(حقوق الإنسان) بين المؤامرة الخارجية والمسؤولية الداخلية

من خلال مراقبة الصحافة ومواقف الرأي العام والجهات المسؤولة، يتبيّن تزايد عدد المقتنعين بالرأي القائل بأن النقد المتصاعد لسجل البحرين في مجال حقوق الإنسان، إنما يعبّر عن مؤامرة دولية تتعرّض لها البلاد بغرض تشويه سمعتها، وضرب مصداقيتها. وتشمل قائمة المنخرطين في المؤامرة دولاً مثل بريطانيا وأمريكا وبعض دول الإتحاد الأوروبي، ومؤسسات دولية مثل المفوضية الدولية لحقوق الإنسان، ومنظمات حقوق الإنسان الدولية الكبرى، إضافة الى الإعلام الدولي والبرلمانات بما فيها البرلمان الأوروبي.

لسان حال هؤلاء يقول: لماذا تُنتقد البحرين على لسان المفوضة السامية لحقوق الإنسان، في حين أن هناك دولاً أكثر سوءً في انتهاكاتها لحقوق مواطنيها؟ ولماذا يذكر أوباما البحرين الى جانب العراق وسوريا؟ ويضيف هؤلاء: كيف نفسر اجتماعات السفراء الغربيين بقوى المعارضة؟ ولماذا تتكاثر البيانات والقرارات من برلمانات غربية تضغط على الحكومة في البحرين التي قامت بإنجازات كثيرة خلال السنوات الماضية؟ ولماذا يتعامى اولئك عمّا تمّ تنفيذه من توصيات بسيوني؟

الأسئلة كثيرة. لكن الشيء المؤكد هنا أن تضخّم هاجس المؤامرة الدولية، يحمل تفريطاً بمن يعتبرون أصدقاء وحلفاء وقد يحوّلهم الى أعداء، كما أنه يعبّر عن تنزيه للذات، والقاء المسؤولية على الآخر عبر تمثّل دور الضحيّة، ما يؤدي في نهاية الأمر الى المزيد من تضليل الذات، وإبقائها حبيسة ردود الأفعال، وعدم بذل الجهد المناسب لحل المشكلات القائمة، ومن ثمّ استمرار النقد والضغوط الدولية.

ان مجرد نقد سجل البحرين في حقوق الإنسان، والذي جرى مؤخراً في جنيف وغيرها، لا يعني أن هناك مؤامرة دولية، ولا يعني ان دولاً معروفة بصداقتها للبحرين قد تخلّت عن دعمها في وجه التهديدات الإقليمية. ما يعنيه بالضبط هو التالي:

  • أولاً ـ أن تلك الدول ترى في المسيرة الحقوقية للبحرين بما فيها من ايجابيات وسلبيات، أنها ليست على ما يرام، وأن قناعتها تقول بأن البحرين تعاني من المشاكل لأنها لم تواجهها بالطريقة الصحيحة، أو لم تبذل الجهد الكافي من أجل ذلك. وعليه فإن هذا النقد الذي ظهر وتم التعبير عنه بوسائل شتى، قد ينظر اليه كلفت نظر وتعبير عن قلق، كما يحمل في طياته دفعاً وتشجيعاً لزخم أكبر من الجهد في مجال اصلاح أوضاع حقوق الإنسان.
  • ثانياً ـ إن الدول الحليفة، وبالذات بريطانيا وأمريكا، شأنهما شأن أي دولة ديمقراطية، تتعرض لضغوط محلية ودولية، كما أن سمعتهما ومصداقيتهما على المحكّ أيضاً، بأنهما لم يقوما ـ حسب تعبير الناقدين لموقفهما ـ بالدفع بما فيه الكفاية باتجاه مزيد من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، سواء كان ذلك في دول حليفة أو معادية. وهناك عشرات المؤشرات، تفيد بضغوط هائلة على المؤسسات السياسية الرسمية في ذينك البلدين، من أجل دفعهما لممارسة المزيد من الضغط على البحرين كيما تقوم بالإصلاحات من وجهة نظر من يمارس تلك الضغوط من المنظمات الحقوقية والبرلمان، والتي وصلت الى حد التشهير بمسؤولي تلك الدولتين ومساءلتهم في البرلمان والكونغرس.

