البحرين: الإنتخابات النيابية وتعزيز حقوق الإنسان

تقترب البحرين من التاريخ المضروب لعقد الانتخابات التشريعية المزمع عقدها في 23 أكتوبر القادم، وهي الإنتخابات الثالثة منذ أنْ دخلت البحرين عهد الإصلاح السياسي قبل عشر سنوات، سعياً لجعل البحرين ضمن الديمقراطيات الناشئة في العالم. ولا يخفى أن الإنتخابات البرلمانية القادمة تحظى بأهمية قصوى من جهة تأكيدها على المسار الديمقراطي البحريني؛ ومن جهة الصراع مع قوى التشدد والعنف التي تريد تخريب العملية السياسية؛ وكذلك من جهة التوترات الإقليمية التي تنعكس على المنطقة ـ والبحرين من ضمنها ـ سلباً، ما يجعل الإستقرار السياسي القائم على حراك انتخابي ديمقراطي عملاً ضرورياً في تجنّب القلاقل والمشاكل التي قد ترد من المحيط وتؤثر في الداخل البحريني.

هناك تجربتان ديمقراطيتان في الخليج، الأولى هي التجربة الكويتية، وهي تجربة بدأت منذ الستينيات الميلادية من القرن الماضي؛ والأخرى هي التجربة البحرينية التي انقطعت في السبعينيات الميلادية الماضية ثم عادت مرة أخرى في عام 2000 عبر مشروع إصلاحي قادة ملك البحرين. من الواضح أن برلمان البحرين لا يتمتع بالصلاحيات التي يتمتع بها برلمان الكويت؛ فمشاريع القوانين التي يعتمدها مجلس النواب البحريني، يتعيّن أنْ يقرّها أيضاً مجلس الشورى المعيّن، حتى تكون سارية المفعول. بيد أن هذا لا يقدح في الدور الحيوي الذي يلعبه البرلمان البحريني، وإنْ كانت هنالك حاجة لمساحة أكبر من الصلاحيات حتى يستطيع البرلمان مواكبة التحول السياسي المستمر في البحرين.

تقرّ المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بـ (حق كل مواطن في أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، وحقه في أن يَنتخب أو يُنتخب). وبذا تكون الإنتخابات حقاً أصيلاً لكل مواطن ومواطنة للمساهمة في إدارة شؤون الدولة. ويجب أنْ تستند المشاركة في الانتخابات إلى معايير موضوعية ومعقولة مثل: ضمان حق المواطنين في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، وإجراء انتخابات دورية نزيهة بموجب القانون؛ على أن تكون ممارسة الحق في الإنتخاب ممارسة فعلية وليست صورية. وينبغي أن تتخذ تدابير إيجابية للتغلب على صعوبات معينة من قبيل الأمية، والعوائق اللغوية، والفقر، أو ما يعيق حرية التنقل مما يحول دون تمكن الأشخاص المؤهلين للانتخاب من ممارسة حقوقهم بصورة فعلية. كما ويجب أن تُكفل للمتمتعين بحق الانتخاب حرية اختيار المرشحين؛ ولا يمكن تصور مثل هذه المشاركة الإنتخابية دون كفالة حرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات. من هنا تنبع أهمية المشاركة السياسية لجميع فصائل المجتمع دون اقصاء. فالانتخابات هي أهم آليات الاصلاح السياسي، حين تشارك فيها بفاعلية كافة القوى السياسية، وكافة شرائح المجتمع.

الحاجة لمشاركة كل الجمعيات السياسية

تمثل الانتخابات القادمة في البحرين فرصة كبيرة لتعزيز عملية الإصلاح السياسي وتأكيد التحول الديمقراطي، إضافة إلى التعرف على أحجام القوى السياسية والاجتماعية وأوزانها في المجتمع البحريني، والبحث في أسباب تراجع أو تقدم نفوذ هذه القوى أو تلك؛ وكذلك البحث فيما إذا كانت بعض القوى السياسية قد نجحت في قطف ثمار مشاركتها وانخراطها في العملية السياسية، أمْ أنها دفعت ثمن هذا الانخراط من سمعتها ومكانتها ومن رصيدها الجماهيري.

وتتيح الانتخابات فرصة أيضاً للقوى السياسية التي قاطعت الانتخابات السابقة في قياس مدى التزاماتها الوطنية تجاه العملية السياسية برمتها، ومدى استعدادها للمساهمة بإيجابية في إدارة الشؤون العامة للوطن وتحمل المسؤولية. وهذا حق من حقوق الإنسان كفلته المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المشار إليها أعلاه. لقد شهدت الانتخابات البرلمانية عام 2002 مقاطعة أربع جمعيات سياسية هي: جمعية الوفاق، التي تعتبر أقوى الجمعيات السياسية في البحرين، كما قاطعتها جمعيات: العمل الوطني الديمقراطي، والتجمع القومي الديمقراطي، والعمل الإسلامي. ولكن الجميع عدا (العمل الإسلامي) عادت وشاركت في انتخابات عام 2006.

