تأخير غير مبرر

مشروع قانون الطفل وتعهدات البحرين الدولية

رغم مصادقة البحرين على اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بالطفل منذ أكثر من 19 عاماً.. إلاَّ أنَّ البطء ما زال يلازم إصدار تشريعات وطنية تعمل على تحويل تلك الإتفاقية إلى واقع معاش في البحرين. فقد انضمت البحرين إلى اتفاقية حقوق الطفل في 1991، وصادقت عليها بدون أي تحفظات في 13 فبراير 1992، ودخلت الإتفاقية حيّز النفاذ في مارس 1992. ومنذ ذلك الوقت بذلت البحرين جهوداً لتهيئة بيئة آمنة من خلال سنّ تشريعات لضمان تمتّع الأطفال بحياة آمنة ومستقبل مشرق. ولكن يبقى إصدار قانون خاص بالطفل هو الأمل المرتجى الذي ما زال يرواح مكانه.

ورغم تفاؤل رئيسة لجنة المرأة والطفل بمجلس الشورى، دلال الزايد، بقرب ولادة قانون الطفل ‬خلال أسابيع،‮ إلاَّ أنَّ أسباب تأخير صدور القانون طيلة هذه الأعوام تبدو غير مبررة، خاصة في ظل تأكيد البحرين على الوفاء بالتزاماتها باتفاقية حقوق الطفل، والتنفيذ الكامل للاتفاقية دون أي تحفظات، وبالرغم من كل التحديات التي ذكرتها البحرين في التقرير الدوري الثاني والثالث الذي قدمته للجنة حقوق الطفل في فبراير 2009.

ويبدو أنَّ النقاش الجاري والمحتدم حالياً حول مشروع القانون، خاصة ما يتعلق بالدلالات القانونية والشرعية التي تحدّد سنّ الطفل، لا يساعد على بلورة رؤية محددة وواضحة حول هذا الأمر. كما أنَّ هنالك غياب لرؤية واضحة حول الأطفال الذين يشملهم القانون، وما إذا كان الطفل غير البحريني ينبغي أن يشمله حماية قانون الطفل أم لا. ولا يبدو أنَّ النقاش يدور حول نصوص قانونية، بقدرما هـو حول مفاهيم غير واضحة المعالم، لا يمكن الإتفاق على صحتها أو خطئها.

فالمادة 1 من اتفاقية حقوق الطفل نصّت صراحة على: (لأغراض هذه الإتفاقية، يعنى الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، ما لم يبلغ سنّ الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه).

وأمام صراحة هذا النص، فإن من الصعوبة بمكان محاولة إيجاد مخارج فقهية أو قانونية أو سياسية تعمل على تقويض روح اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها البحرين دون أيّ تحفظات. وربما تكون هنالك تفسيرات متعددة بشأن تحديد سنّ العمل أيضاً. ولكن بالنظر للمادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل، خاصة الفقرتين (أ) و(ب)، ينبغي على البحرين التوصل لسنّ معقولة للعمل، بحيث لا تحرم الطفل من التمتّع بطفولته وحقّه في الرفاهية والحياة الكريمة، وتحرص في ذات الوقت على تدريب الطفل وتهيئـتـه لمهام مستقبليّة، من جهة تشجيع وغرس قيم العمل فيه منذ الطفولة.

وتنص المادة 32 كما يلي:

1. تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضاراً بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي.

2. تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة. ولهذا الغرض، ومع مراعاة أحكام الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة، تقوم الدول الأطراف بوجه خاص بما يلي:

(أ) تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بعمل،

(ب) وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه،

وفي هذا الصدد، ربما يكون سنّ الـ 12 هـو الأكثر ملاءمة للأطفال للانخراط في العمل، مع تحديد أطر صارمة لساعات وبيئة العمل. وينبغي أيضاً الاسترشاد بقانون العمل البحريني‮ ‬فيما يتعلق بتشغيل الأحداث‮.

أما بخصوص الطفل غير البحريني وحقّه في التمتع بحماية قانون الطفل، فينبغي الاسترشاد بالمادة 2 (1) من اتفاقية حقوق الطفل:

(تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه، أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر).

القراءة الشاملة والممعنة لهذه المادة تقود إلى شموليّة الفهم، وقصد الإتفاقية في حماية جميع الأطفال في دولة ما دون تمييز. ويقـتـضي هذا بالضرورة تضمين الطفل غير البحريني، ما لم تكن هنالك مسوغات قانونية قوية جداً ومعقولة تحظر على الطفل غير البحريني التمتّع بحماية قانون الطفل. وهذا الفهم يتماشى مع مفهوم الحماية التي تسعى الأمم المتحدة إلى إصباغـه على جميع الأطفال باعتبارهم من الفئات الضعيفة في المجتمع الواجب حمايتها وحماية حقوقها، بما في ذلك الحقوق الإقتصادية والإجتماعية، والضمان الإجتماعي والصحّي وغير ذلك.