هناك حملة متواصلة على موقف واشنطن ولندن في الصحافة المحلية، نظنّ أن بعضها نابع من سوء فهم وتقدير لقوى الضغط الحقوقية الدولية، وما يمكن لها أن تقوم به من ضغوط فعّالة حتى على بلدان كبرى. فهذه المنظمات، وفي الوقت الذي تنتقد فيه دولاً عديدة لسجلها الحقوقي، فإنها تجلد ـ وعلى ذات الأسس ـ دولاً كبرى، بما فيها أمريكا، التي تواجه اتهامات محلية ودولية بأنها غير صادقة في دعاواها تطوير حقوق الإنسان والديمقراطية في البلدان الصديقة.

ويكفي ان نشير هنا الى بعض الأمثلة، الغاية منها توضيح حقيقة ان إحساس البعض بوجود مؤامرة دولية يشارك فيها حلفاء وأصدقاء، ليس دقيقاً، ولا يهمنا هنا ان ننفي او نؤكد وجود (مؤامرة) تنخرط فيها هذه الدولة او تلك، بل يهمنا ما يترتب على ذلك من تحسين وعينا وفهمنا لكيفية إدارة قضايا حقوق الإنسان على المستوى الدولي، وكذلك تطوير أدائنا الداخلي وإصلاح شأننا الخاص حتى لا يُستثمر في غير صالح البحرين وشعبها، بما يعني تحمّل المسؤولية باقتدار، والقيام بمزيد من اجراءات التصحيح والاصلاح، في عملية نقد ذاتي، قبل أن نسمع نقد الآخرين.

  • هنا أمثلة للضغوط التي تتعرض لها أمريكا وبريطانيا فيما يتعلق بموقفهما من البحرين:
  • كتب جو ستورك، نائب الرئيس التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، مقالة حادّة في 20/9/2013، ضد الخارجية الأميركية، أي في نفس فترة ظهور النقد الحادّ لأمريكا في صحافة البحرين، ولكن لأسباب مختلفة بل معاكسة تماماً، فهو بدأها بنقد للخارجية الأميركية لأنها قدّمت مساعدة كبيرة للحكم في البحرين في جهده لقمع المعارضة، وختم المقالة بقوله: (يجب على واشنطن ان تدين علناً تصاعد القمع في البحرين).
  • ومن نماذج ضغوطات المنظمات الحقوقية ضد بريطانيا، نقد العفو الدولية في 17/6/2013 لتقرير بريطانيا عن حقوق الإنسان لسنة 2012، حيث خاطبت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان بالتالي: (يجب أن تسأل اللجنة حكومة المملكة المتحدة عن الإجراءات التي تتخذها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لتبنّي قرار في مجلس حقوق الإنسان في الإمم المتحدة عن البحرين). وقالت أن بريطانيا رفعت يدها عن بعض الدول، وطالبت باعتماد مقاربة نقدية أكثر فيما يتعلق بأوضاع حقوق الإنسان في البحرين، عبر العمل من خلال مجلس حقوق الإنسان الدولي، مشيرة الى أن الحكومة البريطانية فشلت في اعتماد هذه المقاربة حتى ذلك الحين.
  • منظمة ردرس وفي نفس التاريخ انتقدت الحكومة البريطانية في موقفها من البحرين، لأنها لم تصنفها في تقرير خارجيتها ضمن الدول المثيرة للقلق، ووضعتها في خانة (حالة تحت الدراسة)، وطلبت من لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان (أن تسأل الخارجية البريطانية توضيحاً مفصلاً وشاملاً عن ماذا عليها ان تفعل لإقناع البحرين بإيقاف التعذيب، اعتماداً على مقولة أن المملكة الممتحدة صديق قديم للشعب البحريني). ومثل ردرس فعلت منظمات أخرى مثل (الحملة ضد تجارة السلاح)، ما يشير الى ضغوط حقيقية من داخل السيستم.
  • وحين تمت مناقشة السياسة الخارجية البريطانية ووصل الأمر الى البحرين، حصل نقاش بين البارونة وارسي ـ ممثلة وزارة الخارجية البريطانية في مجلس اللوردات ـ ورئيس اللجنة ريتشارد اوتواي، الذي سألها عما اذا كانت قلقة بشأن اوضاع حقوق الإنسان في البحرين، وعن سبب عدم اعتبارها ضمن الدول المثيرة للقلق، فأجابت بدبلوماسية: (أنا قلقة بشأن حقوق الإنسان في البحرين، وكذلك البحرينيون، يشعرون ـ والحمد لله ـ بالقلق تجاه حقوق الإنسان في بلدهم. لقد أجريت محادثة إتسمت بصراحة مذهلة مع وزير الخارجية عندما كان هنا قبل بضعة أشهر. ونحن نعتبر ان البحرين شريك هام وصديق مهم لنا، وهذه الصداقة، كما ذكرت لوزير الخارجية، تترافق مع مستوى عال من الصدق والصراحة بيننا حول هذه القضايا. وبالتأكيد، فإنهم ملتزمون ويحرزون بعض التقدم، لكن هذا التقدم لا يسير بالسرعة التى يرغبها كلانا. لكننا نشعر بأنهم يسيرون في الاتجاه الصحيح).

