البحرين: لنتحمّل بعضنا بعضاً

ديمقراطية ناشئة ومجتمع مدني ناشئ أيضاً

تواجه الديمقراطيات الناشئة تحديات شتّى. واحدةٌ منها تتعلق بتجربتها الوليدة التي لا تعرف حدودها وتحدياتها ومصاعبها.

ولذا تقع تلك الديمقراطيات في أخطاء شتّى، ولكنّها شيئاً فشيئاً تتعلّم من التجربة الذاتية، وتتقدّم بخطوات متسارعة بعد أن تذهب الخشية والحذر المغالى فيهما.

الديمقراطيات الناشئة تقدّم تجربة أولية ناشئة، وليس تجربة ناضجة.

ومنظمات المجتمع المدني ذاتها في تلك الديمقراطيات الناشئة لا يسعها إلا أن تقدّم تجربة ناشئة وليست ناضجة أيضاً.

فمن اعتاد القمع، والعمل بالسرية والكتمان، لا يستطيع أن يستثمر ـ بين ليلة وضحاها ـ أجواء الإنفتاح، والعمل في الأضواء، ولا أن يتطوّر بالسرعة المبتغاة. وبالتالي فإن النظم الديمقراطية الناشئة كما منظمات المجتمع المدني تقع في أخطاء عديدة في تجربتها الآخذة في الصعود والنضج.

هذا ينطبق على جميع الدول تقريباً، وهو ينطبق على البحرين.

حين يوجّه النقد الى أخطاء الحكومة، من قبل منظمات المجتمع المدني المحليّة، يجب أن يكون في ذهننا أننا نتعاطى مع نظام في طريقه الى التحوّل والتبدّل، ولا سابق تجربة له، ولا رجاله متساوون في الوعي والإدراك والقدرة على التواؤم مع الأوضاع الإصلاحية المستجدة.

لا يعني هذا توفير النقد، وإنما المقصود تقديم الفهم على النقد. فالمهم بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني أن تفهم الأرض التي تعمل عليها، والنظام السياسي الذي تتعاطى معه، وكيفية معاونته والأخذ بيده خطوة خطوة باتجاه المصالح العامة، بحيث يأتي النقد في إطار الفهم والوعي، وبالتالي يمكن ضبط الخطاب النقدي وتوجيهه ليخدم الغرض الأساس منه وهو التطوير وتحسين الأداء.

وكما هو مطلوب من منظمات المجتمع المدني عامة أن تراعي ظروف التحول السياسي، كذلك النظام السياسي مطالب بأن يراعي حقيقة أن المنظمات الأهلية بما فيها الجمعيات السياسية والحقوقية تخطيء، مثلما هو يخطيء، وأنها بحاجة الى يد العون والتسديد أيضاً، مثلما هو بحاجة اليها.

نحن لازلنا في مرحلة نرتكب جميعاً فيها الأخطاء. ومعظم تلك الأخطاء غير مقصودة وإنما نابعة من فترة ما قبل الإصلاحات، ومن قلّة الخبرة والتجربة، ومن سريان حالة الشك وعدم الثقة بين دعاة الإصلاح في النظام والمؤسسات الأهلية.

من يريد أن يتعامل مع النظام ككتلة واحدة ناضجة مسؤولة عن كل التصرفات التي يقوم بها المسؤولون صغيرهم وكبيرهم، فعليه أن يقبل بأن يحاسب على أخطائه هو أيضاً، باستخدام ذات المقاييس، وفي هذه الحالة لا يبقى أمامنا إلا أمران: النظام يتهم مؤسسات المجتمع المدني بارتكاب الأخطاء والتجاوزات ويجرّها الى المحاكم، ومؤسسات المجتمع المدني تشهّر بالنظام على كل خطأ صغير أو كبير ويحمّل فيه رأس السلطة وليس الى المؤسسات التي يتبع لها المسؤولون المخطئون.

هذا بالضبط هو ما سيوصلنا الى الصدام، والى إطالة مدة الفترة الإنتقالية، وتعويق الإصلاحات، وتوتير الشارع.

لقد رأينا في بداية عهد الإصلاحات كيف أن عدداً من المسؤولين كانوا غير قادرين على التكيّف مع الوضع الجديد. عدد غير قليل لم يكن يتحمّل النقد، وعدد آخر لم يكن يستطيع أن يواجه الإعلام ولا يجيد مخاطبة الرأي العام، حتى أن الحكومة بإدراكها المبكر أقحمت عدداً غير قليل من المسؤولين في دورات تعليمية في كيفية التعاطي مع النقد والإعلام والمنظمات الأهلية وغير ذلك.

وفي المقابل رأينا أيضاً المنظمات الأهلية وهي تتكاثر على السطح، بعضها يجيد العمل، وبعضها الآخر يخطيء المرة تلو الأخرى، لا بسوء نية، ولكن لقلّة التجربة والوعي بالوضع الجديد. وحتى اليوم لازلنا نسمع بعض التصريحات والمواقف غير الناضجة.

الأخطاء موجودة لا يستطيع النظام السياسي ولا المنظمات الأهلية بمن فيها الجمعيات السياسية نكرانها. وبالتالي فنحن يجب أن نتحمّل بعضنا بعضاً من أجل أن يعين أحدنا الآخر على التطوير والتعلم واكتساب الخبرة والنضج.

ليس كل المسؤولين ناضجين، ولا كل ممثلي الشعب في البرلمان كذلك، ولا الجمعيات الحقوقية خالية من النقد وارتكاب الأخطاء.

فهل نحن متساوون؟ وهل من الصحيح ان يغض بعضنا النظر عن أخطاء الآخر؟

لا.. الخطأ يبقى خطأ يجب التنبيه عليه، والكتابة عنه، ولكن من زاوية النقد البناء الذي يستهدف الإصلاح لا تسجيل نقاط على الطرف الآخر، وهو ما يفعله بعض من كلا الطرفين للأسف.

عدم نضج المؤسسات الرسمية أو بعضها، وكذا عدم نضج المؤسسات الأهلية حقيقة علينا الإعتراف بها، وعلى المنظمات الدولية أن تدركها حينما تتعاطى مع الشأن البحريني السياسي أو الأمني أو الحقوقي. فهذا من شأنه إبعاد المسيرة الإصلاحية في الميادين الحقوقية والسياسية والتشريعية عن التجاذبات والخصومات والمصالح السياسية الآنيّة، وبالتالي يمكن توفير مناخ أفضل لتطوير النظام السياسي وحقوق الإنسان بعيداً عن الإتهامات وسياسة تسجيل النقاط ضد هذا الطرف أو ذاك.