لا تبرّر الطائفية وحروبها فحسب، ولا تؤدي فقط الى تدمير النسيج الاجتماعي وتحويل المواطنين ضد بعضهم البعض فقط، بل أيضاً تقود في النهاية الى تدمير أسس التعايش، بحيث يصعب التئام المجتمع، وتكون البلاد أقرب الى الحروب الأهلية، ويكون التوسل بالعنف الوسيلة الوحيدة للبقاء.

الدول الفاشلة هي التي تستزرع الخطاب العنيف، فيؤدي الى تفجرات دموية، تبدأ بالآخر، ثم تنتهي بتدمير ذاتي للإنسان والجماد حتى. بعض الحكومات كما الجماعات السياسية، تستخدم الطائفية ظنّاً منها أنها تتقوّى بها، وإذا بها تكتشف أن الخطاب الطائفي المتطرف الذي يعتمد على العنف اللفظي، والتهديد بالقتل، قد تمّت الإستجابة له من الجماعات المتطرفة كداعش والقاعدة، فعمدت الى استثمار نتائج الخطاب الذي صنع شباباً متحمسين لتفجير أنفسهم بالأحزمة الناسفة.

لكي تأمن الدول على نفسها من (التطرف العنيف) عليها أولاً أن تعتمد سياسة (الوقاية خيرٌ من العلاج). والوقاية تتطلب تنشئة المجتمع على خطاب منفتح ومتسامح، لكن هذا الخطاب لا ينمو في بيئة الإستبداد السياسي، ولا في دولة اللاقانون، ولا في بلد التمييز العنصري او الديني او القبلي أو المذهبي أو المناطقي، ولا في بلد لا يحترم حقوق الإنسان. إن دعوة بان كي مون وخطط الأمم المتحدة لا تعمل إلا في ظل حكم رشيد، أو هو يحثّ الخطى باتجاهه.

وتتطلب الوقاية تقوية البنية التشريعية، بوضع قانون صارم لمكافحة التطرف والطائفية والكراهية، لأن وجود هذه الآفات يمثل بحد ذاته انتهاكاً لحقوق الإنسان، ويتناقض مع المساواة والمواطنة الحقّة ومتطلباتها. وأيضاً لأن هذه الآفات قادرة على التسلل الى وسائل الإعلام الرسمية واستخدامها لغرض سياسي ضيّق، ثم ينتهي الأمر بتهيئة الطريق نحو (التطرف العنيف) الذي تتبناه القاعدة وداعش وأذرعهما. وثالثاً، لأن ترك الحبل على الغارب، إهمالاً من الحكومات، أو بشكل متعمّد، يعجّل في انتشار وباء التطرّف، ويعجّل بتحويل الفوارق الثقافية والمجتمعية الى حرب داخلية بين المواطنين، وتالياً يؤدي الى تدمير أسس الدولة نفسها.

ومن هنا وجب إيجاد قانون لمكافحة العنصرية والطائفية والتطرف، يطبق بصرامة، وهذا بحدّ ذاته يقطع الطريق على تسييس الاختلافات الفكرية والمذهبية، من قبل اللاعبين السياسيين، ما يؤدي في النهاية الى السيطرة على روح التطرّف المنتشرة، وتوجيه المجتمع الى القنوات السياسية المفتوحة للمشاركة في صناعة القرار، وليس عبر العصبيّات واستثمارها ليأتي المتطرفون فيأخذون البلاد الى حيث الذبح والقتل والدمّ.