واضافت فيما يتعلق بتصنيف البحرين، بأن الخارجية توثق المعلومات الواردة من المنظمات غير الحكومية، ومن السفراء البريطانيين، ومن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ويجري تقييم الوضع من خلال المقارنة مع بلدان أخرى، وعليه رأت ان الخارجية ان هناك حاجة الى إبقاء الوضع قيد المراجعة وتصنيف البحرين كـ (حالة تحت الدراسة).

  • هناك أيضاً مصدر للضغوط على دول الإتحاد الأوروبي، وهو البرلمان الأوروبي نفسه، الذي لم يكتف بإصدار البيانات والقرارات، بل وفي بعض الأحيان يقوم بنقد مواقف دول الإتحاد الأوروبي تجاه البحرين وغيرها، ومثال ذلك ما جرى يوم 12/9/2013، حيث أصدر قراراً تضمّن أسفه لضعف ردود الأفعال من قبل الاتحاد الأوروبي تجاه الوضع في البحرين، ودعاه للتصدي بمزيد من الإدانات، والعقوبات حتى.
  • النواب البريطانيون أيضاً يمثلون أداة ضغط على الحكومة، الذين مازالوا يمطرونها بالأسئلة. ففي 2/9/2013، سأل النائب كونور بيرنز، الذي يعتبر صديقاً للبحرين، فهو رئيس لجنة الصداقة البريطانية البحرينية في البرلمان.. سأل وزير الدولة للشؤون الخارجية اليستر بيرد عن تقيمه لتنفيذ توصيات تقرير بسيوني، وما هي المشاريع الفنية التي تساعد البحرين في تنفيذ تلك التوصيات؟ وما هو تقييمه لإصلاحات البحرين في مجال حقوق الإنسان، وتأسيس المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان؟ وايضاً ما هو تقييمه للجهود المبذولة من اجل المصالحة الوطنية والمشاركة في السلطة؟.

وفي 4/9/2013، تواصلت الأسئلة من النائبة كاتي كلارك التي تمحورت حول قضايا أشخاص محددين، ومدى توفير العلاج والرعاية الصحية للمحتجزين والسجناء.

