لا ديمقراطية عبر العنف

مرّت مناسبتان دوليتان لهما أهمية خاصة على الصعيد الدولي والإقليمي. الأولى: مناسبة اليوم العالمي لنبذ العنف؛ والثانية: مناسبة اليوم العالمي للديمقراطية. كلتا المناسبتين مرتبطتان عضوياً في هدفهما النهائي، وهو صناعة مجتمعات متعايشة متسالمة ديمقراطية، بعيداً عن العنف والإقصاء والتطرف والديكتاتورية والتمييز وغمط حقوق المواطنين.

بالتجربة العمليّة فيما سمي بدول الربيع العربي، فإن العنف ـ وسواء جاء من النظام أو من المعارضة ـ يتناقض مع الديمقراطية. يصعب بناء نظام انساني سويّ ومتآخٍ ومتعايش وديمقراطي عبر الحروب الأهلية، أو من خلال فوهة السلاح ضد الأنظمة السياسية القائمة. ولعلنا لا نحتاج الى مزيد من الشرح، ونحن نشهد تجربة ليبيا وسوريا والعراق، حيث ضاعت الديمقراطية المأمولة، واستوطن العنف، وشاع القتل الى حد ضياع الحقّ الأساسي وهو (الحق في الحياة)؛ وتشظّت المجتمعات على أسس مناطقية وقبلية وطائفية وأثنية؛ تقاتل بعضها بعضا.

بمناسبة اليوم الدولي لنبذ العنف، كتب بان كي مون، أمين عام الأمم المتحدة عن ثقافة اللاعنف وكيف أنها طريق الى التعايش وازدهار التنوّع، فذكّر بمقولة غاندي: (العمل بمبدأ العين بالعين ينتهي بجعل العالم كله أعمى)؛ وهذا صحيح بشكل خاص في قضايا النزاعات الداخلية والحروب الأهلية حيث الإنتقام المتبادل سواء بين الجماعات المختلفة، أو بين الأنظمة ومعارضيها. وشدد بان كي مون على (إرساء ثقافة السلام، التي تنبني على الحوار والتفاهم، من أجل العيش جميعاً في انسجام، مع احترام التنوع الغني للبشرية وتعظيمه). واعتبر مون التعليم أهم وسيلة (للنهوض بكرامة الإنسان، وإرساء ثقافة اللاعنف، وإقامة دعائم السلام الدائم، وفتح سبل جديدة للعيش، وبلورة أشكال جديدة من المواطنة والتضامن على الصعيد العالمي).

وناشد أمين عام الأمم المتحدة الجميع بأن يتصدّوا لما أسماه بقوى التعصب، إيماناً منه بأنها المولّد الأساس للعنف، ولأنها ترفض المبادئ الأولية في قبول الاختلاف، كما ترفض التعايش مع المختلف حتى من بين المواطنين؛ ولأن تلك القوى تحدّد ـ بسبب تعصّبها ـ الحقوق على أساس الإنتماءات الضيّقة، فالمتعصّبون لا يقبلون بالمساواة، ولا بمبادئ المواطنة، ويرون ان لهم حقاً أكثر من نظرائهم المواطنين الآخرين، هذا إذا اعترفوا بأن لهم حقّاً في الأساس، بما في ذلك حق الإختلاف، وحرية التعبير والفكر والعبادة. بل اننا وصلنا الى مرحلة ان قوى التعصب والتكفير (كالدواعش) لا يرون للآخر المختلف حتى الحق في الحياة.

ونحن في البحرين، علينا أن نعيد التأكيد على ترسيخ ثقافة اللاعنف، سواء في الحياة اليومية، أو السياسية. لا يجوز ان يندفع أحد الى تبرير العنف أياً كان مصدره، ويجب أن ندرك جميعاً بأن التغيير عبر العنف ليس فقط مكلفاً، واحتمالات نجاحه ضئيلة، بل أنه يقضي على فرص الحياة الطيّبة في المستقبل، ويدمّر أسس التعايش المجتمعي. فالذي يعتقد بأن العنف وسيلة الى تحقيق الديمقراطية، عليه أن يتأكّد بأن ذلك لا يتحقق بتاتاً، الذي يتحقق هو عكسه تماماً، بحيث لا نجد إلاّ أشلاء وضمائر ميّتة، ومجتمعات متحاربة تحتاج الى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

في المقابل، فإن جذور العنف، أو البيئة التي توفر مناخ ممارسته، يجب ان يقضى عليها، أو يخفّف من خطرها. العنف ينمو في بيئة الإستبداد، واليأس من التغيير، وشياع ثقافة الكراهية والتطرف، وعدم احترام الآخر، واعتماد وسائل القسر والإقصاء والتهميش.. كل هذا يؤدي الى نزعات عنف في المجتمعات. ونحن مطالبون بإبعاد شبح العنف عن مجتمعنا، من خلال تعزيز الإجراءات والتشريعات الديمقراطية، وإعادة بناء النسيج الإجتماعي وفق مبادئ المواطنة، ووفق التسامح بدل العقوبة، وإيقاف المواجهات الإنتقامية المتبادلة، وزرع أزهار الأمل بالعيش الكريم المشترك.

ويعتقد بان كي مون، في مقالة له بمناسبة يوم الديمقراطية العالمي، بأن أعمال العنف المندلعة ـ في أكثرها بمنطقتنا ـ ترسّخ حقيقة (أن لا سبيل إلى تعزيز بذور السلام والمساواة والرخاء المشترك، مادامت المجتمعات لا تُدمج كافة أبنائها، وما دامت الحكوماتُ لا تلبي المطالب ولا تخضع للمساءلة). وهو ينصح بتمكين عالم المحرومين والمهمشين والبائسين والعاطلين وفاقدي الأمل من المشاركة بشكل إيجابي في رسم مستقبلهم. ودعا أمين عام الأمم المتحدة شريحة الشباب بين 15-24 سنة والتي تشكل نحو خمس عدد سكان العالم، الى إمعان التفكير في التحديات ومواجهتها من اجل ان تتحكم بمصيرها وتترجم أحلامها، وتتقدم الصفوف في المساهمة ببناء مجتمعاتٍ ديمقراطية أقوى وأفضل.