ويجب التـذكير بأهمية الانتخابات وبدور النخب السياسية وأثرها في احتواء النزعات المذهبية والقبلية واحتواء الولاءات الإثنية في المجتمع البحريني، لا العمل على إذكائها. فالبرامج السياسية للجمعيات السياسية ينبغي أنْ تقوم على أسس وطنية شاملة وأن تبتعد عن التضييق والولاء المذهبي. أيضاً، فإن الإنتخابات بما تشمله من تعبير عن رأي، ومن حرية تجمّع، ومن مساهمة في صناعة القرار السياسي، تعدّ وسيلة سلمية مثلى في مكافحة نزعات العنف التي عادة ما يصاب بها أفراد المجتمعات التي تحكمها أنظمة مستبدّة. كما أن الإنتخابات تنتج وسائل وآليات مراقبة ومحاسبة للمسؤولين ومكافحة للفساد بنحو أو بآخر، اللهم إلا أن تكون العملية سياسية شكليّة لا فائدة منها.

من الإنتخابات النيابية السابقة

دور المجتمع المدني في الانتخابات

ولكي تكتمل الانتخابات لا بد من تعزيز المشاركة السياسية للجميع دون إقصاء، وتعزيز مشاركة المواطنين في انتخابات حرة ونزيهة، وقد يتطلب ذلك تنفيذ عدة إجراءات وفعاليات من الجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني، مثل عقد مائدة مستديرة وندوات ومؤتمرات وحلقات نقاش يشارك فيها الجمعيات السياسية وممثلو مؤسسات المجتمع المدني والمواطنون لمناقشة سبل ووسائل تعزيز قيام انتخابات حرة ونزيهة، وكيفية انخراط الجميع فيها. وتـهدف هذه الفعاليات إلى رفع وعي المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني بالمعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة، والدور الذي يمكن أنْ تؤديه في مجال تعزيز المشاركة في الانتخابات، إضافة إلى تعزيز مفهوم المواطنة. ويجدر بنا التاكيد على مفهوم المواطنة كمصدر أساسي للحقوق والواجبات، لا مكان فيه للتمييز بين المواطنين على أساس العرق واللون والدين والجنس والمعتقد والمذهب. وبوجهٍ عام يجب أن تشتمل العملية الانتخابية على الحد الأدنى من المعايير الدولية والتي سنتطرق إليها في العدد القادم.

ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى ضرورة أنْ يلعب المجتمع المدني دوراً في تفعيل الحوار حول الآليات المطلوبة لإجراء انتخابات برلمانية ديمقراطية ونزيهة وشفافة، وإلى دوره في حث القوى السياسية والمواطنين على الانخراط في الانتخابات. وعلى المجتمع المدني تشجيع القوى السياسية على تعزيز مشاركة الشباب في العملية الانتخابية بكافة مراحلها والعمل على رفع الوعي لدى الشباب حول المعايير الدستورية والدولية للانتخابات الحرة والنزيهة وأهمية المشاركة فيها.

نظام الكوتا بين الرفض والتأييد

استطاعت المرأة البحرينية من خلال مؤسسات الحكم المحلي والإدارة البلدية وانخراطها في الجمعيات الأهلية والمؤسسات الطوعية والمجالس الاستشارية الوطنية، مثل المجلس الأعلى لشؤون المرأة، أنْ تطور مشاركة المرأة السياسية في إدارة الشؤون العامة في المجتمع البحريني. لكن المرأة فشلت في الجملة في الوصول الى البرلمان البحريني عبر الإنتخابات، لأسباب عديدة من بينها الثقافة الخاصة بالمجتمع، وبسبب ضعف إمكانات المرأة وعدم حصولها على دعم من الجمعيات السياسية الفاعلة في الساحة. من هنا، طرحت فكرة نظام الكوتا (الحصص) بحيث تخصص مقاعد في مجلس النواب للنساء. الفكرة أيّدها الاتحاد النسائي للمرأة والجمعيات النسائية المنضوية تحته؛ في حين رفض الفكرة المجلس الأعلى للمرأة.

المؤيدون يعتقدون بأن نظام الكوتا عبارة عن إجراء مرحلي لتعزيز مشاركة المرأة السياسية عن طريق تخصيص مقاعد للنساء سواء في البرلمان أو البلديات، أو عبارة عن آلية لمواجهة تهميش المرأة في مواقع صنع القرار. ويبقى السؤال قائماً حول مدى إسهام نظام (الكوتا) في تعزيز تمثيل المرأة في البرلمان البحريني. وكانت المرأة البحرينية قد شاركت لأول مرة في انتخابات عام 2002 ترشيحا وانتخابا ولم تفز بأي مقعد. وفي الانتخابات النيابية لعام 2006 ترشحت 16 إمرأة فازت واحدة فقط بالتزكية.