وفي العموم، فإن مجموع الأسئلة (المكتوبة) التي قدمها أعضاء مجلسي العموم واللوردات للخارجية البريطانية منذ بداية العام وحتى نهاية شهر سبتمبر 2013 بلغت 73 سؤالاً، عدا الأسئلة الشفهية وجلسات الإستماع والنقاش، وكلها تتعلق بشؤون حقوق الإنسان في البحرين، ما يمنحنا مؤشراً حول حجم الضغوط التي تتعرض لها الحكومة البريطانية.

  • في 24/9/2013، أصدرت منظمة هيومن رايتس فيرست الأميركية بياناً موجهاً الى أعضاء الكونغرس الأمريكي، حوى عشرة أسئلة طلبت توجيهها الى توم مالينوسكي، الذي كان رئيساً لمكتب هيومن رايتس ووتش في واشنطن، والمرشح حينها لشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، كان من بينها سؤال عن البحرين: ماذا لدى امريكا لتخسره في البحرين؟ هل توافق الرأي القائل بأن الوضع القائم يتجه الى الفشل؟ ما هي الإستراتيجية الجديدة التي تقترح ان تتبناها أمريكا من أجل تعزيز التقدم في مجال حقوق الإنسان وحكم القانون، بالنظر الى مصالحنا الأخرى هناك؟.
  • في أكثر المؤتمرات الصحفية الأميركية، يطرح إعلاميون أسئلة محرجة وناقدة للسياسة الأميركية تجاه البحرين، ويضاف الى هذا هناك الكثير من المقالات في الصحف اليومية البريطانية والأمريكية، كما في الدراسات الصادرة من مراكز الأبحاث المختلفة في الغرب، وكثير منها يمارس ضغطاً بصورة أو بأخرى على صانع القرار في لندن وواشنطن. من بين آخر المقالات ما جاء في مجلة (Left Foot Forward) التي كتبها دانيال ويكام، وندد فيها بموقف بريطانيا وقال بأنه كان لديها فرصة أن تدين البحرين عام 2012 الى جانب 28 دولة في مجلس حقوق الإنسان بجنيف، ولكنها اختارت هي وواشنطن ان تبقيا صامتتين.

الخلاصة:

1/ لم تعد الدول الديمقراطية في الغرب او غيره وحدها صانعة للموقف السياسي تجاه حدث او بلد ما؛ فهناك منظمات حقوقية وبرلمانات وصحافة ورأي عام يتشكل من خلال مواقع التواصل الإجتماعي، يساهم في توجيه السياسة الخارجية لتلك الدول.

2/ قضية حقوق الإنسان صارت جزءً اساسياً في العلاقات الدولية، حتى بين الدول الصديقة والحليفة، فمصالح الدول لم تعد محصورة فقط في البعد المادي، بل تعدّاه الى مواضيع لها علاقة بمصداقية تلك الدول. فسمعة الدول، ومكانتها أخذت مكاناً اكبر مما كانت عليه في الماضي، وبالتالي فإن الإضرار بها يعدّ خسارة كبيرة في عالم المصالح اليوم.

3/ المسؤولون المعنيّون بملف حقوق الإنسان في البحرين يجب ان يتابعوا ويطلعوا على مصادر التأثير في دول العالم فيما يتعلق بالموضوع البحريني، سواء من البرلمانات أو المنظمات الدولية الحقوقية، او مراكز البحث والدراسات، فضلاً عن الإعلام والصحافة، وغيرها. الإطلاع يكشف حجم الإهتمام الدولي بقضية حقوق الإنسان في بلد ما، كما يكشف حجم الضغط الذي تتعرض له الدول لاتخاذ مواقف من أجل تحسين الأوضاع في أي بلد كان. من الواضح أن المسؤولين في البحرين تنقصهم آليات الرصد والتحليل لما يقوله العالم بشأن بلدهم، والذي يناقشها ويتابعها بالتفصيل، كما ينقصهم بعد ذلك المسارعة والعمل لإصلاح الأوضاع، والتعاطي إيجابياً مع الضغوطات الدولية.