الخيار الأمثل لدول الخليج:

تغيير تدرّجي ومن داخل السيستم

كان لما يسمى بالربيع العربي تأثيراته على دول الخليج كافة، فكلها تأثرت به بصورة أو بأخرى. وقد عززت احداث الربيع العربي القناعة بضرورة الإصلاح السياسي التدريجي ومن داخل السيستم، لا التغيير الجذري الذي يولد فراغاً سياسياً او قلاقل سياسية كما حدث في بلدان مثل مصر وتونس وليبيا، والذي ملأته في جزء قليل او كثير منه قوى التشدد والتطرّف، الأمر الذي ولد عدم استقرار واضح كما هو الحال واضحاً الآن.

القناعة لدى دول الخليج العربي بالاصلاح التدرجي ومن داخل السيستم، يصطدم بتحديين: تحدّي القوى المحافظة التي تريد البقاء على الوضع القديم؛ وتحدّي الأجيال الجديدة التي لها سقف من الطموحات عال يكسر الحواجز ويمثل قفزاً في الهواء دونما رؤية وتثبّت للمستقبل. الإقرار بضرورة الإصلاح التدريجي يتطلب تحفيز السيستم واستكمال القناعة بين عناصره كافة كيما يخطو الخطوات الصحيحة والثابتة ضمن رؤية مستقبلية. ومن حسن الحظ فإن دول الربيع العربي لم تعد اليوم كما كانت بداية التغيير تمثل النموذج الذي يحتذى بعد أن أقعدتها المشاكل الانتقالية من نظام قديم الى نظام جديد، فالأجيال الجديدة ترى بوضوح عمق الأزمة في تلك الدول، حيث لا احترام للتنوع ولا المشاركة المجتمعية ولا حقوق الانسان.

حدود الإصلاحات وحجمها وتدرجها يختلف من دولة الى أخرى، فالمفترض في كل دولة أن تحدد سقف الاصلاحات المطلوبة والزمن المفترض فيه تحققها، وكيفية تحصيل اجماع داخلي بين القوى السياسية الفاعلة لانجاح تلك الاصلاحات التدرجية، دونما تعجّل أو تباطؤ.

الضغوط الخارجية على دول الخليج لاتخاذ نهج سياسي معيّن ودون مراعاة الظروف الموضوعية لكل دولة، يزيد التوتر الداخلي، حتى وإن كان من زاوية احترام حقوق الإنسان، ويدفع بالقوى المحافظة للتشبّث بآرائها ومخاوفها، وفي نفس الوقت يحض اولئك الذين يريدون حرق المراحل على مواصلة الطريق، فتكون النتيجة هي الفشل ولا ينتج سوى التوتر الداخلي، والمزيد من تدهور حقوق الإنسان.

بالطبع فإن لدى كل دولة خليجية سياقها الخاص (السياسي والثقافي والاجتماعي) في الإصلاحات؛ بعضها سبقت غيرها؛ وبعضها تريد إخراجه بصورة مختلفة عن الأخرى، وبالتالي فإن من الخطأ النظر الى الجميع ضمن رؤية واحدة، بعيداً عن خصوصية كل دولة وتراثها السياسي وانفتاحها الاجتماعي.

في كل الدول الخليجية هناك قوى متطرفة لا تؤمن بالديمقراطية، أما بتفسير ديني، أو لأسباب أخرى، وبعض هذه القوى كالقاعدة ليس فقط لا تؤمن بالآليات الديمقراطية، بل تؤمن بالعنف وسيلة للوصول الى السلطة. وبالتالي فإن التحدّي الذي أمام دول الخليج هو: كيف نواجه القوى المتطرفة العنيفة المتمردة على كامل النظام السياسي من جهة، دون أن يؤثر ذلك على العملية الاصلاحية السياسية والحقوقية، بحيث لا تعيق المواجهة مع العنف والإرهاب، تطور النظام السياسي واحترام حقوق الانسان من جهة، وفي نفس الوقت تحصّنه من التخريب على يد قوى العنف والتطرف من جهة اخرى. ان مواجهة قوى العنف لا يجب أن توقف مسألة احترام حقوق الإنسان، وعملية الإصلاح السياسي بحجة مواجهة العنف، بل ان الإصلاح يعتبر اكثر ضرورة لتكتيل القوى السياسية المعتدلة، بحيث يكون النظام السياسي اكثر قدرة على مواجهة قوى العنف والارهاب.

تؤمن دول الخليج بأن حقوق الإنسان مرتبطة بالوضع السياسي؛ فالحقوق المدنية والسياسية والتي جاءت بها المواثيق الدولية مرتبطة بصميم النظم السياسية. وعليه فإن الإختلالات السياسية تسبب تجاوزات في حقوق الإنسان؛ ومن حقوق المواطن أن يكون له صوت في النظام السياسي، وهذا ما تقرّه الدساتير والنظم السياسية الخليجية عامة. ومما لا شك فيه، فإن دول الخليج حققت الكثير في توفير حقوق المواطنين الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها ـ في ذات الوقت ـ تعتقد بأن التنمية السياسية وتوفير المزيد من الحقوق السياسية لشعوبها، سيكون لها انعكاس اكثر ايجابية في المستقبل على الاستقرار وعلى احترام حقوق الإنسان. من جهة اخرى، يفترض في دول الخليج العربي ان تنفتح وتتعاون ايجابياً مع المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ودعمها من اجل المساهمة والإستفادة في تطوير حقوق الإنسان الخليجي.

المجتمع المدني في الخليج في طور النمو والتوسع، وهناك دول سبّاقة في هذا الشأن كما في الكويت والبحرين حيث يوجد بها مئات المنظمات والجمعيات، وهي في تزايد مستمر. القناعة لدى دول الخليج عامة، تقول بضرورة تنمية المجتمع المدني، ومساعدته على النهوض ليكون شريكاً في بناء الدولة والمجتمع. لكن هناك بعض الدول لاتزال تخشى المجتمع المدني وتراه عدواً، وهذا يجب ان يتغير، لأن عدم السماح بنمو المجتمع المدني يؤدي الى اختناق سياسي يفرز انفجارات غير محمودة.

حدث خلال السنوات الماضية تطور هائل في دور المرأة في المجتمع الخليجي. فمع أن المجتمعات الخليجية محافظة، إلا أن المرأة أصبحت اليوم جزءً من الحياة السياسية والإجتماعية والاقتصادية، وصارت تلعب دوراً في الحياة النيابية والدبلوماسية، كما أنها تسنّمت مناصب عليا في كل الدول الخليجية، كالوزارات وغيرها. ويجدر القول بأن القيود على المرأة في بعض الأمور ليست نابعة بالضرورة من قوانين تحرمها حقوقها، بقدر ما هي طبيعة المجتمع وعاداته وتقاليدة الآخذة في التغيّر. فما كان محرّما قبل سنوات، صار اليوم مقبولاً، ويتوقع ان تلعب المرأة دوراً أكبر، خاصة في مرحلة النهوض التي نشهدها الآن، بفعل عوامل التكنولوجيا وارتفاع مستوى التعليم والإنفتاح على العالم، واصرار النظم السياسية الخليجية على تعديل التشريعات لتأكيد حقوق المرأة وتمكينها.