نحو علاقة رشيدة بين الحكومة والمعارضة

المشروع الإصلاحي أقرّ بضرورة وجود معارضة ضمن اللعبة السياسية، وأفسح الطريق لتأسيس الجمعيات السياسية (الأحزاب) ودعا الى التنافس في الوصول الى البرلمان، وهذه خطوات تأسيسية رائدة. لكن وبعد مضي ما يقرب من دورتين انتخابيتين، تبين أن ما تمّ إنجازه غير كاف لتكون المعارضة (شريكاً حقيقياً) في صناعة القرار السياسي، وهو ما جعلها تجأر بالألم والشكوى والإعتراض. وحتى في البرلمان، اكتشف الأعضاء المنتخبون صعوبة كبيرة في إقرار القوانين، كما في الرقابة والمحاسبة، وبسبب تلك الصعوبات بات واضحاً أنهم لم يحققوا الكثير من الوعود التي تساهلوا في تقديمها لناخبيهم، ما جعل بعضهم في وضع محرج.

الإشكال إذن لا يتعلّق بأصل وجود المعارضة السياسية ضمن السيستم القائم، بل بمدى ما يمكن السماح به للمعارضة من دور. هناك من يتهم أطرافاً حكومية بأنها تريد من المعارضة أن تكون مجرد شكل ديكوري لإكمال المشهد الديمقراطي ـ حسب وصف طاهر حكمت عضو معهد التنمية السياسية؛ وفي المقابل هناك من يتهم المعارضة بأنها تسعى للإنقضاض على السلطة وتعمد الى أسلوب حرق المراحل.

ويبدو أن العلاقة الجافّة بين القوى السياسية الفاعلة والحكومة قد أثرت بشكل كبير على التجربة البرلمانية؛ وقد لحظت الكثير من التقارير الدولية أن العلاقة غير المستقرة بين الطرفين تعيق التطوّر الديمقراطي في البحرين. لهذا، دعا مركز ابن خلدون في يونيو الماضي الى شراكة وتعاون بين الحكومة والمعارضة لحل المشكلات التي تواجه البلاد؛ ومن هذا المنطلق وجهت دعوات من قوى المعارضة الى الحكومة بأن تعترف بدورها وأن تعتبرها شريكة في القرار السياسي، واعتبرت نفسها جديرة بتجربة حظها في تداول السلطة.

المعارضة من جانبها لاتزال متشظّية لا يحكمها برنامج واحد، واختلافاتها الأيديولوجية واضحة جعلت من تحالفاتها مؤقتة، وبالتالي فإنها رغم إصرارها على أنها لا تنظر للحكومة بمنظار العداء، وأنها مستعدة للنقاش والحوار، إلاّ أنها فشلت في إقناع الآخر بأنها جديرة بأن يتحاور معها.

ويمثل فشل قوى المعارضة التي انضوت ضمن العملية السياسية وشاركت في البرلمان في أحد أوجهه فشلاً للمشروع الإصلاحي. وإن العمل على إضعاف المعارضة أو تشتيتها ـ كما يشتكي البعض ـ يعني إضعافاً للذات، أي للنظام السياسي نفسه. والسبب في هذا، أن تعويق عمل المعارضة البرلمانية بالخصوص وعدم فسح الطريق لها لتحقيق منجز لناخبيها، يعني ضمناً فشلاً في العمليّة السياسية برمتها. الخطر يكمن في حقيقة أنه إذا لم تحقق المشاركة السياسية غاياتها في التغيير والتعبير عن المطامح الشعبية، عبر السبل الرسمية التي ابتدعها المشروع الإصلاحي، فإن جناح التشدّد والعنف سيحصل على المزيد من القوّة، وقد يزهد المواطنون في المشاركة في العملية الإنتخابية باعتبارها عديمة الفائدة. ثم إن ضعف المعارضة يعني ضعفاً في الآليات السياسية التي تمّ التوافق عليها، وعجزها عن تحقيق أهدافها. والعجز والإضعاف للمعارضة ـ إن كان مقصوداً ـ يعني فيما يعنيه غياب الصوت الآخر، والرأي الآخر، وضعف المحاسبة، وبالتالي فإن احتمالية ترشيد وتصويب أداء الجهاز السياسي والبيروقراطي الحكومي تضمحل الى أبعد الحدود.

لهذا اعتبر وجود المعارضة والصوت الآخر ـ وإن كان مؤذياً ومزعجاً ومتجاوزاً لحدوده في بعض الأحيان ـ ضرورة لأي نظام ديمقراطي أو يسعى الى التحول نحو الديمقراطية. فأصل وجود المعارضة مظهر من مظاهر الإنفتاح السياسي، والتحوّل الديمقراطي، ويعكس وجودها مدى نضج النظام السياسي ورموزه، كما يعكس أداء المعارضة مدى نضج المجتمع.

أياً كانت أسباب الجفاء بين الحكومة والمعارضة داخل البرلمان وخارجه، فإن ما نريد أن نخلص إليه هو:

ـ أن القوى السياسية في البحرين ونموّها وتطورها يعضد نظام الحكم بقدر ما يتاح لها المشاركة فيه؛ وأنها ـ في عملية التحول الديمقراطي ـ لا بدّ أن تكون في يوم ما شريكاً في صناعة القرار بنحو أو بآخر، وبالتالي لا بد من الوصول الى تفاهمات وحوارات تناقش قضايا البلاد المستقبلية.

ـ إن فشل المعارضة ضمن الآليات الديمقراطية المتبعة في تحقيق بعض أهدافها وفي التحوّل من متفرّج الى شريك في صناعة القرار، وإن عاد في جزء منه الى ضعف في المعارضة ذاتها وفي أدائها، فإن انعكاساته السلبيّة تصيب المشروع الإصلاحي ذاته، وقد تعرّض البلاد الى عدم الإستقرار.

ـ كما أن الحكومة أخذت المبادرة في عملية الإصلاح، فإنها تستطيع أن تبادر مجدداً في مدّ يدها لزيادة المساهمة الشعبية في صناعة القرار، وكلما زاد عدد القوى السياسية الحيّة المشاركة، فإن ذلك يمثل ضمانة أكبر للإستقرار، وتعزيزاً لمشروعية النظام السياسي.