ومن المعروف أنه لا يجوز التعذّر بالأوضاع الإقتصادية للدولة عند الوفاء بهذه الحقوق، حيث ينبغي على الدولة توفير الموارد لتحقيق أهداف الإتفاقية، ولكن ينبغي أيضاً وضع ملامح واضحة في هذا المجال تشمل دور الأبوين في القيام بواجبهما تجاه الطفل سدّاً للذرائع والثغرات، خاصة الآباء غير البحرينيين. وربما يكون من الأفضل طرح الأمر منذ الآن عبر الوسائل الإعلامية المختلفة، بحيث يُشجّع الآباء غير البحرينيين على تقديم مقترحات تتماشى مع روح اتفاقية حقوق الطفل، وما ينبغي على هؤلاء الآباء توفيره وتقديمه لأطفالهم، وما لا يستطيعون توفيره، وما هـو نوع الدعم الذي يحتاجونه من حكومة البحرين. ويمكن جمع هذه المقترحات وطرحها فيما بعد في شكل منشورات، أو ملاحق تشريعية، تكون مكملة لقانون الطفل، وتلزم بالتالي الآباء غير البحرينيين، وتساعد في النهاية حكومة البحرين في الوفاء بالتـزاماتها تجاه الطفل غير البحريني.

ولا بدّ من التذكير بالالتزامات والتعهدات الدولية للبحرين بموجب اتفاقية حقوق الطفل، وبالتالي ضرورة أنْ يأتي قانون الطفل متمشياً مع تلك الالتزامات. وكانت البحرين قد قدمت تقريرها الأولي إلى لجنة حقوق الطفل في يوليو 2000 والذي نظرت فيه اللجنة في الاجتماعات التي عقدت في 28 يناير و1 فبراير 2002. وتختص لجنة حقوق الطفل بالنظر في التقارير المقدمة من الدول الأطراف بموجب المادة 44 من الإتفاقية. وقد رصد التقرير الأوّلي الإنجازات التي حققتها مملكة البحرين فيما يتعلق بالأطفال، من خلال الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني.

وعملت البحرين على تنفيذ التوصيات الواردة في الملاحظات الختامية التي اعتمدتها اللجنة عقب الاجتماعين المشار إليهما أعلاه، وكان من أهم هذه التوصيات: العمل على رفع مستوى الوعي بوسائل مختلفة من أجل بناء شراكة فعالة داخل المجتمع بشأن حماية الطفل. وفي فبراير 2009، قدّمت البحرين تقريرها الدوري الثاني والثالث والذي أعدته اللجنة الوطنية للطفولة بالتنسيق مع الجهات المعنية الأخرى. وتتكون اللجنة الوطنية، التي أُسست في عام 1999، من الوزارات والمؤسسات الحكومية، والجمعيات الأهلية المعنية بقضايا الأطفال. واستخدمت اللجنة الوطنية الآلية والمنهجية المستخدمة في إعداد التقرير وفقاً للمبادئ التوجيهية العامة الواردة في الوثيقة التي اعتمدتها لجنة حقوق الطفل في دورتها التاسعة والثلاثين التي عقدت في 3 يونيو 2005.

وعقدت اللجنة الوطنية سلسلة من ورش العمل صمّمت خصيصاً للحصول على التغذية الراجعة Feedback حول القضايا المتعلقة بالأطفال والتي طرحت في مشروع التقرير. وتضمن التقرير إحصاءات ومعلومات جديدة ذات صلة لم يتم تضمينها في التقرير الأولي، إضافة للبيانات الحديثة التي تغطي الفترة من 2001 إلى منتصف 2008، كما تعرض التقرير لتفاصيل بشأن الصعوبات والتحديات الراهنة. وشمل التقرير سلسلة من الملاحق من التشريعات الجديدة ذات الصلة والقوانين والقرارات الوزارية، بالإضافة إلى عدد من المنشورات والكتيبات والأقراص المدمجة. ويرد التقرير على دواعي القلق الرئيسية، والتوصيات الواردة في الملاحظات الختامية للجنة حقوق الطفل في التقرير الأولي.

فمثل هذه التقارير الدورية والتعهدات والملاحظات الختامية للجنة حقوق الطفل تساعد ولا شك في إنجاز قانون طفل مكتمل الأركان، ولا يترك مجالاً للثغرات القانونية، كما أنه يحسّن من صورة البحرين في تنفيذ تعهداتها تجاه اتفاقية حقوق الطفل. ويبقى الدور على منظمات المجتمع المدني، ومنظمات حقوق الإنسان، والجمعيات والمؤسسات العاملة في مجال الطفولة بأن تضلطع بدورها في تقديم تقارير موازية تساهم في دعم حقوق الطفل، وفي تمكين المشرّع البحريني من الوفاء بقانون طفل يتناسب ومكانة البحرين، كما وتساهم في ترشيد الجهد الرسمي، وتسدّ الثغرات التي قد يقع فيها الجانب الحكومي.