فهم المشهد السياسي ضرورة لترشيد الحالة الحقوقية

حين تقع أزمة حقوقية/ سياسية، هنالك دورٌ للسياسيين أن يلعبوه في حلّها أو تهدئتها أو التنظير لها، من زوايا وأبعاد سياسية تتعلق بطبيعة الأزمة السياسية وإدارتها، وتأثيراتها المحلية والإقليمية. ويلحظ الدور الذي يلعبه السياسي التوازنات السياسية المحلية، وموقع العناصر المكوّنة للأزمة، والمساومات المتعلّقة بشأنها، وغير ذلك من الأمور.

أما الحقوقيون فيقاربون المشاكل من منظار مختلف، فجلّ اهتمامهم يتمحور حول الإنتهاكات من جهة رصدها، وكيفية إيقافها، والتخفيف على ضحاياها، ومن ثمّ تعديل سلوك الأجهزة الرسمية المعنية ضمن إطار ومعايير حقوقية دولية واضحة، مع مراقبة مستمرة للسلوك، خشية أن تعود الممارسات السابقة مرّة أخرى. هذه في المجمل المقاربات الحقوقية المتّبعة.

وفي حين تهتم المقاربة السياسية بالموضوع الحقوقي كعنصر ضاغط ومؤثر في الأزمة السياسية.. فإن المقاربة الحقوقية تهتم بالعنصر السياسي في الأزمة وتأثيرها على تدهور حقوق الإنسان، مع أن عدداً من المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية وغيرها قد يهمّش هذا العامل السياسي، الى حدّ تختلّ معه الرؤية بشكل يؤثر سلباً على المقاربة الحقوقية التصحيحية نفسها.

هذا النقص في الرؤية والإطار السياسي الذي تجري تحته اختلالات حقوق الإنسان في البحرين، هو بالتحديد ما أضعف دور المنظمات المحلية والإقليمية والدولية في ترشيد التعاطي الحقوقي والسياسي للأزمة، وجعلها أسيرة ردّ الفعل، بدون مبادرات حقيقية قادرة على المساهمة ولو بالرأي في حلّها.

ذلك أن اختلال الرؤية العامة بسبب نقص أحد أهم أركانها السياسية حصر دور المنظمات الحقوقية في عملية الرصد والتنديد بالإنتهاكات، دون النظر الى الجزء السياسي المولّد للمشكلة. كما جعلها ـ وبسبب الضبابية السياسية ـ أسيرة مصادر معلومات المعارضة، دون الشك في نزاهة ما يقدّم؛ وفي نفس الوقت دفعها الى التعاطي مع كل ما يأتي من المصادر الرسمية بقدر كبير من التشكيك وأحياناً الإهمال التام.

وعليه يمكن القول بأن غياب الصورة السياسية الواضحة للمشهد السياسي البحريني لدى المنظمات الحقوقية لم يخدم ترشيد الحالة السياسية والحقوقية البحرينية.

طيلة عمر الأزمة في البحرين، كان الطابع العام في أداء المنظمات الحقوقية المحلية والإقليمية والدولية (تنديدياً) بأكثر مما كان (ترشيدياً)، سواء كان الترشيد للشارع، أو للحكومة، أو حتى لأداء الجمعيات الحقوقية المحليّة التي بدت غائبة عن المشهد الحقوقي، وانجذبت الى الجانب السياسي، بفعل الإستقطاب السياسي الحادّ.

لم نلحظ من المنظمات الأهلية المحلية عامّة أداءً يعتدّ به في مجال معالجة الإنشقاق الإجتماعي؛ ولا هي تقدمت بمبادرات حقوقية؛ أو قامت بمراجعات لأدائها وخطابها فيما إذا كان يصبّ في خدمة الهدف الوطني العام. وفي نفس الوقت أيضاً، لم نلحظ أيّ دور ذي قيمة للمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، التي بدت وكأنها قد همّشت نفسها بشكل شبه تام، الى حدّ أنه لم يكن لها دور يذكر فيما يتعلق بتحقيق لجنة بسيوني، ولا في أداء لجنة (الصالح) التي وضعت لتنفيذ توصيات تقرير بسيوني.

المجتمع الأهلي البحريني في مجمله مولود حديث، كانت تنقصه الخبرة والأدوات والإمكانيات، والرؤية الإستراتيجية. وفي أثناء الأزمة لم يحصل هذا المجتمع المدني من نظرائه في المحيط الإقليمي والدولي على المشورة والنصيحة والتوجيه بحيث يقوم بالحدود الدنيا المطلوبة منه.

الصراع السياسي بين طرفي المعارضة والحكومة كان واضحاً في البحرين، وقد استأثر بالإهتمام والأضواء، ولم يستطع المجتمع المدني أن يختطّ لنفسه طريقاً مستقلاً ثالثاً، فتجمّدت طاقته من جهة، وتوزّعت منظماته بين الطرفين السياسيين، ما أدّى الى ترك ساحة حقوق الإنسان شبه فارغة.

التشظّي في المجتمع المدني البحريني بسبب الإستقطاب السياسي، تمّ نقله الى الخارج أيضاً. تحديداً الى المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية، التي يبدو أنها قرأت البحرين من ألسن المتخاصمين غير المحايدين، أو من الإعلام الرسمي والعربي والأجنبي غير المحايد وغير الرشيد في مجمله. وبداهة، سبب هذا اختلالاً في الأداء، وعجزاً في ترشيد الوضع الحقوقي والسياسي.

لكي تفعل المنظمات الأهلية دورها، وتستعيد عافيتها، عليها: أن تبتعد عن الإستقطاب السياسي: الرسمي والمعارضة. بمقدار ما تتحرر منه، فإنها ستكون قادرة على اكتشاف فضائها الخاص بها؛ وستكون قادرة على رؤية القضايا بعين حقوقية مختلفة، وسيكون منتجها من جهة المواقف عبر البيانات والتقارير أكثر إقناعاً وتأثيراً.