أما الرافضون لنظام الكوتا فيرون بأن المجتمع البحريني يجب أن ينضج ثقافياً وسياسياً بحيث لا يرى في ترشيح وانتخاب المرأة أمراً غريباً أو غير مألوف، كما أن المرأة نفسها بحاجة الى بذل الجهد للوصول الى البرلمان شأنها شأن الرجل بدون الحاجة الى قرار خاص بها، أو يعطف عليها. زد على ذلك، فإن هناك صعوبة في إجراء تعديلات دستورية تكون مقبولة أصلاً بحيث تثبت نظام الكوتا وتمنح المرأة نسبة من مقاعد مجلس النواب (30% مثلاً).

تضمين حقوق الإنسان في برامج المرشحين

هنالك ضرورة لتضمين حقوق الإنسان في برامج المرشحين للإنتخابات القادمة، لأنَّ ذلك الالتزام الحقوقي سيؤدي للمزيد من الاستقرار السياسي واحترام حقوق الإنسان والابتعاد عن العنف الطائفي. وتكمن أهمية هذا الالتزام في أنه يجعل المنشغلين بالسياسة يسعون لإصلاح أوضاع حقوق الإنسان كأمر ذي أولوية قصوى في أجندتهم عندما يصلون إلى مقاعد البرلمان. ويترتب على ذلك التزام أخلاقي من جانبهم بالإيفاء بوعودهم أثناء الحملة الانتخابية. فإصلاح التشريعات التي لا تتماشى مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، هـو بداية الطريق الصحيح نحو احترام حقوق الإنسان من قبل المؤسسات والأجهزة التنفيذية المعنية. ويقع على عاتق المجتمع المدني في البحرين عبء كبير في الضغط على المرشحين والمرشحات من أجل تضمين حقوق الإنسان في برامجهم الانتخابية.

مراقبة الانتخابات

مراقبة الانتخابات مسألة داخلية تتعلق بالدولة. لذا يجب عليها توفير البيئة الملائمة للمراقبين الوطنيين. وكانت جمعيتا الشفافية والبحرينية لحقوق الإنسان قد شاركتا في مراقبة الإنتخابات الماضية في البحرين، كما شاركت في مراقبة الانتخابات التشريعية في عدة دول، منها: الكويت ولبنان. الخبرات الوطنية متوفرة لإنجاز مثل هذا العمل الرقابي. لكن بعض الدول لديها تحفّظ على وجود مراقبين أجانب للإنتخابات، أو حتى أن تقوم الأمم المتحدة بعملية الرقابة. معلوم أن الأمم المتحدة قامت بمراقبة سلامة العملية الانتخابية في عدد من الدول في مناطق العالم المختلفة، وبشكل خاص في الدول ذات التجارب الديمقراطية الهشة، خاصة في مرحلة ما بعد انتهاء النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، أو ضمن ما تقدمه الأمم المتحدة من مساعدات في سياق عملية بناء مؤسسات الدولة (البوسنة والهرسك مثالاً). وبصورة عامة يتم تحديد طبيعة ونوعية المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة بشأن الانتخابات على ضوء الظروف الخاصة بالدولة المعنية.

حتى الآن، فإن الحكومة البحرينية لديها موقف من وجود مراقبين أجانب، وقد وافقت على الرقابة المحلية على الإنتخابات، ولا يبدو أن هناك إصراراً من المجتمع المدني على وجود مراقبين أجانب للإنتخابات، ولم يظهر في الإنتخابات الماضية ما يشير الى عمليات تزوير أو ما يستدعي وجود اولئك المراقبين. بيد أنه يجب على الحكومة البحرينية أن توفر كافة المساعدات وتهيئة الظروف التي تساعد تلك المنظمات الأهلية والمراقبين المحليين على القيام بعملهم. فمثل هذه الرقابة الداخلية مهمة لإكساب العملية الانتخابية المصداقية التي يجب أنْ تتمتع بها. وتمر عملية المراقبة بعدة مراحل منها: فترة الإعداد للعملية الانتخابية شاملة فترة الحملة الانتخابية؛ تسجيل الناخبين؛ التصويت؛ فرز الأصوات؛ النتائج والمتابعة.

هذا ويدعو مرصد البحرين لحقوق الإنسان إلى تنظيم عمليات الرقابة على الانتخابات التشريعية والبلدية القادمة، وتسهيل عمل المراقبين ليقوموا بدورهم على أكمل وجه، ضماناً لنزاهة الانتخابات، وتأكيداً لعدم تدخل الأجهزة الحكومية فيها. كما يدعو المرصد إلى الابتعاد عن أية ممارسات من شأنها أنْ تلقي ظلالاً من الشك على صدقية ونزاهة الانتخابات.